الزعامة السياسية وسيكولوجية الجماهير..!
ناجي الغزي ||
كاتب وباحث سياسي واقتصادي
الزعامة السياسية أمر مهم وضروري في قيادة الامة في كل المجتمعات المتقدمة والمتخلفة الغربية والشرقية في كل العصور والازمنة. وفرنسا مثالاً في ذلك, رغم تحضرها وديمقراطية نظامها, الا ان شعوبها عبر الاجيال لاتزال تتغنى وتمجد بشخصية نابليون بونابرت وشارل ديغول , ولاتحفظ الذاكرة الفرنسية للرئيس جاك شيراك ذو الشخصية الباهتة الذي حكم فرنسا اربع دورات انتخابية دورتين رئيس وزراء ودورتين رئيس جمهورية وقبلها كان عمدة باريس لمدة 18 عام.
عكس ديغول الذي استقال واعتزل السياسة الا ان الطبقة السياسية ورئيس حكومة الجمهورية الفرنسية الرابعة (رينيه كوتي) عجزت عن التصدي للازمات والثورات مما دعاهم بالعودة الى ديغول لانقاذ الوضع, فبادر بتأسيس الجمهورية الخامسة عبر إقرار دستور يقوي فصل السلطات ويعزز مكانة رئيس الجمهورية.
وحقيقة الواقع العراقي الاجتماعي والسياسي يجبر اللحظة التاريخية على البحث عن زعامة سياسية قوية لان الظاهرة الكاريزمية للزعامة السياسية متغلغلة فقط في أعماق الأنثروبولوجيا الاجتماعية للشخصية العراقية وصيرورتها ومقترنة بتأزم الأوضاع السياسية وتفاقم الشروخات الاجتماعية وتراكم الاحتقانات النفسية. كل هذه الترسبات النفسية والاجتماعية حاضرة في الذهنية الجمعية, لذلك تكون الزعامة السياسية أحد مطالب الجماهير التي لاتزال تعيش لحظة احباط وتراجع نتيجة تصدأ القاطرة السياسية والاقتصادية والثقافية في المجتمع, والتي أدت الى خلق ازمات اقتصادية وانسدادات سياسية وبطالة وتعطيل للخدمات.
وسيكولوجية الجماهيرية تتأثر باختلاف المحددات الزمنية والأحداث الطارئة, ويمكن تحويل ملايين الناس الى جمهور نفسي خاضع للتأثيرات والانفعالات النفسية وذلك من خلال جمعهم في حدث وطني ضخم. وهو ما يعني ذلك يمكن تحويل شعب كامل الى جمهور نفسي تحت وطأة التأثيرات السايكولوجية.
ومن الملاحظ ان ذوبان الفرد في الجماعة يجعل الانفعالات النفسية مرهون بتلك الجماعة, فيغيب وعيه وتسيطر عليه الجماعة. وتحل فيها المشاعر محل الأفكار ويسود الإحساس الانطباعي التفكير والقرارات. والعقل الجمعي سايكولوجيا يتحرك بطريقة اللاوعي في طريقة التفكير, فيضع انشغالاته الذهنية في حضرة الجماعة فتصبح قراراته مبنية على نوازع نفسية خالية من مبدئية التقرير العقلاني والمنطقي.
ومن هنا يكمن مأزق الجماهير عندما تفقد الثقة في مؤسسات الدولة المتهمة بالفساد والفشل بقيادة المجتمع, فتعيش حالة من الشعور بالحرمان والتخبط والقلق. فيصبح الخلاص من مأزق الوضع الراهن في العقل الجمعي للجماهير, هو الاختيار الجماعي والتوافق الشامل على شخصية الزعيم ودوره القيادي والريادي والمنقذ للامة.
لان مجموعة الاصلاحات في جسد الدولة تبدو شبه مستحيلة للعقل الجمعي, فلذلك ينكفئ الافراد على انفسهم وفق يقين ثابت بأن الحل يتعدى ارادتهم. لذلك تحتاج الامة الى قائد مخلص يظهر على انقاض المجتمع المأزوم بكل تحدياته. أو زعامة كاريزمية تبنى عليها الآمال والأنظار والإنتظار لتضع الجماهير مصيرها بين يديها كتفويض ينبع من الشعور بالضعف والضياع.