الاثنين - 09 سبتمبر 2024
منذ 5 أشهر
الاثنين - 09 سبتمبر 2024

إنتصار الماهود ||

 

بسم الله الرحمن الرحيم ” قال يا نوح انه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم“، صدق الله العلي العظيم.

قابيل إبن آدم قتل أخاه هابيل حسداً، يام عصى أباه نبي الله نوح كفراً، أبناء نبي الله يعقوب كادوا لأخيهم يوسف حقدا وغيرة، أمثلة كثيرة وشاخصة في القرآن الكريم، قصص عن الإبن العاق، ذلك العمل غير الصالح الذي أبتلي به الأنبياء والأوصياء والمؤمنون.
حين كان الأهل يقصون علينا، تلك القصص كنا نتعجب، رغم أنها أمثلة قليلة وشاذة، وليست قاعدة عامة، إلا أننا كنا نستهجن تلك التصرفات، التي قام بها أولئك؟ كيف يمكن لإبن أن يعصي أباه؟! كنا نقول ” صدك جذب معقولة أكو هيج بشر، شنو إنگلبت الدنيا؟! “، أي زمان هذا الذي نعيش فيه حين يصبح عقوق الوالدين وعدم طاعتهم وإحترامهم شيء عادي؟!، لقد كنت أنكر ما أسمعه وأتوسم خيرا كعادتي المتفائلة دوما، حتى صدمت بالحقيقة التي نعيشهافي هذا الوقت، في أحد الزيارات لدور المسنين في بغداد.
تحدثت لي أحد السيدات والتي لاتزال في أواسط العمر وبصحة جيدة، بادرتها بالكلام، بأنها ليست كبيرة أو مريضة، حتى تدخل دارا للمسنين من أجل العناية الخاصة، ما قصتك؟!.
أجابت: ” قصتي ببساطة، تخليت عن كل شيء لأجله، ودفنت نفسي وشبابي لأربيه، رفضت أن يكون هنالك أحدا جديدا في حياتي كيلا أظلمه، ربيته حتى أصبح رجلا، وفرحت بزواجه، وقلت في نفسي، أصبح لدي إبن وإبنة، وقريبا سيمتليء المنزل بالأحفاد وسيعوضني الله على صبري، لم أكن أعلم ما الذي ينتظرني من ولدي الوحيد.
أصبح يطالبني بتحويل ملكية منزلي إليه، بحجة أن زوجته تعايره، كيف يسكن منزل والدته، رغم أنني أخبرته بأن كل شيء هو له، لكنه أقنعني، ولأنني لم أهتم الا لسعادته وفرحه، حولت منزلي وسندي بإسمه، لم يمض وقتا طويلا، حتى بدأت تصرفاته و زوجته، يتغيران تجاهي، وذات يوم فجرها فلذة كبدي في وجهي: ” يمة بنت العالم حيل متضايقة من تصرفاتج وياها، هواي إنت قاسية، ليش متروحين يم خوالي كم يوم، هم ترتاحين وهم هي ترتاح وآني أرتاح من المشاكل “، حقيقة لم أنصدم من تصرفاتها هي، إلا أن كلام إبني وقع كالصاعقة فوق رأسي، هل هذا الذي حرمت نفسي من كل شيء وعشت كالراهبة من أجله؟! هل هذا جزاء التربية؟!، أحداث تسارعت ومشاكل تزداد، لم أجد نفسي إلا وأنا داخلة لدار المسنين بإرادتي، فنفسي تأبى أن تكون ضيفة ثقيلة على أخ أو أخت، خاصة بعد الملامة والكلام الجارح، الذي سمعته من الجميع عن تفريطي بحقي وتسليمي لحيتي لأبني حسب وصفهم.
أي إبن يجعل مرتبة زوجته فوق مرتبة أمه، ما الذي يحدث يا الله؟!.
أما العم أبو غايب كما أرادني أن أسميه، وأترك أسماء أولاده الخمسة الذين تركوه وحيدا، بعد أن قام بتوزيع ما يملكه عليهم، بالتساوي، في حياته قبل أن تحضره المنية وهكذا يضمن الأ يكون هنالك صراع بينهم، ضحك وأردف: ” لو أدري هيج يبيعوني ويشمروني، لا بالله ما أوزع شي منا لمن اموت، وخلي هوستهم توصل للستار، تخيلي 3 سنوات محد يوصلني منهم غير بس بنتى الصغيرة“ هم لايريدون تحمل مسؤولية رجل مريض شبه عاجز.
قصة أخرى تؤلم في دار المسنين، رجل أرمل وسيدة ضريرة، تزوجوا رغم كبر سنهم هنا وإنقطاع السبيل بهم، لا لشيء سوى إيناس وحدتهم وسد الفراغ الذي تركه الأبناء الجاحدين في قلوبهم، أخبرني أن الله عوض صبره بها وسيخدمها حتى مماته، وهي قالت لي أنها لا تعرف أي عمل طيب قامت بها كي يكافأها الله برجل مثله؟!.
الكثير والكثير من القصص المؤلمة والتي يشيب لها الرأس، ودموع محبوسة بين الأحداق، وقلوب تنزف ألما بصمت بسبب جحود الفلذات الغالية، وكأنهم يسألونني ما الذي فعلناه كي نعاقب وننسى، ونرمى مهجورين في دار للمسنين؟!، هل هذه هي مكافئة الكبر وتعب السنين؟!، هل تغيرت العلاقات الأسرية لهذه الدرجة، ولم تعد تلك الرابطة القوية، التي تجمع شتات الأسرة في منزل واحد، وهل أستبدلنا دفء المنازل ببرودة جدران دور الرعاية، أصبحت مناظر الجحود والقسوة وعدم الطاعة وغيرها، نراها بكثرة مع الاسف، ويعامل بها كبار السن دون رادع أخلاقي أو ديني أو حتى إنساني.

إننا حين نكتب لا نريد تغيير العالم لآخر مثالي طوبائي،لا سامح الله، فهذا شي ء محال، لكن على الأقل نريد عودة الحب والإحترام والإحتواء لمن ربونا صغارا و أحتوونا كبارا، لقد حان الدور علينا الآن لنرد الجميل على الأقل مثله وليس أفضل منه.
بسم الله الرحمن الرحيم ” ولا تقل لهما إف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما“
صدق الله العلي العظيم.