اختيار التوقيت والمكان..مصرع سليماني والمهندس ..!
علي الشمري ||
كان الرئيس الامريكي ترامب بحاجة الى حدث كبير يكسبه المزيد من الدعم الصهيوني ،ويقدم نفسه للامريكيين كبطل قومي،ويطمأن الدول الخليجية المعادية للجمهورية الاسلامية التي كانت تطلب وتشترط على الولايات المتحدة الحرب على ايران او توجيه ضربات مؤثرة ،ليحصل منهم على المزيد من التنازلات منهم، بالاضافة الى التطبيع مع الكيان الاسرائيلي.
ورب سائل يسأل لماذا تم الاغتيال في العراق وليس بلدا اخر .وللجواب نحتاج الى استعراض العوامل والاوضاع التي ساهمت في اختيار العراق كساحة للتنفيذ :
1- الوضع الداخلي:
كان الوضع الامني والسياسي في العراق ،قلقا تشوبه الفوضى وعدم الاستقرار خصوصا وان القضاء على داعش والتكفيريون لم يكتمل،بالاضافة الى تحرك بعضا من السياسيين وجهات سياسية لم يرق لها رئيس الحكومة لخلق ازمات بوجه الحكومة .كما ان فتنة تظاهرات تشرين افرزت جماعات تخريبية ادت ادوارا مؤثرة سلبيا على الواقع العراقي ، وادى الى اضطرابات امنية واجتماعية خطيرة في محافظات الوسط والجنوب التي تعتبر منبع الثوار ومجاهدي الحشد .واذا ماعلمنا أن الصهاينة والولايات المتحدة وبعضا من الدول الغربية والعربية المحسوبة على الجانب الامريكي قد وضعت ميزانيات ودربت ورعت المخربين وجندت العملاء لاجل تخريب وتمزيق المحافظات والمناطق الشيعية .فكان رئيس الحكومة العراقي آنذاك عادل عبد المهدي يواجه تحديات صعبة وصلت الى تهديد النظام السياسي والحكومة والاعتداء على الاملاك العامة وتهديد المدارس والدوائر الحكومية .كذلك فان الولايات المتحدة ودول المحور الامريكي اتخذت موقفا سلبيا وعدائيا من شخص رئيس الوزراء العراقي .
2- الوضع الخارجي
كانت الاجواء العراقية مباحة للطيران الحربي الامريكي ،ويضاف الى ذلك وجود العملاء على الارض.يضاف الى ذلك أن الولايات المتحدة أرادت أن تخرب العلاقة الوثيقة بين العراق والجمهورية الاسلامية الداعم الرئيس للعراق بكل مفاصله.
تفاصيل عملية الاغتيال
ماقبل العملية:
تناقلت أهم وسائل الاعلام الامريكية كواليس القرار الامريكي باغتيال الجنرال سليماني .منها ماذكرته ” فيكتوريا كوتس”، التي كانت تشغل منصب نائبة مستشار الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط، قولها،اعترض الكثير من القادة العسكريين على ذلك لما تشكله العملية من خطرا كبيرا على الامن القومي الامريكي وأضافت ان وزارة الدفاع آنذاك اعتبرته بمثابة الحرب النووية ،خوفا من ردات الفعل للجمهورية الاسلامية وقوات المقاومة.
وذكرت كوتس ، أنه بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2019، بدأت الأمور تتخذ “منعطفاً أكثر خطورة”، “ومع احتدام التوترات في جميع أنحاء المنطقة، تلقى مسؤولو مجلس الأمن القومي مكالمة من البيت الأبيض تطالبهم بالتأكد من أن الخيارات مناسبة لقتل سليماني في ذلك الوقت تقريباً. وعندها قمنا بتتبع سليماني عن كثب”.
واضافت ، في ذلك التوقيت اجتمعت مجموعة صغيرة تضمنت كوتس، ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، ونائب مستشار الأمن القومي مات بوتينغر، وروبرت غرينواي كبير مساعدي مستشار مجلس الأمن القومي لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط، وبرايان هوك المبعوث الأميركي الخاص لإيران، وكيث كيلوغ مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس بنس، وكريس ميلر كبير مسؤولي مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القوم، وناقشوا الخيارات المحتملة لقتل الجنرال الإيراني”.
ونشر موقع “ياهو نيوز” الامريكي في (May 8, 2021) ،تقريرا بعنوان “داخل خطة إدارة ترمب السرية لقتل سليماني”، كتبه كل من “جاك مورفي وذاك دورفمان” جاء فيه سرد لاهم تفاصيل عملية اغتيال قادة النصر .
ذكر التقرير ، نقلاً عن مسؤولين كبار سابقين في الإدارة الأميركية، أن هذه الخيارات أُرسلت إلى مكتب الرئيس الأميركي بعد هجوم صاروخي معادي، أسفر عن مقتل متعاقد أميركي في شمال العراق أواخر ديسمبر /كانون الأول/ 2019.”
التنفيذ:
قبل يوم من تنفيذ جريمة الاغتيال،امتلآت سماء بغداد بطائرات مختلفة حمل البعض منها صواريخ جو أرض،وهي المرة الثانية التي شهدت سماء بغداد هذا التحليق المكثف ونوع الصواريخ المحمولة على الطائرات بعد معركة احتلال بغداد.
وأكد المختصين بالشأن العسكري ،أن القوات الامريكية تنوي ضرب هدف أرضي بالغ الاهمية.
واضاف كاتب التقرير :” ليلة تنفيذ العملية في الثالث من يناير /كانون الثاني كانت باردة وملبدة بالغيوم، وفي هذه الأثناء، كانت الفرق الثلاث من قوات “دلتا” الأميركية، متنكرة في زي عمال صيانة على جانبي الطريق وفي المركبات أو في مبان قديمة وقريبة من مطار بغداد الدولي، بالتزامن مع إبلاغ الحكومة العراقية بإغلاق الجانب الجنوبي الشرقي من المطار، لفترة زمنية قصيرة لإجراء ما ،قالت عنه حينها، “تدريبات عسكرية”.
وعلى بعد ما بين 600 و900 ياردة من “منطقة القتل” (ترميز طريق الوصول من المطار)، كانت فرق القناصة “دلتا” الثلاث قد تمركزت لتجهيز مثلث اصطياد هدفهم عند مغادرته المطار، كما كان لدى أحد القناصين منظار رصد مزود بكاميرا كانت تبث مباشرة إلى السفارة الأميركية في بغداد، حيث كان يتمركز قائد قوة دلتا الأرضية مع طاقم الدعم. وكان عضواً في مجموعة مكافحة الإرهاب (CTG) وهي وحدة نخبوية في شمال العراق لها “صلات عميقة” بالعمليات الخاصة الأميركية ساعدهم في العملية .
وفيما كانت الأجواء جاهزة لـ”انتظار وصول الهدف”، ومع منتصف ليل الثالث من يناير، يذكر التقرير، هبطت تلك الطائرة القادمة من دمشق، المقلة لسليماني، متأخرة عدة ساعات عن الموعد المحدد، ومع ذلك التوقيت حلقت ثلاث طائرات أميركية من دون طيار في سماء المنطقة أثناء تحرك الطائرة بعيداً من المدرج، باتجاه الجزء المغلق من مطار بغداد.وبحسب المصادر التي نقل عنها التقرير، فمع وصول طائرة سليماني إلى مطار بغداد، كان أحد العناصر المتنكرين بزي طاقم أرضي وجه الطائرة إلى التوقف على المدرج، وعندما نزل الهدف من الطائرة كان أعضاء مجموعة نخبوية ليست امريكية تظاهروا بأنهم حاملو أمتعة حاضرين للتعرف عليه والتأكد من هويته.
يضيف التقرير، في الأثناء، “استقل سليماني والوفد المرافق له، بعد وصوله سيارتين لمغادرة المطار، وتوجهوا نحو منطقة القتل، حيث كان قناصة مجموعة دلتا الأميركية في الانتظار، وذلك في وقت كانت ثلاث طائرات أميركية من دون طيار تحلق في سماء المنطقة، بينها اثنتان مسلحتان بصواريخ هيلفاير”. موضحاً، “كانت فرق قناصة دلتا فورس الثلاث جاهزة، ممسكة بنادقها الطويلة ومستقرة أصابعهم برفق على أسلحتهم وفوقهم حلقت الطائرات المسيرة في السماء، اثنتان منهما مسلحتان بصواريخ هيلفاير”.
وفيما كانت الأجواء تسير باتجاه “اصطياد الهدف”، ذكر التقرير، أن نقطه مهمة قبل وصول سليماني إلى بغداد قادماً من دمشق، كادت تصعب من فك شفرات العملية، موضحاً أنه “في الساعات الست التي سبقت صعود سليماني إلى الطائرة من دمشق، قام الجنرال الإيراني بتبديل الهواتف المحمولة ثلاث مرات، وفقاً لمسؤول عسكري أميركي في تل أبيب، حيث عمل مسؤولو الارتباط في قيادة العمليات الخاصة الأميركية المشتركة مع نظرائهم الإسرائيليين للمساعدة في تتبع أنماط الهواتف المحمولة لسليماني، ومررها الإسرائيليون الذين تمكنوا من الوصول إلى أرقام سليماني إلى الأميركيين الذين تتبعوا سليماني وهاتفه إلى بغداد”.
وتابع التقرير، إن مسؤولاً عسكرياً قال، إن أعضاء من وحدة الجيش الأميركية السرية “تاسك فورس أورانج” كانوا أيضاً على الأرض في بغداد في تلك الليلة، حيث قدم عناصر الاستخبارات إشارات للمساعدة في العودة إلى إلكترونيات سليماني لتنفيذ الجزء التكتيكي من العملية.
مع وصول سليماني والوفد المرافق له إلى مطار بغداد الدولي، وتحرك سياراتهما إلى ما سمي في الخطة “منطقة القتل” بدت الأجزاء الأولى من مرحلة التنفيذ تسير كما ينبغي، حتى جاءت لحظة “الاستهداف”.
وبحسب ما ذكر التقرير، فعندما وصلت المركبتان اللتان تقل سليماني ورفاقه إلى المنطقة المحددة خارج مطار بغداد، أطلقت إحدى الطائرات المسيرة صاروخين من طراز هيلفاير على سيارة سليماني حطماها كلياً، فيما حاول سائق السيارة الثانية الفرار، وعلى الرغم من ضغطه على مكابح الوقود وقطع نحو 100 متر هرباً من الموقع، كانت قوات دلتا قد فتحت النار عليه بالتزامن مع انطلاق صاروخ آخر من طراز هيلفاير من طائرة مسيرة أخرى على السيارة ذاتها، الذي فتت في الحال السيارة لأجزاء.و اقترب أحد المشاركين في العملية من موقع الحادث بعد مقتل سليماني، والتقط صوراً، كما أخذ عينة من الحمض النووي، للتأكد لاحقاً من مقتله”، وذكر ذلك بعد أكثر من عام على مقتل سليماني.
وذكر التقرير، أنه يستند في معلوماته إلى مقابلات مع 15 من المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين، لكشف عملية “اغتيال سليماني” ومداولات إدارة ترمب طويلة الأمد حول قتله وغيره من كبار المسؤولين والوكلاء الإيرانيين.
توجيه الاتهام
نقل موقع قناة “العالم” الإيرانية: نقلا عن عباس علي كدخدائي، رئيس اللجنة الإيرانية للتحقيق في اغتيال قاسم سليماني، “أن مواطني 4 دول ضالعون في الجريمة.واضاف ووفقا للوثائق فإن هؤلاء المرتبطين والمسؤولين هم من العراق نفسه وعدد من دول الجوار الأخرى وبعض الدول الأوروبية، لأن العملية كانت معقدة للغاية”.
وتابع: “لقد ساعدوا في تنفيذه أو هيئوا متطلباته، فهم من رعايا بعض الدول، وكما ذكرت في نص لائحة الاتهام، سيُطلب معاقبتهم حسب التهم الموجهة إليهم”.
وذكرت شبكة “ABC news” أن المخابرات الإسرائيلية ساعدت في مد واشنطن بتفاصيل رحلة سليماني من دمشق إلى بغداد. وأن فرقاً إسرائيلية تعاونت على مدى 6 ساعات سبقت الهجوم، مع نظرائهم في قيادة العمليات الخاصة الأميركية، في تعقب هواتف سليماني، التي كانت أرقامها بحوزة الإسرائيليين ومرروها للأميركيين، مما ساعد في تعقب أثره وهاتفه في بغداد.
ونقلت الغارديان في تقرير عن “بارنابي بيس”، وهو مراسل استقصائي،أن قاعدة مانويت- هيل السرية التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني في يوركشاير ربما استُخدمت للمساعدة في تنفيذ ضربات أميركية بطائرة مسيّرة، لقتل قاسم سليماني.
وفي ديسمبر من عام 2020، كان المدعي العام في طهران محمد القاصي مهر، قد اتهم الشركة الأمنية البريطانية “جي 4 أس” G4S،العاملة في مطار بغداد وقاعدة “رامشتاين” الجوية جنوب غربي ألمانيا ، بالتورط في جريمة الاغتيال.
ونقلت وكالة تسنيم الايرانية عن السلطات القضائية في إيران إدانة المواطن الايراني ” محمد موسوي مجد” بعد أن أدانه القضاء في اتهامه بـ”التجسس” لصالح أجهزة استخبارات أجنبية في سوريا بالتجسس لصالح الكيان الاسرائيلي وتورطه في نقل معلومات لجهازي الموساد الإسرائيلي والاستخبارات المركزية الأمريكية عن تحركات وأماكن إقامة قائد فيلق القدس، اللواء قاسم سليماني، وقادة ومستشارين عسكريين إيرانيين، وذلك مقابل حصوله على المال، من خلال عمله كسائق مع المستشارين الايرانيين في سوريا ، وكان يحصل على معلوماته تحت هذا الغطاء ويبيعها لأجهزة المخابرات الصهيونية والأمريكية”.
وذكرت وكالة تسنيم أن “موسوي” كان يحصل على 5 آلاف دولار شهريًا من أجهزة الاستخبارات مقابل هذه المعلومات.
وفي تقرير لها قالت وكالة رويترز عن تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في 2018 إن كبار المسؤولين في المخابرات السعودية درسوا إمكانية اغتيال سليماني في 2017.
ونشرت موقع سي ان ان الامريكية بتاريخ (24 فبراير / شباط 2021) أن رئيس الأركان الإيراني كشف أن واشنطن استعانت بمعلومات استخباراتية من قواعدها في السعودية والإمارات وقطر والبحرين، وذكر أن الطائرات التي نفذت الاغتيال أقلعت من الكويت والعراق والأردن.
وفي 11 -6-2021 نشر موقع الجزيرة تصريحا لوزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية،جاء في بعضه : ” إن صفقة الولايات المتحدة لبيع طائرات مقاتلة من طراز “إف-35” (F-35) إلى الإمارات واغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني كانا جزءا لا يتجزأ من اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل “..
وأعلنت السلطات القضائية الايرانية تحديد 124 متهماً في قضية اغتيال قادة النصر.
إن السكوت على هذه الانتهاكات الخطيرة سيمهد لاغتيالات قادمة لمسؤولين رفيعي المستوى لدول أعضاء في الأمم المتحدة. وبذلك سيتهدد السلم الدولي لينزلق في منحدر خطير. وعليه فان موقفا حازما تتظافر فيه كل الجهود لحماية المواطنين العراقيين وسماء العراق وكل مايمت لبلدنا بصلة وعدم التسامح او التغافل مع التهديدات الموجهة لبلدنا من اية جهة كانت.