تعلموا العربية وعلموها الناس..!
محمد الجاسم ||
(81)
ـ الفرق بين (أو) ..و.. (أم) !
شاع لبسٌ غريب في استعمال (أو) مكان (أم) في الكتابة الأدبية أو التقارير الصحافية، وللتوضيح نقول:
من الأغراض المعروفة لاستخدام حرف العطف (أو) أنه يأتي:
1. للتخيير، كقوله تعالى:
” وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ” 86 ـ النساء .
2. للشك ، كقوله تعالى:
” لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ” 19 ـ الكهف .
3. للإبهام أو التشكيك، كقوله تعالى:” وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ “24 ـ سبأ .
4. للتقسيم، كقولنا: (الجيشُ ضباطٌ أو مراتبُ أو موظفون مدنيّون).
5. للإباحة، كقوله تعالى: ” وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ” 61 ـ النور.
أما الأغراض المعروفة لاستخدام حرف العطف (أم) فإنه يأتي:
1. (أم) المتصلة هي المسبوقة بكلام مشتمل على:
همزة التسوية، كقوله تعالى: ” سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ” 6 ـ البقرة ،
والتقديرُ: استغفارُك وعدمُ استغفارِك سواءٌ ، وإنذارُك وعدمُهُ سواءٌ.
2. أما (أم) المسبوقة بهمزة يطلب بها، وبـ(أم) التعيين، فتقع بين مفردين متعاطفين بها، وهذا هو الغالب فيها،
ومِن ذلك قوله تعالى: ” أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَناها ” 27 ـ النازعات ،
فقد وقعت (أم) هنا بين اسمين مفردين، هما: (أنتم) قبلها، والسماء بعدها،
ومن ذلك أيضًا: قول الله تعالى: ” وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ ” 109 ـ الأنبياء .
3. تَكونُ حرفَ إِضرابٍ بمعنى (بَلْ)، وَتُسَمَّى (الْمُنْقَطِعَة) لوقوعِها بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، كقوله تعالى:” هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ” 16 ـ الرعد .
وفي هذا المخاض بحثٌ طويل ليس مكانه هنا، نتركه للمختصين الكرام، إذ أن غاية الإشارات السريعة هذه، للتفريق بين (أو) و (أم) وتجنُّب الوقوع في اللبس بينهما.
ورُبَّ قولٍ.. أنفذُ مِنْ صَوْل .
(82)
ـ رَبِحَ المقاتلُ المنازلةَ .. فازَ المقاتلُ في المنازلةِ !!
من الأغلاط الشائعة في أوساط العامة، والرياضيين خاصة، استخدام كلمة ( الربح ) اسمًا، أو ( رَبِحَ ) فعلًا، بدل ( الفوز ) و ( فازَ ). فقد ورد في خبر صحافي رياضي ما نصُّه:
” رفع الأمريكيون علم الأردن بعد أنْ رَبِحَ ثلاثةُ عناصر من القوات الأردنية الخاصة مصارعةً مع ثمانيةِ جنود من الـ(مارينز)، ما أجبر الأمريكيين على رفع العلم الأردني فوق رؤوسهم “.
وهذا غير صحيح، وكان الأحرى بمحرر الخبر أن يقول:
” رفع الأمريكيون علم الأردن بعد أنْ فازَ ثلاثةُ عناصر من القوات الأردنية الخاصة في مصارعةٍ مع ثمانية جنود من الـ (مارينز)، ما أجبر الأمريكيين على رفع العلم الأردني فوق رؤوسهم “.
وجاءت هذه الصياغة اللغوية الصحيحة في خبر صحافي آخر، هكذا:
” لاعبو فيا ريال يحتفلون بعد فوزهم على بايرن ميونخ في ملعب إليانز أرينا في ميونيخ، ألمانيا “.
لأنَّ الفَوْزَ: النَّجاةُ، والظَّفَرُ بالخَيْرِ، وعكسُهُ الهلاك.
قال تعالى:
” مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ” 16 ـ الأنعام ،
هنا (الفوز) يعني النجاة من هول هذا اليوم ،وهو غنيمة ليس بعدها غنيمة، و مَنْ يُصْرَفُ عنه عذابُ هذا اليوم، فإنه يكون ممن شملتهم رحمة الله ورعايته، وذلك هو الفوز الذي ليس بعده فوز.
وقال أميرُ المؤمنين ، لحظة هوى على رأسه الشريف سيفُ أشقى الأشقياء (ابن ملجم):
” فُزْتُ وَ رَبِّ الكعبة “، ولابد للأمير عليه السلام أنه قصد بالفوز الشهادة ودخول الجنة، مصداقًا لقوله تعالى: “أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” 89 ـ التوبة .
أما رَبِحَ ـ يَربَحُ ، رِبْحًا ورَبَحًا ورَباحًا ، فهو رابح ، والمفعول مربوحٌ – للمتعدِّي، وهذا الفعلُ ـ من بين معانيه ـ للمكاسب والمغانم، رَبِحَتِ التجارةُ : نمتْ وكسَبتْ ، ربِحَ التَّاجرُ في الصَّفقة: باعها بأكثر من ثمن الشِّراء. قال أبو العلاء المعرّي :
” يُعطى به التّاجرُ أرباحَهُ … وتاجِرُ الخُسرَانِ لا يربحُ “.
ورُبَّ قولٍ.. أنفذُ مِنْ صَوْل .
(83)
ـ (كادُ القطارُ يخرجُ عن الطريقِ) ..أو.. (كادَ القطارُ أنْ يخرجَ عن الطريقِ).
كادَ وأخواتُها: أفعالٌ ناقصةٌ ناسخةٌ تعملُ عملَ (كانَ) فتدخلُ على الجملةِ الاسميةِ، فترفعُ المبتدأَ ويسمى اسمَها ، وتكونُ الجملةُ الفعليةُ بعدَها في محلِّ نصبِ خبرِها .
تختلف (كادَ) وأخواتُها عن (كانَ) وأخواتِها في أنَّ خبرَها لا يأتي إلا جملةً فعليةً ، وأنَّ فعلَها فعلٌ مضارع ، لذا نقول : (كادَ القطارُ يخرجُ عن الطريق)، كادَ : فعلٌ ماضٍ ناقصٌ ، القطارُ : اسمُها مرفوعٌ ، والجملةُ الفعليةُ (يخرجُ عن الطريقِ ) في محلِّ نصبِ خبرِ (كادَ).
وقد تحتاجُ بعضُ أخواتِها ـ مثل عسى، وليست هي ـ الجملةَ الفعليةَ مسبوقةً ب(أنْ)، كقوله تعالى:
” فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ” 19 ـ النساء .
إذن، (كادَ يَفْعَلُ) كَوْداً : قارَبَ ولم يَفْعَلْ، مُجَرَّدَةً تُنْبِئُ عن نَفْيِ الفِعْلِ، ومَقْرونَةً بالجَحْدِ تُنْبِئُ عن وقُوعِهِ، وقد تكونُ صِلَةً للكلامِ،
ومنه قوله تعالى: ” إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ ” 40 ـ النور ،
أي: لم يَرَها، ولم يقل (لم يكد أن يراها)، وتكونُ بمعنى أرادَ،
كقوله تعالى: ” إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ “15 ـ طه ،
ولم يقل (أكاد أن أُخْفِيَها) .
وقال تعالى: ” تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ۖ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ”
8 ـ الملك ، ولم يقل: (تكادُ أن تَتَمَيَّزَ).
ومن الشواهد الشعرية العربية على فصاحة عدم إلحاق (أن) بالفعل (كاد) قول البحتري :
” أشرَقْنَ حَتّى كَادَ يُقْتَبَسُ الدُّجَى … وَرَطِبْنَ حَتّى كَادَ يَجْري الجَنْدَلُ “.
ولم أجدْ مسوِّغًا لغويًّا، ولا تبريرًا للضرورة الشعرية ـ بحسب معرفتي المتواضعة ـ لقول الشاعر أحمد شوقي :
” قُمْ للمُعَلِّمِ وَفِّهِ التبجيلا … كادَ المُعَلِّمُ أن يكونَ رسولا “، بإلحاق (أنْ) بالفعل (كاد).
ورُبَّ قولٍ.. أنفذُ مِنْ صَوْل.
(84)
ـ كان المطرُ يهطلُ، بينما كان الصبيةُ يلعبون في الشارع..
وهذا مِنَ الأغلاط الشَّائعة أن تكون (بينما) في وسط الجملة، مثال قولهم: (كان المطرُ يهطلُ، بينما كان الصبيةُ يلعبون في الشارع). السَّببُ: أنَّ (بينما) ظرف زمانٍ، يفيد المُفاجأة ، وله الصَّدارةُ في بدايةِ الجُملةِ ؛ لذلك من الفصاحةِ القول: (بَيْنَما كان المطرُ يهطلُ، كان الصبيةُ يلعبون في الشارع).
ومِثْلُ(بَيْنَما) (بَيْنا) ، وأصلُهما الظرفُ (بينَ) و زِيدَ على الأول حرف (ما)، وأُشْبِعَتْ فَتْحَةُ الآخر، فصارت ألِفاً. ،وكلاهما(بَيْنَما)و (بَيْنا) من حُروفِ الابْتِداءِ ، والمعنى واحد. تقول ( بَيْنا نحنُ نرقَبه أتانا ) أي أتانا بين أوقات رُقْبَتِنا إيّاه.
قال الشاعر بشارُ بنُ بُرْد:
” بَيْنا كذا إذ بَرَقَتْ بَرْقَةٌ … بَيْنَ رِدَاءِ الْخَزِّ وَالْمِجْسَدِ ” .
ـ الإسهام والمساهمة .
قل: (أسهمَ المؤمنونَ في إحياء ليلةِ القَدْر)، أو (على الميسورينَ الإسهامُ في كفالة الأيتام).
ولا تقل : ( ساهمَ المؤمنونَ في إحياءِ ليلةِ القَدْر) أو ( على الميسورينَ المساهمةُ في كفالة الأيتام). لأن الفعلَ (أسهمَ) هو الذي يعني ( شارك)، وليس (ساهم) الذي يعني (اقترع)، وفيه قوله تعالى عن نبيّه يونس(ع):
” فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ “141 ـ الصافات .
ورُبَّ قولٍ.. أنفذُ مِنْ صَوْل.