“آمنة” قبسٌ من “فاطمة” وجذوةٌ من”زينب”..!

منذ شهر واحد

كوثر العزاوي ||

كانت فاطمية في دفاعها عن عقيدتها والمذهب، زينبية في شموخها ووقوفها بوجه الطغاة، مخلصة في نصرتها للحقّ والوقوف بوجه الطاغية، إنها “آمنة”، الأمينة في احتضانها روح نهج آل محمد! فقد نَسجَت من الرضا ثوب صبرها في مجتمعٍ يتأرجح بين الهدى والضلال على الصعيد الفردي والاجتماعي، في ظلّ الترويج لشعارات المساواة وتحرير المرأة، عاشت “بنت الهدى” الهمّ الرساليّ الذي انطوت عليه ملامحها لتبدو ابتسامتها ودمعتها مزيجًا من نور ينبعث في جبينها، تجعلَ منه سراجًا تستضيء به في ظلمة ليل الزمن الحالك، ومالها من صباحها سوى زهرة الذكر تسبيحةً تخالط سجدتها تستوحي منها عبيرَ ماينتظرها من البوح العاطر بهمس الملكوت، تنثره كلماتٍ عابقة، يناغم مِدادها عقولًا لأجيالٍ واعدة، فصار عطاءً ثرًّا يداعبُ حُلمًا راودها منذ الصبا، يوم كان من المُحال عُرفًا شمّ رحيق الشهادة لغير الرجال! لكنها خَرَقت العادة، لتغذي مشاعرها بالأمل والدعاء لخمسين خلَت من عمرها، حتى استقر الحلم في غياهب المجهول الأجمل، فما لبث أن تحوّل الحُلم إلى حقيقة، مذ أخذت تَعدُّ الأنفاس لعمرٍ شَرَتهُ لربّها مختارة لامُرغَمة، لتصبح شريكة المسير والمصير مع أخيها في خدمة الدين والمجتمع، وما إن تحقق الحلم حتى عرج بها على براق الشهادة حيث مصافّ الصدّيقات، إنها الخاتمة الحسنة لِمن كانت طبيبة للأرواح، حكيمة تعِظُ التائهات في صحراء الدنيا، وعندها ترياق الحب، وسِحر الإخلاص، تداوي به من أصابها هوس التحرّر وحمّى التقدّم والإنحلال، في زمن الحرية والديمقراطية الآتية عبر رياح الغرب الصفراء آنذاك!! فكانت نِعمَ مَن تصدّى وردّ ودافع عن العقيدة والدين، بسماحةٍ ولين، بعد أن سَبرت غور الأحداث، وأعدّت نفسها للفناء في سبيل الله، فما تركت خلفها من الدنيا متاعًا ولاشيء من بهارجها! بل كان الخَلَفُ لها ذلك الدور الرياديّ المتميز الذي تقمّصته في الدفاع عن القضية، لتصل بحكمتها وعِلمها وبصيرتها الى خير مآل، ماأحال حياتها وقْفًا لله في سبيل إصلاح المجتمع وتوجيهه، عندما انبرت تفكّر وتبحث وتنظِّر وتكتب في كيفية الوصول بالمجتمع والأمة إلى أعلى مراقي السمو الإنساني، من خلال إثاراتها الهادفة لمعنى”أن تكون المرأة إنسانة كما يريدها الله كريمة فاضلة، لا كما يريدها الناس انثى هابطة تتحرك بمفاصل جسدها كمن يعرِض سلعة للبيع بعد تزويقها ثم سرعان ماتبور”!!
لقد حققت”بنت الهدى”ومن خلال الرسالة القصصية المتميزة تقدّمًا في نشر معالم الإسلام المحمديّ الأصيل، بفكرٍ وقّاد وأفكار سلسة كأنها السلسبيل، عندما كرّست ذائقتها الأدبية، بأسلوبٍ يحاكي واقع المرأة والمجتمع بمختلف فئآته العمرية، فصار مثارًا للتشويق عبر العناوين الجاذبة، كالفضيلة تنتصر، والدعوة إلى الله، والخالة الضائعة، ولقاء في المستشفى، وغير ذلك مما له الأثر العميق في نفوس الفتيات سيما الطالبات الجامعيات منهنّ، فأحدثت قصصها يومئذ، ثورة تغييرية على مستوى انتشار الحجاب في المدارس والجامعات، والتقصّي عن معالم الدين والعقيدة، مما أثار انتباه ورعب وغضب السلطة البعثية الحاكمة، وكان ماكان من قمع وإرهاب، وحملة اعتقالات واسعة طالت الفتيات والنساء دون تمييز، خوفًا من انتشار الحجاب واتساع رقعة الوعي الديني، ورغم القمع الصدامي، إلّا أنّ ذلك قد أزاح الستار عن الوجه الحقيقي لقباحة النظام البعثي الديكتاتوري وفضح ادعاءاته بالحرية والديمقراطية، وحقيقة عدائهِ للدين، وحقده المتجذر على حَمَلَة العلم والدين وذوي البصيرة، دون التمييز بين رجل وامرأة ولاصغير أو كبير. والتاريخ شاهد على إعدامه مايقارب ٣٠٠٠ آلاف من حرائر العراق، وعدد كبير منهنّ لاأثر لها ولاقبر!.
“فسلام للروح الطاهرة وهي تُزهَقُ عنوة تحت وطأة التعذيب الوحشي في دهاليز هارون زمانها لتمضي “العلوية بنت الهدى” إلى ربها شهيدة مفقودة الأثر أسوة بجدتها الزهراء “عليها السلام”

٢٩-رمضان-١٤٤٥هج
٩-نيسان-٢٠٢٤م
[4:11 م، 2024/4/9] قاسم العجرش: https://clay-