الأحد - 01 ديسمبر 2024
منذ 9 أشهر
الأحد - 01 ديسمبر 2024

إنتصار الماهود ||

”هي العمامة شسوت، أوووف بس لو الله يخلصنا من أهل العمايم، يمعود شفت معمم شيعي بيه حظ؟! “، لم يمر يوم عليّ، وانا لم أسمع مثل تلك الكلمات وأقسى منها، إنتقاد إستهجان تجاوز على العمامة الشيعية ومن يمثلها، وهذا بالطبع ليس بجديد بل قديم بقدم السقيفة والأمويين، فالإعلام الأموي الممنهج سلك سلوكا واضحا وصريحا، في معاداة الأئمة من اهل البيت عليهم السلام ونسلهم، وأتبعوا شتى الأساليب لطمس الحقائق و نكران حق علي عليه السلام، والأئمة من ولده في الخلافة بعد النبي صلوات الله وسلامه عليه، فتارة يتم تكفيرهم وتارة يطاردون وأخرى يضطهدون، ومرة يتم تسليط كتاب وشعراء ورواة حديث، ليدسوا السم في صفحات التأريخ، كي تمرر جيل بعد جيل وتتطبع في أذهانهم، أفكار مغلوطة ومعلومات كاذبة، حول أحقية الخلافة لعلي ودور العمامة الشيعية، فالملك عقيم ولا أحد يحب أن ان ينازعه عليه، وكأن الأئمة من نسل علي عليه السلام هم طلاّب دنيا فقط، نسوا أن الإمامة تكليف رباني، وهي أعظم من مجرد مطامع دنيوية زائلة.
إن رسالة علي عليه السلام ونسله هي الحفاظ على الدين وقيادة الأمة الإسلامية، بعد وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ونشر فقه أهل البيت في العبادات والمعاملات والعقائد والسنن، وهو خط مخالف لما سلكه الأمويون والعباسيون بالطبع.
إن تلك الحرب الناعمة التي بدأت بوادرها كما ذكرنا قديما لم تنتهي حتى يومنا هذا لكنها أخذت صورا تغيرت حسب المتغيرات الزمنية، حاولوا من خلالها تحجيم وتسفيه دور العمامة الشيعية، ونسوا مال لها من مواقف مهمة ومشرفة في حفظ الدين، والمذهب وكرامة الإنسان وتقويم سلوكه.
وبتأريخ ليس ببعيد عنا، لعبت العمامة دورا مهما في التصدي للإحتلال الإنكليزي، فما بين نهاية الإحتلال العثماني وتسلط الإحتلال الإنكليزي، ونشوء الدولة العراقية الحديثة، كان للعمامة الشيعية دورا بارزا في إذكاء الوعي السياسي، وتحريك سواكن المجتمع، وتحقيق الإعتدال والإصلاح ولعب دور إقليمي مهم، من خلال إصدار الفتاوى الشرعية التي كانت السبب في الكثير من الأحداث المحورية في المنطقة، والتي لم تأتي من فراغ، بل جاءت بسبب نمو الحركة الإسلامية والوعي الفكري الشيعي، خاصة في المدن المقدسة، ( كربلاء، النجف، سامراء، الكاظمية)، ومنها إمتدت لسائر مدن العراق.
فحينما أعلن شيخ الإسلام خيري أفندي عام 1914 الفتوى، ضد الإنكليز، لم تلقى فتواه صدى واسع، إلا بعد أن ساندتها المؤسسة الدينية الشيعية، رغم عدم قناعتهم بمساندة الأتراك ضد الإنكليز، فكلاهما محتل، إلا أن شر الإحتلال العثماني المسلم أهون، من شر الإحتلال الإنكليزي الكافر، كما إشترك علماء الشيعة في الجهاد ضد الإنكليز، وقيادة ثورة العشرين،و أصبحت النجف وكربلاء مراكز لتجمع المجاهدين وإنطلاقهم ضد المحتل، امثال السيد اسماعيل الصدر في كربلاء، والسيد مهدي الحيدري والشيخ مهدي الخالصي في الكاظمية، والسيد محمد تقي الشيرازي من سامراء.
ومنذ تلك الحقبة، والعمامة الشيعية تلعب دورا سياسيا ودينيا مهما، حتى إعلان الدولة العراقية واستقرار الاوضاع في البلد عام 1921، فكان للعمامة خطان تسلكه، خط ديني فكري إسلامي مستمر، من خلال الحوزة العلمية ودورها في المحافظة على الدين وفقه آل البيت عليهم السلام والشريعة، وخط آخر سياسي من خلال تهذيب وتشذيب الوعي السياسي للمواطن العراقي وتوجيههم.
إستمر هذا الحال حتى جاء البعث، وتولى السلطة فبدأت بوادر هجمة قوية شرسة، ضد العمامة ومن يمثلها، فقد إنتهج البعث أبشع الأساليب في التنكيل بالعمامة بحجج واهية وسخيفة، مثل التبعية لإيران أثناء حربنا معهاو معاداتهم لمصالح العراق، حتى وصل الحال بالبعث ، لإعدام ثلة خيرة مجاهدة من علماء الشيعة ومن بيوتات عريقة، امثال بيت الصدر و آل الحكيم وبحجج مثل، إنتمائهم لحزب الدعوة المحظور من قبل البعث، إضافة لتمرير رسائل إعلامية خبيثة ضد الحوزة وترسيخ صورة ذهنية سلبية عنها.
لقد عانى علماء الشيعة ما عاناه، على يد الطاغية المقبور من ظلم وتنكيل وإضطهاد، إلا أن هذا لم يمنعهم من التصدي لأفكار البعث ومحاربتها والإستمرار برسالتهم، رغم قلة الناصر والعدد.
حتى سقط الصنم عام 2003، عادت الحوزة والعمامة الشيعية، الى الواجهة من جديد من خلال المحافظة على المجتمع وتقويمه ودعمه، في الحقبة السياسية الجديدة، الا أن الاقلام الصفراء بدأت تروج من جديد لصور سلبية، وافكار مغلوطة وتصدير نماذج لا تمت للعمامة الشيعية بأي صلة.
وهذا بدوره لم يمنع العلماء الأفاضل من الإستمرار بمسيرهم الجهادي، رغم التيارات المعاكسة.
وإستمر هذا الحال ما بين شد وجذب حتى عام 2014، بعد إجتياح داعش ووقوع البلد تحت إرهاب الظلاميين.
لم ينقذ العراق سوى الشيعة وعمامتها النجفية ولم ينتشل البلد من الضياع، سوى حوزتها وسيد فتواها السيستاني، ولم يدافع عن العراق ويقف على السواتر الأمامية سوى عمامتها، التي تصدت للإرهاب بالفكر والجهاد والسلاح.
فالعمامة الشيعية أصبحت صمام الأمان والمدافع والحامي للعراق، لقد قدمت الحوزة العلمية الشيعية عشرات الشهداء، في حربنا ضد الإرهاب، إضافة لدورهم في الدعم اللوجستي والنفسي للمقاتلين حتى تحقق النصر.
كما لا ننسى دورهم المهم في أزمة فيروس كورونا، وما قدموه من دعم وإسناد للمواطن والجيش الأبيض، وأخاف أن أذكر ما للعمامتين الشيعيتين، في كربلاء المقدسة من دور مهم في تطور المدينة وما فعلوه بها من مشاريع وبنى تحتية وخدمات إقتصادية أسهمت بدفع عجلة التقدم للأمام، سأتهم بالتحيز لأبناء مذهبي.
المهم والخلاصة:
ستبقى العمامة الشيعية الحامي والمدافع، والمقوّم للنهج والسلوك الديني والإنساني والأخلاقي والسياسي، ولن تتخلى عن لعب دورها مهما أنتقدتها الأقلام الأموية الصفراء و أحفادهم، وستبقى العمامة تمهد وتعد العدة وتهيء الأمر لظهور صاحب الأمر، والحاكم بالعدل إمامنا الحجة المنتظر روحي لمقدمه الفداء.