لاتغفلوا إمام زمانكم..!
كوثر العزاوي ||
جاء عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا جعفر “عليه السلام”عن قول الله عز وجل:{هَلْ يَنظُروُنَ إلّا السّاعَةَ أنْ تَأتِيَهُمْ بَغتَةً..} قال:”هي ساعة القائم تأتيهم بغتة” تفسير اهل البيت عليهم السلام ج١٤، ص١٠٤)
وأكد ذلك ماورد عن أمير المؤمنين “عليه السلام” قوله أيضا:
{..يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة الحق، وإظهار الجور، ويفرح لخروجه أهل السماء وسكانها..}
يقول صاحب تفسير الأمثل في بيان هذه الآية: “لقد طُرح هذا السؤال بصورة الاستفهام الإنكاري، والمراد من «الساعة» في هذه الآية- ككثير من آيات القرآن الأخری- هو يوم القيامة، لأنّ الحوادث تقع سريعة ومفاجِئة حتی كأنّها تحدث في ساعة واحدة “وعلی أية حال، فقد وصف قيام الساعة، بأنه أمر الله الذي ليس لأحد دخلٌ فيه سوى الخالق العظيم، والملفت في الاية ورود وَصفَينِ للساعة، الأول كونها “بغتة”والآخر “غفلة الناس عنها” فمن الممكن أن يحدث في الواقع حدث فجأة، ومن الممكن أيضا توقّع حدوثه من قبل، وعليه لابد للعقلاء أن يكونوا علی استعداد لمواجهة المشاكل التي تنجم عن ذلك الحدث، المتوقّع، غير أن من الشقاء وسوء الحظ أن تقع فاجعة قاسية وصعبة جدّا بصورة مفاجئة والناس غافلون عنها تماما! ومن هذا المنطلق عرّف علماء اللغة ومنهم ابن فارس: بأنّ الغفلة غَيبة الشيء عن بال الإنسان وعدم تذكّره له، وقد استعمل فيمن تركه إهمالاً وإعراضًا قوله تعالى:﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُون ﴾ الأنبياء ١
ومن هذه المقدمة نستفيد عما ورد في تفسير أهل البيت”عليهم السلام” أن الساعة هي وقت ظهور القائم من آل محمد “عجل الله فرجه” بإذن الله عالم الغيب والشهادة، والسؤال: أنّى لِمَن عرف إمام زمانه وآمنَ به وادّعى حبّهُ، ثم يغفل عنه؟! أليس من الأولى التنبّه إلى وجود إمامنا الغائب الحاضر في كل حال؟! لماذا كل هذا البعد عن الامام المهدي المنتظر”عجل الله فرجه الشريف” وأنّ محض عقيدتنا بأن كل مايجري في العالم من فضائع وفجائع وتراجع وتردّي وانتكاسات على جميع الصعد، هو يشهدها لانه حيّ يرزق يعيش بيننا بلحمه ودمه ولا نعرف شخصه، ولو تعوّدنا استشعار حضوره لتيقّنا حق اليقين بشراكته لنا في كل تفاصيل حياتنا، فهو يزور مراقد آبائه وذراريهم، ويحضر مواسم الحج والعمرة والزيارات والشعائر الأخرى، ويتدخل في حلّ كبريات مشاكل الأمة والافراد، كما يتتبع اخبار العالم أول بأول، وهو الاكثر حرصًا وغيرة وحرقة ولوعة لما يجري من أحداث وتحديات ووقائع وأخطار تُحدق بالبشرية من ألوان الحروب والدمار منذ ١١٩٠ عام فهو يبكي ويذرف الدموع وحدهُ، وكيف لا وقد عجنت طينته برأفة آبائه الطاهرين ولين قلوبهم ، فلا يوجد من يواسيه ويشاركه المصاب! لماذا نلمس الوهنَ في حقيقة القرب ومطلق الأرتباط بإمام الزمان! فيما نرى ارتفاع منسوب الارتباط في الاغلبية من رجال صالحين ومصلحين، قادةَ أمة، ومراجع دين، وشهداء وغيرهم وهم دون مقامه المقدس، نعم هذا راجح ولكن لا يعلو ولايطغى على الأصل الذي منه المبدأ وإليه المآل، إنه المعصوم الحاضر وبقية الله في الارض وأصل الصلاح، ولولاه لساخت الارض بأهلها ولما عرفنا الطريق الى أتباعه الصالحين، وليس هناك أولى من إلفات نظر الأمة والمجتمع نحو أهمية وجوده كقائد أقدس وإمامٍ عادل أعلى، وإنّ استحضار ذكره المقدس إنما يمنحنا التأمّل ليكون دلالة مهمّة وعلامة بارزة تشيرُ الى قرب ظهوره الذي لامناص منه بحكم ناموس الشريعة ووفق السنن الكونية، ومعرفتها مناط التكليف وضرورة من ضرورات الانتظار الإيجابي، كما لاننسى أنّ رسول الله وأهل بيته “عليهم السلام” كانت قلوبهم متعلقة ببقية الله الحجة بن الحسن “عليه السلام”حدّ الذوبان، يلهجون بذكره والدعاء له، لعلمهم بما يصيبه في غيبته من غربة وغفلةِ العباد عنه، فكان الامام الرضا عليه السلام” يدعو له بدعاء مشهور “اللهم ادفع عن وليك وحجتك..” والدعاء طويل-يطلب في مظانه- كما انّ الامام الصادق “عليه السلام” كان يقول: “غيبتك نفت رقادي”! فأي عبارة توحي بالوجع حقّا! لذا عَدّ بعض العارفين الغفلة عنه “ارواحنا فداه” انها تجلب الظلمة للروح بشكل كبير فكلّما نسيَ الإنسان الغاية من خلقهِ وقع في الغفلة، والغفلة تقسّي القلب، وقد جاءت النصوص الشريفة الواردة عن أنبياء الله تعالى وأئمة الهدى “عليهم السلام” تُحذّرنا من الغفلة وتؤكّد ضرورة استمرار التنبّه واليقظة، وإنّ من أعظم الغايات بعد طاعة الله تعالى وتحقيق العبودية له، هو انتظار الفرج والسعي الحثيث لتمهيد الأرض للمنقذ الأمل الموعود “ارواحنا فداه”وجَعلهُ مصدرًا لعزّتنا وكرامتنا حاضرًا ومستقبَلًا، فلا تأخذنا الغفلة، وبالتّالي نضّيع أنفسنا بالعيش بلا هدف حقيقي.
٢٢-شعبان المعظم -١٤٤٥هج
٤-شباط-٢٠٢٤م