افريقيا .. والتوغل الاماراتي (الجزء الاول)
علي الشمري ||
افريقيا تلك القارة السمراء التي تحوي الملايين من السكان .يعتقد البعض انها القارة االمنسية او البعيدة عن أطماع الأنظمة الاستعمارية.
تقريرنا هذا سيكشف بعضا من التوغل والاطماع الإماراتية في القارة السمراء .ونأمل اننا سنصدر كتاب عن أطماع الأنظمة الحاكمة في الدول الغربية وفي الامارات العربية المتحدة في قارة افريقيا .ومن الله التوفيق.
أفريقيا Africa:
هي ثاني أكبر قارة في العالم وثاني أكثر القارات اكتظاظاً بالسكان. تبلغ مساحتها 30.2 مليون كم2 بما في ذلك الجزر المجاورة، وتغطي ستة بالمائة من إجمالي مساحة سطح الأرض و20.4 بمائة من إجمالي مساحة أراضيها. في تعداد 2013 كان عدد سكانها 1.1 بليون نسمة، أي ما يمثل 15% تقريباً من سكان العالم. يحدها البحر المتوسط من الشمال، قناة السويس والبحر الأحمر على إمتداد شبه جزيرة سيناء من الشمال الشرقي، المحيط الهندي من الجنوب الشرقي، والمحيط الأطلسي من الغرب. تضم القارة مدغشقر وعدد من الأرخبيلات. ويوجد بها 54 دولة سيادية ذات اعتراف كامل (بلدان”)، عشرة أراضي ودولتين مستقلتين بحكم الأمر الواقع ذات اعتراف محدود أو لم يعتر فيها..
سكان أفريقيا هم الأصغر سناً بين جميع القارات؛ 50% من الأفارقة في سن 19 أو أصغر.
الجزائر هي أكبر البلدان الأفريقية من حيث المساحة، ونيجريا من حيث عدد السكان. أفريقيا، خاصة شرق أفريقيا الوسطى، تجتمع الآراء على كونها أصل البشر والقردة العليا، كما استدل على ذلك من خلال اكتشاف أشباه البشر وأسلافهم، والذي تبين لاحقاً أنها ترجع لسبعة ملايين سنة مضت تقريباً، وتشمل إنسان تشاد السواحلي، أسترالوپيثكس أفريكانوس، أ.أفارنسيس، الإنسان المنتصب، الإنسان الماهر، الإنسان العامل – والعثور على أقدم أحفورات الإنسان العاقل (الإنسان الحديث) في إثيوپيا والتي ترجع إلى ح. 200.000 سنة مضت. تقع أفريقيا على خط الإستواء وتشمل مناطق مناخية مختلفة؛ وتعتبر القارة الوحيدة التي تمتد من المنطقة المعتدلة شمالاً حتى المعتدلة جنوباً.
تضم القارة عدد متنوع من العرقيات، الثقافات واللغات. في أواخر القرن التاسع عشر استعمرت البلدان الأوروپية معظم أفريقيا. ونشأت معظم الدول الحديثة في أفريقيا من خلال عملية إنهاء الاستعمار في القرن العشرين.
مؤتمر برلين
منذ أواخر القرن الثامن عشر، اقتصر التنافس في إفريقيا على إنكلترة وفرنسا، وبعد ظهور الامبرياليات الأوربية، تحول هذا التنافس الثنائي إلى تنافس دولي شاركت فيه ألمانيا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا وبلجيكا التي كشف ملكها النقاب عن أطماعه في تأسيس امبراطورية شخصية في الكونغو، وتدخلت إنگلترا والبرتغال لمعارضة مشاريعه، في حين احتجت كل من فرنسا وألمانيا وبلجيكا، والولايات المتحدة على هذا التدخل، وأصبحت المسألة الإفريقية مسألة دولية، وغدا السباق على احتلال القارة واضحاً. ووافقت الدول المعنية بهذه المسألة على دعوة المستشار الألماني بسمارك لعقد مؤتمر في برلين لبحث قضية الكونغو والمشكلات المتعلقة بها. واتفق المشاركون في مؤتمر برلين (تشرين الثاني 1884 – شباط 1885) على القواعد والأسس التي سيتم بموجبها تقسيم القارة مستقبلاً، وأهمها حق الدول الأوربية التي تملك مناطق ساحلية بحرية إفريقية في التوسع في الداخل شريطة ألا يتعارض ذلك مع مصالح الدول الأخرى، وإعلام الدول الأخرى بذلك، وعدم إعلان أي دولة أوربية حمايتها على منطقة ما من دون دعم ذلك باحتلال فعلي أو ممارسة فعلية لسلطتها عليها. وكان هذا بداية سباق مسعور بين الدول الأوربية الغربية لاستعمار إفريقيا في المدة بين 1885 و1902، سارعت معه أدوات الاستعمار، من شركات تجارية وبعثات تبشيرية أو عسكرية إلى إثبات ملكية بلادها لأجزاء من مختلف أقاليم القارة. وفي أقل من عشرين عاماً تغيرت الخريطة السياسية للقارة تماماً، ففي حين لم يكن يخضع للسيطرة الاستعمارية حتى عام 1885 أكثر من 10% من مساحة القارة لم يبق في عام 1902 إلا أجزاء بسيطة منها لا تزيد على 8% من المساحة الكلية تتمتع باستقلالها هي ليبيريا والحبشة والمغرب الأقصى الذي لم يلبث أن خضع أيضاً للاستعمار الفرنسي عام 1912. وقد طرأت بعض التعديلات الطفيفة على هذه الخريطة إثر هزيمة ألمانية في الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية وتقاسم ممتلكاتها سنة 1919 بين فرنسا وإنكلترا وبلجيكا وجمهورية جنوب إفريقيا. وقد بقيت هذه الخريطة على حالها حتى عام 1951 تاريخ استقلال ليبياواحتكرت ست دول أوربية فقط السيطرة على معظم أجزاء القارة هي: إنگلترة وفرنسا وبلجيكا والبرتغال وإسپانيا وإيطاليا.
على الرغم من تباين أنظمة الحكم الاستعمارية عقائدياً ونظرياً مثل سياسة الاستيعاب أو الإدماج assimilation الفرنسية، وسياسة الحكم غير المباشر التي تبناها الإنكليز وغيرهم، فإن تلك الأنظمة كانت متشابهة جداً في الجوهر، وتقوم على الأسس التالية: احترام العادات والتقاليد المحلية، وتحويل الزعماء والسلاطين الأفارقة إلى مجرد أدوات في خدمة الإدارة الاستعمارية والفصل بين المجتمع الأوربي والمجتمع الإفريقي، وخضوع السكان المحليين لنظام قضائي خاص، وعدم تمثيل «الأتباع» من السكان المحليين في المجالس النيابية في الوطن الأم، ووضع إدارة المستعمرات في يد إدارات خاصة مثل وزارات المستعمرات وحكام المستعمرات والإداريين المحليين المتخصصين الذين أصبحوا ملوك الأدغال، والاهتمام بتطوير اقتصاد المستعمرات على نحو يخدم مصالح الدولة المستعمرة (اقتصاد اكتفائي وحماية جمركية وخطط تنمية تستجيب لحاجات الدول الاستعمارية من المواد الأولية اللازمة لصناعتها..) ونظام تعليمي لتزويد الإدارة الاستعمارية بما تحتاج إليه من مساعدين محليين يكونون همزة الوصل بينها وبين الإفريقيين.
من أجل الاستقلال
شهدت مختلف المستعمرات الإفريقية بين عامي 1902 و1993م تحولات مهمة في جميع مجالات الحياة. كان لها أثر كبير في تغيير سيماء المجتمعات الإفريقية التي تعيش فيها وهيأت لنشوء حركات التحرر الوطني في إفريقية. فقد كان لتقسيم إفريقيا بين مختلف الدول الاستعمارية وتكوين وحدات سياسية إقليمية لها حدودها وإداراتها وعاصمتها واسمها الخاص وفرض لغة المستعمر لغة رسمية للإدارة أثرها في سيادة السلام بين مختلف القبائل والمجتمعات الإفريقية التي تعيش داخل حدود كل مستعمرة، وتعوّدها التدريجي على التعايش والتعارف والاختلاط باستخدام لغة المستعمر أداة للاتصال فيما بينها، فتوسع عالمها ليشمل المستعمرة بأكملها، بل تجاوزه أحياناً إلى المستعمرات الأخرى المجاورة، وأخذ الانتماء إلى الأرض والوطن يحل تدريجياً محل الانتماء إلى العشيرة أو القبيلة أو العرق. وساعد إدخال نظام الإنتاج الاقتصادي الرأسمالي وتعميمه على دمج مختلف المجموعات العرقية في كل مستعمرة في دورة اقتصادية رأسمالية واحدة، وبناء وحدات اقتصادية رأسمالية، أفرزت طبقات اجتماعية جديدة، لا يقوم التمايز بينها على الأصل والنسب كما كان عليه الحال سابقاً، وإنما على المهنة ومستوى الدخل ونمط المعيشة. فظهرت نواة لطبقة برجوازية ريفية تتألف من كبار ملاك المزارع من الأفارقة والأوربيين، وأخرى لطبقة برجوازية حضرية تضم كبار أصحاب المتاجر ووسائل النقل وكبار أصحاب الملكيات العقارية، وحملة الشهادات من محامين وأطباء ومعلمين وممرضين وموظفين أفارقة من العاملين في القطاعين العام والخاص من كتبة ومحاسبين ومترجمين، ونواة ثالثة لطبقة عاملة تتألف من العمال المأجورين الدائمين مثل عمال السكك الحديدية والأشغال العامة وعمال المناجم والمنشآت الكبيرة الخاصة والشركات التجارية. وأدى تعرض جميع هذه الفئات لألوان مختلفة من الاستغلال والقمع والاضطهاد، ومرور كل منها بأوضاع خاصة بها، إلى وعيها لهذا الاستغلال، ودفعها إلى الدفاع عن حقوقها إدراكاً منها لوحدة مصالحها، فنشأ نوع من التضامن بين أفراد الفئة الواحدة، ثم بين هذه الفئات المختلفة، وتعزز هذا التضامن بمواجهة قوى القمع والاستغلال، وفي الوقت نفسه، أدى نشر التعليم في المدارس التي أقامها الأوربيون إلى ظهور فئة «النخبة» أو «الصفوة المختارة» من خريجي المدارس العليا والمعاهد الإقليمية والجامعات الأوربية المختلفة، ولا سيما من أبناء المستعمرات الفرنسية والإنكليزية الذين عاشوا في عواصم مستعمراتهم، وتعرفوا عن كثب على الحضارة الأوربية الغربية ومناقبها ومثالبها ووسائلها التي يحاربهم المستعمرون بها، كما تعرفوا المذاهب العقائدية والفلسفية المختلفة وأدوات النضال السياسي وأساليبه في الغرب، فكان لهذه الفئة في الغالبية العظمى من الحالات الدور الأكبر في تعبئة الجماهير الإفريقية وتنظيم حركات التحرر الوطني وقيادتها. وقد مرت حركات التحرر الوطني في إفريقية بوجه عام بمرحلتين رئيستين: مرحلة الكفاح المسلح ومرحلة النضال السياسي من أجل الاستقلال:
آ ـ مرحلة الكفاح المسلح: تمتد هذه المرحلة عموماً من بداية الغزو الاستعماري الأوربي لإفريقية واحتلالها حتى قيام النظام الاستعماري فيها. وقد تزعمت هذا الكفاح قيادات إفريقية تقليدية قبلية ودينية وحكومية ـ دينية. وتقسم هذه المرحلة إلى حقبتين اختلفت فيهما أهداف النضال باختلاف أهداف الغازي الأوربي، ففي الحقبة الأولى أي حقبة غزو إفريقيا واحتلالها وتقسيمها (1880 – 1902) تحددت أهداف الكفاح الإفريقي المسلح بالحفاظ على الاستقلال والسيادة الوطنية للمجتمعات والدول الإفريقية. وفي الحقبة الثانية أي حقبة قيام الإدارة الاستعمارية وفرض النظام الاستعماري (1902 – 1920) كان هدف القيادات الإفريقية التقليدية استعادة الاستقلال والسيادة الوطنية، والدفاع عن الثقافات الإفريقية (الديانات والعادات والتقاليد وأنماط المعيشة) أو التكيف والتلاؤم مع الوضع الاستعماري الجديد والسعي إلى دفع الإدارة الاستعمارية إلى إصلاح الجوانب السلبية في النظام الاستعماري.
ب ـ مرحلة الكفاح السياسي من أجل الاستقلال: تولى الزعامة في هذه المرحلة جيل جديد من الذين تخرجوا في المدارس والجامعات الأوربية الغربية وتعلموا لغة المستعمر وعرفو ثقافته، والذين حصّلوا تعليمهم في المدارس والجامعات الإسلامية في شمال شرقي إفريقية وشماليها وغربيها. وتقسم هذه المرحلة أيضاً إلى حقبتين: حقبة الإعداد والتهيؤ لقيام الحركات الوطنية، وحقبة ظهور هذه الحركات والنضال من أجل إصلاح النظام الاستعماري أو الحصول على الاستقلال. ففي الوقت الذي كانت فيه الجماهير الشعبية في الأرياف تكافح النظام الاستعماري مستخدمة طرائق وأساليب ووسائل مستمدة من التراث الإفريقي، أو ماعرف بالمقاومة السلبية، أي التهرب من الاستجابة لطلبات الإدارة الاستعمارية كأعمال السخرة والعمل الإجباري والضرائب المباشرة والتجنيد العسكري، أو بالاعتداء على رموز السلطة (جباة الضرائب ورجال الشرطة وممثلي الإدارة من الزعماء التقليديين الموالين لها) أو بالتمرد والعصيان والثورة. فقد ظهرت في المدن جمعيات ونواد وروابط وأحياناً صحافة، غلب عليها تياران أحدهما ديني، والآخر علماني. وقد مثل التيار الديني بعض الجمعيات والحركات الإسلامية الإصلاحية (في شمال شرقي إفريقية وشماليها وغربيها) أكدت الهوية القومية العربية الإسلامية (شمال شرقي إفريقيا وشماليها)، أو الهوية الزنجية الإفريقية الإسلامية (غربي إفريقيا) لشعوب البلدان التي ظهرت فيها، وتصدت لسياسة الإدماج واستنكرت مساوئ النظام الاستعماري وطالبت بإصلاحه ديمقراطياً، وقامت بفتح مدارس لتحفيظ القرآن وكتاتيب لنشر التعليم باللغة العربية وتعزيز الروح القومية العربية في نفوس تلاميذها.
وقد اقتصر النضال في هذه المرحلة على الكشف عن مساوئ النظام الاستعماري وتجاوزاته وتناقضاته وعلى المطالبة بإصلاحه كي يشارك الأفارقة في إدارة شؤون بلادهم وتقرير مصيرهم، وليس المطالبة بالاستقلال الناجز، إلا في حالات نادرة، وإن لم تغب فكرة الاستقلال على المدى البعيد عن أذهان الفئة المثقفة في بعض المستعمرات، الداهومي والسنغال وساحل الذهب والجزائر، وقد امتدت هذه المرحلة في بعض المستعمرات حتى عام 1935م، وفي بعضها الآخر حتى عام 1939 أو 1945. ومنذ عام 1935 شهدت إفريقيا تأسيس حركات وطنية جماهيرية ، تدعو إلى النضال والتضامن من أجل الاستقلال. وقد تقاسم الحركات الوطنية في هذه المرحلة تياران هما التيار المطالب بالاستقلال الفوري مع الارتباط بالدولة المستعمرة أو من دونه، والتيار المطالب بالاستقلال الذاتي المحلي في إطار دولة فدرالية أو كونفدرالية مع الدولة المستعمرة، وقد غلب التيار الأول في المستعمرات الإنكليزية في غربي إفريقيا خاصة، كما غلب التيار الثاني في البداية في المستعمرات الفرنسية في إفريقية الغربية والاستوائية، لكن الغلبة في النهاية كانت للتيار الثاني، غير أن أصحاب هذا التيار من قادة الحركات الوطنية سرعان ما أدركوا مدى تمسك الدول الاستعمارية بهيمنتها وأيقنوا أن تحقيق أمانيهم وأماني شعوبهم في التقدم والرخاء مرهون بالحصول على الاستقلال الناجز. وقد اتخذ النضال من أجل ذلك في الغالب طابع النضال السياسي، أما البلدان التي كان فيها عدد كبير من المستوطنين الأوربيين كالجزائر وبلدان جنوبي إفريقا ووسطها فقد اضطر قادة الحركات الوطنية فيها إلى اللجوء إلى الكفاح المسلح والنضال السياسي لنيل الاستقلال. وبدءاً من عام 1951 بدأت الدول الإفريقية تحصل على استقلالها واحدة بعد أخرى، فارتفع عدد الدول الإفريقية المستقلة من دولتين فقط هما ليبيريا وإثيوبيا إلى 31 دولة في عام 1963 ثم 51 دولة في عام 1977 و53 دولة في عام 1993.