إنتصار الدماء الزاكية على الزنيم الطاغية..!
إنتصار الماهود ||
محمد باقر الصدر، رجل دين وفيلسوف وسياسي، سليل آل الصدر الكرام، ولد في الأول من اذار للعام 1935، في مدينة الكاظمية المقدسة في بغداد، إستشهد في التاسع من نيسان، للعام 1980 على أيدي أزلام البعث الفاشي، قبيل بدء الحرب العراقية الإيرانية، هو إبن السيد حيدر الصدر، و أمه إبنه العالم الجليل عبد الحسين آل ياسين، شقيقته العلوية آمنة الصدر، كاتبة وشاعرة ومدرسة للفقه والأخلاق، أعدمها الطاغية صدام مع شقيقها، بعد أن تعرضت للتعذيب والإغتصاب على يد أزلامه.
وصل السيد محمد باقر الصدر، لمرتبة الإجتهاد في سن مبكرة، وبدأ التدريس للعلوم الدينية، تتلمذ على يد كبار علماء الحوزة الدينية، في النجف الاشرف كالسيد الخوئي قدس سره، وكان من أبرز العلماء، وأنجب رجال الدين في تلك الحقبة.
برع الشهيد الصدر الأول بالكتابة في كل مجالات الحياة، التي بها علاقة بالإنسان وبناؤه والمحافظة على وجوده وكيانه، فبناء الإنسان الكامل، هو الهدف الأسمى والأعلى، ومن أهم الجوانب التي تناولها، ( الفقه وأصول الفقه، الفلسفة، المنطق، الكلام، التأريخ، علم النفس)، وكانت له مؤلفات كثيرة ومهمة، لازالت يحتذى بها حتى يومنا هذا مثل،( كتاب إقتصادنا، البنك اللاربوي في الإسلام، فدك، أهل البيت، الإسلام يقود الحياة، رسالتنا)، وغيرها الكثير.
كان الشهيد محمد باقر الصدر و محمد مهدي الحكيم، أهم مؤسسي حزب الدعوة الاسلامي في العراق، في خمسينيات القرن العشرين، وكان هدفهم الأساس هو تغيير الأعراف والسلوكيات والمفاهيم، التي تغلبت على مباديء الدين الإسلامي والقوانين الشرعية الإسلامية، وهدف أولا الى تغيير المفاهيم لدى المجتمع وتصحيحها، وتعتبر مرحلة التغيير الفكري، من أهم المراحل ثم تتلوها، مرحلة العمل السياسي، وهي مرحلة تكوين رأي عام مضاد للحاكم الظالم، وتغييره بنظام إسلامي يحافظ على المجتمع وبنيته، ضد التغييرات التي يتعرض لها، خاصة بوجود المد الشيوعي آنذاك والتوجهات الليبرالية العلمانية، التي بدأت تسيطر على المجتمع العراقي المسلم المحافظ.
يعتبر الشهيد الصدر الأول، أول من أفتى بحرمة الإنتماء للبعث، و دعا لإسقاطه ودعم الثورة الإسلامية في إيران، والتي تزامنت مع تولي الطاغية وحزبه للحكم في العراق، مما أعطى حجة لصدام، كي يتهم الشهيد بالعمالة لايران والتخابر معها ضد العراق ليعدمه في عام 1980.
لقد توقع صدام حسين أن بإعدامه للشهيد، سيحجم دور حزب الدعوة وينهي وجوده في العراق، الإ أنه كان واهما جدا، فقد توسع النشاط السياسي والإسلامي للحزب، في داخل وخارج العراق، وإستقطب خيرة الشباب فية كالشهيد أبو مهدي المهندس ورفاقه مثالا، وكان الهدف الأساس وكما أراد الشهيد، إسقاط النظام البعثي في العراق.
لا يخفى على الجميع بالطبع عمالة صدام للغرب، وما الدور الذي لعبه، بالضبط في المنطقة ( تحجيم وإنهاء الإسلام السياسي الشيعي)، الذي أصبح تناميه ووجوده يهدد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وبإسقاط المعارضة في العراق بقتل رموزها، وشن حرب غير عادلة على النظام السياسي الإسلامي في إيران، والذي إستلم الحكم بدلا من نظام حكم الشاه، محمد رضا بهلوي الدمية الأمريكية المطيعة، الإ منذ فترة وجيزة توقعت أمريكا، أنها ستنهيه في المنطقة.
إن أسلوب الفوضى الخلاقة، الذي اتبعته أمريكا، في الشرق الأوسط والذي بدأه سياسييها، من اجل إحكام السيطرة لم يكن ذي نفع، فبعد تغيير نظام الحكم في إيران، لنظام إسلامي شيعي، بدأت إيران تقوي علاقاتها بدول الجوار، لتقوى بهم وتقويهم وتأسس لنظام عالمي إسلامي جديد، ليكون قطبا من أقطاب القوى السياسية العالمية، وها هي اليوم بعد عقود، قد غيرت المعادلة في المنطقة وأثبتت فشل النظرية الأمريكية، التي حاولت وبكل جهدها أمريكا لإنجاحها.
لم يكن أمام أمريكا بدا سوى إسقاط عميلها الذي كانت تدعمه طوال عقود والذي توقعت أنها بوجوده ستسيطر على الجزء الشرقي، على الأقل من الوطن العربي، وفكرت بإستبداله بنظام جديد، فهي تحاول التقرب والتودد من الإسلام السياسي الشيعي وتسليمه العراق كي يكون مقربا منها ويتعاون معها أو على الأقل تبقي الوضع كما هو عليه، في وجوده بعد أن فشلت في إسقاطه، لم تدرك أن ما إستبدلته اليوم لم يكن ليصبح لها غدا.
لقد شاءت الاقدار الإلهية والعدالة الربانية، أن يسقط الطاغية من عرشه، في نفس اليوم الذي إستشهد فيه الصدر الاول، ليكون عبرة للطغاة والمتجبرين، فلعنة الدماء الزاكية للعلماء ورجال الدين، الذين قتلهم المجرم بقيت تطارده حتى إقتلعته من جذوره وأطاحت به وزلزلت عرشه.
سيبقى يوم التاسع من نيسان يوما خالدا في ذاكرة العراقيين الشرفاء، يوم إنتصار الدماء الزاكية على الطاغية.