الأحد - 01 ديسمبر 2024
منذ 9 أشهر
الأحد - 01 ديسمبر 2024

سعيد البدري ||

لم تعد هناك أسرار يمكن للصهاينة وحلفائهم الأمريكيين إخفاؤها فيما يتعلق بقطار التطبيع مع الحكومات العربية، الذي انطلق في عهد ترامب فكل شيء بات واضحا ،ولم يعد هناك مسوغات مقبولة يستطيعون تسويقها للشارع الذي يحكمون ، فطالما تحدثوا عن المصالح المستقبلية وضرورات الشراكة الاقتصادية، وعن اصل الاديان وانها تنطلق من مصدر توحيدي واحد كما تذرعوا بالصلات النسبية السامية ،وما يجمع الاسرائيليين الاسحاقيين بالمسلمين الاسماعيليين من كونهم في النهاية ابراهيميين ايمانا واتباعا .

إن عملية طوفان الأقصى كشفت بشكل جلي وواضح حجم استغفال الأنظمة المطبعة لشعوبها ،ومحاولاتها تزيين الكيان الغاصب وتصويره بأنه كيان راغب بالسلام، فقد انكشف المستور وأظهر الصهاينة وجها حقيقيا لأطماعهم ،والأيدلوجيا العدائية التي تحركهم ،ليس تجاه العرب وشعوب المنطقة فحسب بل ضد الإنسانية جمعاء ،ومما لا شك فيه فإن التغييرات الجيوسياسية الكبيرة التي ستشهدها المنطقة، ستضع ما يسمى باتفاقات إبراهيم أو (إبراهام) في مهب الريح ،وستصل بها إلى طريق مسدود، فلا السعودية ولا توابع نظامها قادرين على المغامرة والمضي بخيار التطبيع مع الكيان الصهيوني ، ولا الكيان المجرم قادر على التماهي مع ما يراد منه لأجل بلوغ هذا المسار، بسبب ضغط الجبهة الداخلية للصهاينة، الذين أدركوا متأخرين أن عليهم أولا تجاوز محور المقاومة ،الذي مرغ أنوفهم في الوحل وأذاقهم مرارة الهزيمة مرة أخرى.

ربما تبدو حكومة بايدن أكثر إصرارا على إمضاء مخططها بمنع نتنياهو وفريق حربه من سلوك طريق اللاعودة، فواشنطن تعبر اليوم عن معارضتها احتلال قطاع غزة، وذلك ليس حبا بالغزاويين، بل لأجل فرض حلول تنتصر للصهاينة سياسيا وتجعل الباب مفتوحا أمام الحكومات العربية الراغبة بالتطبيع ،لأن خطط ما بعد نهاية الحرب العدوانية الإجرامية تقتضي ،أن يظهر الأمريكيون أنفسهم بلدا راعيا للسلام ،وهذا لن يتحقق بالسير خلف ما يراه نتنياهو ،الذي يركز بإرضاء خصومه ومعارضيه في الداخل الصهيوني ،من الراغبين برؤية إنجاز ملموس لعمليات جيش الاحتلال وهو ما لم يتحقق فعليا حتى الآن ،وما عملية تحرير الأسيرين في رفح إلا تمثيلية يراد استكمالها بإبادة عدد أكبر من المدنيين ،عبر عملية عسكرية تدميرية واسعة للإيحاء بهذا الانتصار الموهوم، نعم إدارة بايدن تغازل العرب بقولها إن أي ترتيب لأوضاع غزة وأهلها ،ينبغي أن يكون فيه رأي وارادة للفلسطينيين والعرب ،فأين كان هؤلاء العرب من ترتيبات ما دبر من عمليات ابادة وقتل وحشي، بتفاهم وتناغم بين الامريكيين والصهاينة.
ما يثبت صحة الرأي القائل بتأجيل مسار التطبيع لأجل غير مسمى، هو ما قدمه نتنياهو من خطط وتصورات لمجرمي (الكابينت)، والتي أسماها إعلام الاحتلال ب (وثيقة المبادئ) لما بعد نهاية العمليات العسكرية الإجرامية في غزة ،والتي تضمنت التالي :
– احتفاظ جيش الاحتلال بزمام المبادرة والتدخل بلا شروط في كامل مناطق وسواحل وأجواء قطاع غزة ودون أن تحدد سقوف زمنية لهذا التدخل.
– الشروع بانشاء منطقة أمنية عازلة وبصفة دائمة بين قطاع غزة والمستوطنات الصهيونية.
– بناء قدرات قوة عسكرية تمارس دور الردع وتتسع واجباتها تدريجيا لتصل الى متابعة كل المرتبطين والمتعاونين مع الفصائل الفلسطينية.
– بالاضافة لخضوع القطاع بكامله لسلطة القرار الامني والعسكري لجيش الاحتلال، ويبدو ان في ذلك ايحاء بايجاد قوة شبيهة من الفلسطينيين لتلك التي تتعاون مع الصهاينة في الضفة الغربية، والتي يترأسها محمود عباس والتي فشلت في اختبار المواجهة مع المواطنين الفلسطينيين بعد عملية طوفان الاقصى.
وبعد كل ذلك هل هناك من يقول بأمكانية العودة لمسار التطبيع سيما مع تلك الاحصائيات المتزايدة للشهداء والجرحى والمفقودين من الغزاويين ولو فرصنا جدلا ان ذلك ممكن في ظل هذه الظروف فكم من الوقت ستحتاجه مثل هذه العودة وما هو الثمن الذي سيدفعه الحكام العرب للمضي بهذا المسار الخياني المشؤوم!!؟