الخميس - 12 ديسمبر 2024

١٦ مفاهيم قرآنية – ٢٨ – صور النفاق في القرآن الكريم

الخميس - 12 ديسمبر 2024

الشيخ جاسم الجشعمي ||

(ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون الا انفسهم وما يشعرون ، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاًولهم عذابٌ اليمٌ بماكانوا يكذبون ) سورة البقرة الاية ( ٨ – ١٠ )
( مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلمّا اضاءت ماحوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلماتٍ لايبصرون ، صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لايرجعون ) سورة البقرة الاية( ١٧ – ١٨ )
( اوكصيبٍ من السماء فيه ظلماتٌ ورعدٌ وبرقٌ يجعلون اصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين ) سورة البقرة الاية ١٩
الايات القرآنية المباركة تشرح بصورة دقيقة عن حال المنافقين وما يعانونه من ازمة نفسية بسبب نفاقهم الذي وصفه الله تعالى في القرآن الكريم بالمرض . النفاق معناه الدقيق هو اضمار الكفر واظهار الايمان خداعاً للآخرين ، ويعبر عنه في مصطلحنا اليوم بأزدواجية الشخصية . و هي ان يظهر الانسان شيئاّ او يؤيد شيئاً خلاف ما يعتقده في داخله . وهنالك حالة اخرى وهي ان يظهر الانسان خلاف معتقده لاجل الحفاظ على نفسه من الظالم او لمصلحة علياً كالاسير الذي يقع بيد اعداء الله وقد يظهر خلاف ما يعتقده لأجل ان ينجي نفسه من القتل او لأجل خداع العدو والحفاظ على اسرار المسلمين فهذا العمل مشروع في الاسلام بعنوان التقية وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وآله موقف عمار عندما اراد ان ينجي نفسه من الموت الحتمي عندما اظهر للكفار المشركين بخلاف مايعتقده بعد ان ايقن انهم سوف يقتلونه بعد قتلهم لابويه ياسر وسمية رحمهما الله تعالى .
ففي هذه الآيات الكريمة يشير القرآن الى نوعين من النفاق . النفاق الاول هو وجود نور للايمان ضعيف في قلو ب المنافقين وقد شبهه القرآن بنارٍ استوقدها الظال في صحراء قاحلة في ليلة ظلماء وهذه النار سرعان ما تنطفي بعد نفاذ الوقود او احتراق المادة المحترقة او انطفاءها لعوامل اخرى كالرياح . فهنالك من ضعاف الايمان من يحمل ايماناً ضعيفاً في قلبه لايقوى على الثبات عليه بسبب التعصب والتحجر والفساد والذنوب التي يرتكبها . فحال هؤلاء حال من استوقد نار لينير بها الطريق ويبصره وينجو من الظلمات ولكن سرعان ما تنطفي النار ويعود هذا الظال الى الظلمات . وهؤلا لم يستفيدوا من نقطة ايمان ضعيفة في قلوبهم من خلال الفطرة التي او دعها الله في قلوبهم . ولذلك قال تعالى في وصفهم ( صمٌ بكمٌ وعميٌ فهم لايرجعون ) يقول الفقيه المفسر المكارم يعني ( انهم فقدوا كل وسيلة لدرك الحقائق ) مختصر الامثل ج١ ص ٣٣
هذه الحواس الانسانية هي منافذ ومصادر للمعرفة والوصول الى الحقائق الربانية ، ولكنهم لم يستفيدوا منها لعنادهم وفسادهم فهم كالاصم والابكم والاعمى .
وقد يبتلي بعض العاملين بهذه الحالة من حيث لايشعر . فقد ورد في بعض الاحاديث ان الرياء شرك واصلها النفاق فعن الامام الصادق عليه السلام ( الرياء شجرة لاتثمر الاّ الشرك الخفي واصلها النفاق ) بحار الانوار ج٦٩ ص ٣٠٠ .
عندما يفتح الله البلدان على الاسلام بيد المجاهدين يدخل الى الاسلام ضعاف الايمان مع الافواج الداخلة للاسلام لكن نفاقهم لايستمر حيث ينكشف مع مرور الايام والشهور في المواقف والاحداث مهما تزينوا وتستروا بالعناوين والالقاب والمواقع الاسلامية . فالاحداث والمواقف كاشفة لماهية الناس وفاصلة بين الايمان والنفاق .
النوع الثاني من النفاق الذي اشار اليه القرآن هو المنافق الذين يخلو قلبه من نورالايمان حتى من النور الضعيف ويشببه القرآن بناس هم في ليلة ظلماء فيها مطر ( الصيب ) ورعد وبرق يضعون اصابعهم على اذانهم خوفاً من شدة الصواعق وخوفاً من الموت فالمنافقون كهؤلاء التائهين في صحراء مظلمة فهم يحسون بالخطر يحيط بهم من كل جانب . وكما ان التائهين في الصحارى المظلمة ضائعون وخائفون وحذارى انقطع بهم السبل ولايجدون مسلكاً للخروج من الظلمات والنجاة من الصواعق ولا دليلاً ليهتدوا به وينجوا من الظلمات فان المنافقين كذلك فهم في ظلمات الطريق مضطربون حيارى فكرياً ونفسياً لا طريق لهم للنجاة .
الفرق بين الحالتين :
الفرق بين حالة النفاق الممزوج بنور ضعيف مع حالة نفاق تام غارق في النفاق هو ان الحالة الاولى هي التي ابتلت بها جماعة من المسلمين دخلت الى الاسلام لاسباب كثيرة اما طمعاً او خوفاً او من باب الحشر مع الناس عيد يعني دخلت الاسلام بالعقل الجمعي او دخلت الاسلام تأثرا باخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في موقف ما . هؤلاء كان بامكانهم ان يستثمروا نور الايمان الضعيف في قلوبهم ويعززوا ايمانهم ويزكوا انفسهم ويحسنوا ايمانهم ويخرجوا من حالة النفاق الى الايمان الصادق . لكنهم لم يفعلوا ذلك وسدوا المنافذ التي وهبها الله اياهم والمطلة الى الله والى الحق ولذلك وصفهم الله بالصمٌ والبكم والعم ، فهم اصموا وابكموا واعموا انفسهم لكي لا يدركواحقائق الاسلام عناداً وحقداً وبغضاً للاسلام . اما الحالة الثانية فهم المنافقون الذين اختاروا اسفل درك النفاق وسدوا على انفسهم منافذ الخروج منه . ولم ينعموا بأضعف نور للاسلام .
النفاق حركة ابتدت منذ بداية الدعوة الاسلامية واستمرت الى يومنا هذا لاجل خداع المسلمين كما اشارالقرآن الكريم الى ذلك . ففي كل عصر منافقون يلبسون لباس الاسلام ويتزينون بزينته ويحملون رايته . فهم اخطر على الاسلام والمسلمين من الكفار . لانهم يربكون المجتمع الاسلامي . ويشكلون القاعدة الحاضنة لاعداء الاسلام . وفهم الطابور الاخطر على امن المسلمين ودينهم ودولتهم وارضهم . فهم الكتلة الجاهزة لتنفيذ مخططات ومؤامرت الاعداء .