التقوى السياسية..!
د.عبد المهدي الخفاجي ||
إنّ مفهوم التقوى, وإن كان حاضراً في ثقافة المسلمين بصورة عامة, إلاّ أنَ استخدامه بــدا شائعــاً فـــي الجانب العبادي بصورة غالبة, حتى وصف المتعبد بـ ( التقي )
في حين غاب هذا الوصف عن التاجر المتشرع، أو العالم المبدع المتقرب إلى الله تعالى في منجزه، والعامل المخلص في عمله, وغيرهم كثير.
وأبتعد أكثر عن المتصدين للعمل السياسي، تحت ضغط الإعلام الأصفر، الذي صور كل متصدي للعمل السياسي، فاسد دنيوي، يبحث عن مصالحه.
وهذا وإن كان صحيحاً في بعض منهم إلاّ أنه غيرُ ممتنع عند باقي طبقات المجتمع،
كما هو معلوم، فالطبقة السياسية كحال باقي الطبقات تحوي الصالح والطالح.
وحقيقة التقوى تكون تارةً في العبادات كما هو الشائع, وتارةً في المعاملات, وأخرى في العلاقات, ومن ذلك التقوى في العمل السياسي ( التقوى السياسية ) وهي أهم مصاديق التقوى؛ كونها تلامس وجدان السياسي المهيمن، على رقاب الرعية، من خلال هيمنته السياسية, وهذا إذا مافقد التقوى, فُقدت الناس كرامتها, وعزتها, بل وحياتها. وإذا ما اتصف به (التقوى السياسية ) عاشت الأمة عيشة رغيدة, وعزاً مستداماً, وكرامة تشرئب لها الأعناق.
فالتحديات التي تواجه المتصدين للعمل السياسي، تفوق غيرهم, فهم يعيشون في الغالب في جو التكالب، على الدنيا, والشعار عند أغلبهم (الغاية تبرر الوسيلة), والمختلفين معه يكيدون المكائد, ويبحثون عن كل زلة للنيل منه وازاحته, والمؤتلفين معه يبحثون عن مكاسب, وإذا مامنحوا استشعروا الغلبة, دون التفات إلى أنَ التقوى السياسية حاكمة عليهم, وهي ذات التقوى، التي جعلت أمير المؤمنين -عليه السلام- يسكت عن حقه, وذاتها جعلت الحسن – عليه السلام- يتنازل عن الحكم لمعاوية, وهكذا هي سيرة المصلحين.
والوقوف بوجه التقي السياسي هدم للمشروع السياسي, وتعريض الدولة للخطر, وفقدان للحكمة, خاصة إذا مانادى المقربون بالغنائم, وجعلوا تركها خسارة وهزائم, لذا تكون حياة السياسي المتقي لربه, المتصدي للعمل السياسي في صراع دائم, صراع خارجي مع أعدائه, وآخر داخلي من مناوئيه، بل وحتى مع مريديه غير المدركين لتوجهاته الإصلاحية، وآخر نفسي في صراعها بين مكتسبات الدنيا ووعود الآخرة, وآخر في تحديد نوع التكليف, وآخر في إقناع مريديه ومحبيه بمشروعه، وآخر في تهدئة المنتظرين للغنائم, وغيره كثير .
لذا يرى السيد الإمام الخميني ( قدس سره الشريف) بإن أصحاب التقوى السياسية ذوو كرامة، وفاقديها ساقطين في نظر الله تعالى، وعندما تحكم التقوى الشعب فسيكون عزيزاً، وكريماً.
ولاشك إذا ما تفحصنا المشهد السياسي العراقي بالبصيرة ( قوة القلب المدركة ) دون أحكام مسبقة، وابتعدنا عن القيل والقال سيتضح لنا أنها ( التقوى السياسية ) لم تغب عن واقعنا الحالي. ففيه من إذا قال صدق, واذا وعد أوفى. (فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)