افريقيا .. والتوغل الاماراتي (الجزء الثاني)
علي الشمري ||
أفريقيا بعد الاستعمار
الوحدة الإفريقية: ظهرت فكرة الجامعة الأفريقية Panafricanisme منذ مطلع القرن العشرين في الأوساط الزنجية بين أبناء إفريقية في المهجر، ولاسيما في لندن ثم الولايات المتحدة. ومنذ منتصف العشرينات بدأت هذه الفكرة تنتشر في الأوساط الزنجية الإفريقية الطلابية (اتحاد طلبة غربي إفريقيا، لندن 1925)، والسياسية (اتحاد الدفاع عن الجنس الأسود، باريس 1935) والأدبية (الزنوجة Nigritude) في لندن وباريس.
وبدءاً من عام 1945، بدأ النضال من أجل الوحدة الإفريقية في إفريقية نفسها، فظهرت الأحزاب والتجمعات السياسية والمنظمات المهنية والطلابية، وتمخض هذا النضال بين عامي 1957 و1963 عن ظهور تجمعات ثنائية أو متعددة الأطراف أو سياسية واقتصادية. وفي عام 1961 تبلور موقف دعاة الوحدة الإفريقية في تيارين: تيار ثوري يؤمن بضرورة تحرير إفريقيا الداخل، وقيام علاقة سياسية عضوية بين جميع بلدان القارة (الولايات المتحدة الأفريقية)، وترسيخ الشخصية الإفريقية لفرضها على الغرب، وتحقيق الثورة السياسية الكفيلة بضمان التقدم الاجتماعي الاقتصادي أي تغيير وجه إفريقية بالقضاء على علاقات التبعية التي تربطها بالعالم. وتيار معتدل تيار الحلول الوسط والواقعية والممكن، وهدفه تحقيق التعاون والتقدم مع احترام جميع أطراف التعاون من دون تغيير جذري في طبيعة العلاقات بين إفريقيا والغرب. وفي أواخر شهر أيار عام 1963 قامت منظمة الوحدة الإفريقية بحضور 31 رئيس دولة وحكومة إفريقية. واختلفت الآراء حولها، فمن قائل إنها انتصار للتيار المعتدل أو إنها حل وسط بين التيارين المعتدل والثوري. أو إنها تكريس لتجزئة إفريقية وضعفها. وكان على القادة الأفارقة بعد الاستقلال مواجهة المشكلات التي خلفها الاستعمار وأهمها التخلف الاقتصادي والاجتماعي، والتخلف الثقافي والسياسي وبناء الأمة القومية في إطار كل دولة، ومشكلة الجفاف والتصحر، ومشكلة الحدود، ومشكلة التمييز العنصري. ولحل مشكلات التخلف، اختار قسم منهم الطريق الاشتراكي (الاشتراكية الإفريقية) والقسم الآخر الطريق الرأسمالي أو اللارأسمالي. وعلى الرغم من الجهود التي بذلوها في جميع الميادين السالفة الذكر، فإن الهوة بين البلدان الإفريقية المتخلفة والبلدان الصناعية المتقدمة ماتزال تزداد اتساعاً، وتتفاقم مديونية القارة على غنى أراضيها بأهم الثروات المعدنية في العالم.
الاطماع الاماراتية
الامارات تعرف أهمية الموانئ جيداً، واليوم تخوض حرب موانئ في الشرق الأوسط؛ لأنها تعرف أن لا مستقبل للنفط على المدى البعيد، فهي تزيد من الاستيلاء على الموانئ الحساسة كي تستمر قوتها الاقتصادية في المنطقة.
و يمكن القول إنها لاتعمل من أجل اليمنيين أو الصوماليين أو الإرتريين وبقية البلدان؛ لأنها تريد السيطرة والاستفادة من تلك الموانئ، وهي تقود حرباً مكشوفة.
ان أبوظبي لا تستطيع الاستيلاء على هذه الموانئ بشكل كامل إلا من خلال استفادتها من الصراعات المسلحة في هذه المناطق، مستفيدة من النعرات والمناطقية بين أبناء هذه الموانئ، والحروب الأهلية، وستشرف عليها بدعم مباشر أو غير مباشر؛ لأنه لا يمكن لها أن تستمر إذا لم يكن هناك صراع سياسي أو حروب أهلية في هذه البلدان.
أهمية الموانئ للإمارات
إن الإمارات تدرك أهمية الموانئ المطلة على البحرين الأحمر والعربي، ولذلك وضعت لها أهدافاً منذ زمن طويل.مستفيدة من الصراعات في البلدان المطلة على البحر الأحمر، خصوصاً في الصومال واليمن وبعض المناطق الأخرى في القرن الأفريقي، ووضعت استراتيجية للاستيلاء على هذه الموانئ، سواء في عصب، أو الموانئ اليمنية المطلة على خليج عدن، أو البحر الأحمر في الحديدة”.
فعندما وصلت الإمارات كشريك في 2015 ضمن تحالف العدوان السعودي، اجتمع قائد القوات الإماراتية يومها بالمقاتلين الموالين للامارات، وقال لهم لدينا أهداف استراتيجية؛ ومن ضمنها أن نسيطر سيطرة كاملة على الساحل الغربي حتى الوصول إلى الحديدة.
وسعت الإمارات من خلال شركة موانئ دبي للاستحواذ على الموانئ في القرن الأفريقي والبحر الأحمر.
وبدأت أبوظبي، قبل عدة سنوات، مشروعاً سياسياً استراتيجياً تعدى حدود الطموح الاقتصادي بكثير، وإن ظل الاقتصاد ركناً اساسيا فيه، وغالباً ما تستغل الدول التي تعيش وضعاً اقتصادياً صعباً أو حروباً لتضع يدها على تلك الموانئ، إضافة إلى إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة.
السودان
في 11 يناير 2020، كشف موقع “مونيتور” الأمريكي عن جهود إماراتية وظفت فيها مسؤولاً استخبارياً إسرائيلياً سابقاً للضغط على الإدارة الأمريكية لدعم خطة شركة موانئ دبي للاستحواذ على ميناء بورتسودان لمدة 20 عاماً.
ويضيف الموقع في تقرير له أن شركة موانئ دبي تعاقدت مع شركة “ديكنز ومادسون” للضغط والعلاقات العامة بقيمة خمسة ملايين دولار، ويرأس الشركة ضابط الاستخبارات الإسرائيلي السابق آري بن ميناشيه.
بورسودان
ويشير العقد الموقع بين الشركة (التي تتخذ من كندا مقراً لها) وبين شركة موانئ دبي، إلى عدة مهام؛ منها الضغط على إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للحصول على منحة حكومية للمساعدة في صيانة وتطوير الميناء الذي يتعامل مع معظم واردات وصادرات السودان.
ونقل موقع “مونيتور” عن الضابط “الإسرائيلي” السابق قوله إنه أحرز تقدماً في الحصول على المنحة الأمريكية، “، مضيفاً: “إن موانئ دبي كانت تراقب الميناء بالفعل خلال فترة حكم الرئيس المعزول عمر البشير”.
وأضاف بن ميناشيه أن لديه “علاقات عميقة مع المسؤولين السودانيين بفضل الاتفاق الذي وقعه مع المجلس العسكري الانتقالي بقيمة ستة ملايين دولار لتسهيل حصوله على اعتراف دبلوماسي وتمويل”.
البحث عن مصالح
أن الإمارات “دولة تحاول أن تبحث عن مصالحها والسيطرة على أكبر عدد من الموانئ على الضفة الغربية للبحر الأحمر”.
أن هذه الخطوات تأتي ضمن “الصراع الكبير بينها وبين المعسكر التركي- القطري، الذي استطاع على موطئ قدم في ميناء سواكن”.
وبما أن الإمارات تمتلك أذرع عديدة، فإنه لا يمكن فصل مجريات الواقع والاضطرابات الأمنية عن هذه المطامع”.
وفي السودان،تعمل الإمارات على التمدد في المساحة الخالية التي يتركها الفاعلون المحليون
اليمن
وفي اليمن وتحت راية “إعادة الشرعية” تم خلق تحالف من عدة دول يهدف إلى تغيير الواقع اليمني بما يجعلها فريسة سهلة الى دول الخليج كالسعودية والامارات.توجهت أعين الإمارات إلى موانئ اليمن، المجهز بعضها لاستقبال البضائع والسفن، وتقدم خدمات الشحن والتفريغ والتخزين، بجانب موانئ أخرى مخصصة للنفط وموانئ محلية.
كان الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، قد منح موانئ دبي في عام 2008 حق إدارة ميناء عدن، وموانئ أخرى، لـ100 عام قادمة، لكن بعد الثورة اليمنية وخلع صالح في 2011، قرر مجلس إدارة مؤسسة خليج عدن إلغاء اتفاقية تأجير ميناء عدن لشركة موانئ دبي العالمية ، لتعود الإمارات مجدداً لميناء عدن.لكن دخولها العسكري في اليمن لم يُعد لها ميناء عدن فقط، فقد أصحبت تسيطر على موانئ جنوب اليمن؛ من المكلا شرقاً وحتى عدن غرباً، إلى الموانئ الغربية للبلاد، في حين إستمرت المساعي للسيطرة على ميناءي المخا والحُديدة.
من جيبوتي إلى الصومال
في عام 2005 وقع سلطان أحمد بن سليم، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي، وياسين علمي بوح، وزير المالية في جمهورية جيبوتي، اتفاقية تعاون (كان يفترض أن تستمر 21 عاماً) تتولى جمارك دبي خلالها إدارة وتطوير الأنظمة والإجراءات الإدارية والمالية لجمارك جيبوتي، وتطوير العمليات الجمركية ونظام وإجراءات التفتيش.
لكن شهر العسل بين الدولتين انتهى؛ بعد أن اتهمت حكومة جيبوتي موانئ دبي في 2014 بتقديم رشىً لرئيس هيئة الميناء والمنطقة الحرة في جيبوتي آنذاك، عبد الرحمن بوريه، لضمان الفوز بعقد امتياز إدارة محطة وميناء دوراليه للنفط، ما دفع بالرئيس إسماعيل عمر غيله لفسخ التعاقد من جانب واحد.
ارتريا
وقعت الإمارات اتفاقاً مع إرتريا، تستخدم بموجبه ميناء ومطار عصب على البحر الأحمر لمدة 30 عاماً، وينص الاتفاق على أن تدفع مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي مقابلاً سنوياً للسلطات الإرترية، إضافة إلى 30% من دخل الموانئ بعد تشغيلها.
ومع الميناء حصلت الإمارات على مطار يحتوي مدرجاً بطول 3500 متر، يمكن لطائرات النقل الكبيرة استخدامه في الإقلاع والهبوط، وقد استغلت الإمارات والسعودية ميناء وقاعدة عصب في حربهما باليمن.
وفي مايو عام 2017، تسلمت موانئ دبي العالمية إدارة ميناء “بربرة” في جمهورية أرض الصومال، إيذاناً ببدء تطبيق عقد امتياز إدارة وتطوير الميناء، حيث تعد المنطقة جزءاً من دولة الصومال، وتقع في الشمال، وأعلنت انفصالها عام 1991.
يتبع……