الاثنين - 20 يناير 2025

وزارة خارجيّة العراق في ذكراها ألمئويّة: مسار تحديات وطموح

منذ 11 شهر
الاثنين - 20 يناير 2025

السفير الدكتور جواد الهنداوي ||


رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات و عزيز القدرات /بروكسل / في ٢٠٢٤/٢/٢٥.
مسار تحديّات ،ومن محطات هذا المسار ، هو تكفّلها او مساهمتها الفعّالة ( واقصد وزارة الخارجية ) مرّتيّن بالمسؤلية السياسيّة و الدبلوماسية لتحرير العراق ؛ الاولى ، من الانتداب البريطاني ، وتبعاتهِ ، و دخولة في عصبة الامم المتحدة عام ١٩٣٢ ، والمرّة الثانية تحرير العراق من الاحتلال الامريكي ، و انسحاب القوات الأمريكية ، نهاية عام ٢٠١١ ، وكذلك تحرير العراق من العقوبات الامميّة والدولية .
تستحقُ هذه المناسبة أنْ تشغِلَ حيّزاً و وقتاً وجهداً ، في هذا العام ، ليس لسردٍ تأريخي عابر ،و انما لاستحضار قيمي و معرفي لإنجازات الوزارة على مستوى العراق و العالم العربي و العالم ، ولكي يستلهم كادرنا الدبلوماسي عمله و طموحاته من وحي أمجاد و رصانة وزارة رعتْ ولادة العراق ،و موكولٌ لها حفظ مصلحة ومكانة العراق الدولية .
صدرت الارادة الملكية المرقّمة 753، في 24 تشرين الثاني ،عام 1924 ( عهد الملك فيصل الاول 1883-1933) ، بتشكيل وزارة الشؤون الخارجية ،و أُسندت بالوكالة إلى رئيس الوزراء المرحوم ياسين الهاشمي ، وهو الذي اقترح مشروع تأسيسها . تولى رؤساء وزراء مملكة العراق ،في هذه الحقبة الملكية ، وزارة الخارجية بالوكالة ، إبتداءاً من الهاشمي ،ثُمَ عبد المحسن السعدون ،ثُّمَ جعفر العسكري ،ثُّمَ عبد المحسن السعدون ، مرّة اخرى ،ثُمَ توفيق السويدي ،ثُمَ عبد المحسن السعدون ، ثُمّ ناجي السويدي ،ثّمّ نوري السعيد عام 1930 ، وفي عهده أُسندت وزارة الخارجية ،بتاريخ 18 تشرين الاول ،إلى المرحوم عبد الله الدملوجي ، و اعتباراً من هذا التاريخ تولى وزارة الخارجية شخصيات غير رئيس الوزراء .
تولي رؤساء وزراء العراق ( من عام 1924-1930 ) وزارة الخارجية وكالة يدّلُ على حرص بريطانيا على مسك زمام علاقات العراق الدولية ،وفي فترة زمنية شهدت تداعيات الحرب العالمية الاولى ، و ارهاصات و علاقات دولية قادت العالم إلى أتون حرب عالمية ثانية ، ولم يغفلْ البريطانيون ما للعراق من اهميّة جغرافية و اقتصادية وثقافية لهيمنة وسيادة الغرب على العالم ؛ أهميّة جغرافية و اقتصادية وثقافية للعراق لدى الغرب لم تندثر بمرور الزمن ،وانما حلَّ الأمريكان في الوقت الحاضر محل البريطانين .


على مدى قرنٍ من الزمن عاشته وزارة الخارجية، كيانٌ حيٌ مُفعمٌ بالنشاط و التألقْ ، نما و تطّور و جادَ في العطاء ، يتعبُ احياناً ،لكنه لم يمرضْ . تمضي به السنون و يُعّمرْ لكنه لم يمتْ ، بل العكس ، يزاددُ ثراءاً بالخبرة و الدور ،و يتكّيف وفقاً للظروف و التحديات و المتغيرات التي تمّيّزُ عالم اليوم .
كانت وزارة الخارجية ولاتزال ، ليست نافذة العراق على الخارج ،بل منفذ و معبر العراق الى الخارج ، ومدخل الخارج الى العراق . تركت اسماً و دوراً للعراق في تشكيل عصبة الامم ،حين وافقت الجمعية العامة لعصبة الامم ،في ٣ تشرين الاول عام ١٩٣٢ ، على قبول العراق عضواً في عصبة الامم ،بناءاً على طلب الانضمام ،الذي تقدمّت به وزارة خارجية المملكة العراقية ،بتاريخ ١٩٣٢/٧/١٢ ، وبذلك أصبحَ العراق اول دولة عربية مُستقلة تنضّمُ الى هذه المنظمة الدولية حينها .
ادركت الخارجية العراقية ، وهي التي تُمثّل وتنفذ سياسة العراق ، دورها التاريخي في عصبة الامم ، وبعدها في منظمة الامم المتحدة ، والتي ساهم العراق في تأسيسها عام ١٩٤٥ ، بأنها تدافعُ ليس فقط عن مصالح العراق وحَسبْ ، وانما تدافعُ عن مصالح جيرانها و اشقائها العرب ، كمثال وشاهد لهذا الدور التأريخي لخارجية العراق تجاه اشقاءه العرب ، يحضرُ ذكر ما قام به وزير خارجية العراق حينها ،المرحوم الدكتور فاضل الجمالي ،عام ١٩٥٤ ،حين مكّنَ الزعيم التونسي المرحوم الحبيب بورقيبة ،من دخول الامم المتحدة ،حينَ مُنِعَ من دخولها لعدم تسّنمه صفة رسمية ، لعرض قضية تحرير و استقلال تونس . تزامناً مع دور العراق الدولي و الاممي ،عبر وزراة الخارجية ، كان له ايضا دور المؤسّس للجامعة العربية عام ١٩٤٥ .
لم يكْ عمل خارجية العراق ،ومنذ تأسيسها ولليوم ،عملاً هيّناً ، حيث واجهت و تصدّت الخارجية للتحديات و للمواقف الدولية و الاقليمية و العربية الصعبة التي عاشها العراق و عاشتها المنطقة . العراق و المنطقة واجهوا حروب وليس حرباً واحدة ، و العراق واجه الحصار و الاحتلال و عقوبات الفصل السابع ، والارهاب ، فأدتْ الخارجية واجبها ، وتحمّلت مسؤوليتها ، حيث اضطلعت بعثاتها في الخارج بالدفاع عن مصالح العراق ، وتبيان دور العراق بمحاربة الارهاب نيابة عن ألعالم ، وتذكير مؤسسات الدول وشعوبها بالتضحيات التي قدّمها الشعب العراقي في مقارعة الدكتاتورية و الارهاب .
حرصتْ الخارجية ، على تبني توازن مُستمر وثابت ، بين فواعل مؤثرة جداً في أداءها و رسم دبلوماسيتها . فما هي هذه الفواعل ؟
– أظهرت الخارجيةً حرصها الشديد على تبني المواقف و الاداء الدبلوماسي وفقاً للدستور و توجيهات الحكومة ،وجميعها تؤكد على الحفاظ على سيادة العراق ،و على مبدأ حسن الجوار ،وعلى امن واستقرار العراق و المنطقة . وكانت للخارجية مبادرات ناجحة في التقريب بين دول المنطقة المتخاصمة ( المملكة العربية السعودية و ايران ) ، كذلك اعتماد الدبلوماسية في حّلْ الخلافات مع دول الجوار ،وخاصة تركيا ، كذلك اعتماد سياسة و دبلوماسية الانفتاح و التعاون الاقتصادي الكبير مع الاشقاء العرب و مع دول الجوار .
– نجحت الدبلوماسيّة العراقية بترشيد و عقلنة توجهّات الاحزاب و الشخصيات السياسية ،التي تتبنى احياناً خطابات و تصريحات و مواقف بشأن علاقات العراق الدولية والسياسية ، بَيدَ ان هذه العلاقات هي حصراً من عمل و اختصاص وزارة الخارجية .
– ترجّمَ الاداء الدبلوماسي للوزارة وبنجاح سياسة العراق الثابتة في رفض التمحّور و الحفاظ على مسارات و قنوات اتصال فعّالة مع الجميع . وهذا التوجّه الدبلوماسي و السياسي للوزارة يتماشى مع التغيرات التي طرأت على طبيعة العلاقات الدولية ، والتي لم تعدْ قائمة على تحالفات ثابتة ،و انما تقاطعات متقلبّة ، و وفقاً لمصالح الدول .
لم تغفلْ او تهملْ سياسة العراق الخارجية دور العراق ازاء اشقاءه العرب ،رغم الاجواء و الظروف السائدة في عالم اليوم ، والُمجرّدة من مُراعاة معايير الاخوّة و التضامن و المصير المشترك ، حيث ساهمَ و يساهم في تعزيز التعاون والتضامن مع الاشقاء الذين هم بحاجة الى دعم نفطي و تجاري وسياسي .
في عالم اليوم المُتخم بالتحديات و المشاكل ،وعلى كافة الصعُدْ ،وليس فقط على الصعيد السياسي و الدبلوماسي ، يصبحُ معيار نجاح وفشل دبلوماسية دولة ما ، هو كفائتها و دورها في حماية مصالح الشعب ، و حماية الدولة من التورط في نزاعات او الانسياق تجاه تحولّات استراتيجية لا تتماشى مع تطلعات الشعب وتخالف ثوابته الاخلاقية و الاجتماعية و التاريخية . و وزارتنا اثبتت و بجدارة تمسكها بهذه الثوابت ،ألمُعّبرة عن مصالح الشعب و تطلعاته .
يحدونا املٌ كبير بأن تحافظ كوادر وزارة الخارجية على قدرة و سرعة مواكبة كفاءتهم وجهودهم مع المتغيرات الكبيرة ، وعلى كافة الصعُد ، لضمان النجاح في الاداء ،والمساهمة الفعّالة في ترك بصمات النجاح في السياسات العربية و الاقليمية و الدولية .
أمن و استقرار المنطقة هو اكثر ملفات المنطقة علاقةً و ارتباطاً بالعراق ، وقد ساهمَ العراق ، و من خلال وزارة الخارجية ،بدور فعّال في تفادي انزلاق المنطقة نحو الحرب ، و وسّعَ من مساحة العلاقات الايجابية بين فواعل المنطقة ، و أقصد اعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية و إيران ، مما عزّزَ تجاه مسار المنطقة نحو الامن و الاستقرار .
الطاقة و الاستثمار هي ملفات اخرى ، يمكن ان تكون مجالات رحبة تتألقُ في توظيفها وتفعيلها وزارة الخارجية ،ليس فقط لمصلحة العراق ،و انما لمصلحة امن واستقرار المنطقة ،ولتكامل اقتصادي او طاقوي في المنطقة ،بين دول تنتج واخرى تسّوق ،عبر مرور الانابيب او الموانئ ،و اخرى تُكّررْ .
مكافحة الإرهاب و الفتن الطائفية و العنصرية بين شعوب المنطقة هي ايضاً فصول لملف عرفهُ و عالجه العراق بالصبر وبالتضحيات وبالنصر ، و تولّت وزارة الخارجية ، وبنجاح ، إسدال الستار على ماضٍ تولّى ،والشروع بعلاقات عربية -عربية ،و عربية -اقليمية ، فحواها المستقبل و الأمل والتطور و الازدهار .