نهاية الصبر الاستراتيجي وانطلاق الهجوم الاستراتيجي الايراني..!
محمد صادق الحسيني ||
اتسمت السياسه الخارجية الايرانية ، طوال العقود السابقة منذ انتصار الثورة الاسلامية في ايران سنة ١٩٧٩ ، بما كان يطلق عليه اسم : الصبر الاستراتيجي ، الذي كان يفسره البعض على انه عجز القوى الثورية عن الفعل وتغيير الواقع ، الذي كانت تعيشه قوى الثورة الاسلامية ، محلياً واقليميا ودولياً .
الا ان واقع الثورة الاسلامية وقيادتها الثورية ، في ايران ، كان يؤكد عكس نظرية اعداء الثورة المشار اليها اعلاه . اذ ان الثورة كانت تعكف على مواجهة تحديات عديدة ، في الداخل وفي الاقليم وعلى الصعيد الدولي ، وكان اهم هذه التحديات :
١)مواجهة المؤامرات الاميركية والقوى الرجعية الايرانية ، المرتبطة بالامبريالية ، من اتباع الشاه المخلوع وغيره من التوجهات المعادية لمبادئ الثورة الاسلامية .
٢)العمل على مواجهة العقوبات الاجرامية ،التي فرضتها الولايات المتحدة الامريكية واتباعها الاوروبيين ضد ايران ، والانتقال بالاقتصاد الى استراتيجية الاعتماد الكلي على الذات ، وفي كل المجالات الاقتصادية .
٣)وعلى قاعدة الاعتماد الكلي على الذات ، وفي ظل الحظر الشامل الذي فرضته قوى الاستعمار الغربي على تصدير السلاح الى الجمهورية الاسلامية في ايران ، بدأت القياده الثورية في الجمهورية بتطوير الصناعات الدفاعية الايرانية ، كي تصل بها الى مستوى الاكتفاء الذاتي .
وقد كان الصبر الاستراتيجي ، هو السبب والدافع والالية الضرورية لتطوير هذه الصناعة ، وايصالها الى المستوى الذي جعل القوات المسلحة الايرانية بشكل عام ، والحرس الثوري بشكل خاص ، اليوم ، قادراً على توجيه الضربة الصاروخية الجوية ، ليلة ١٤/٤/٢٠٢٤ ، لاهم قواعد العدوان الصهيوني العسكرية في فلسطين المحتلة ، خاصةً تلك التي انطلقت منها الطائرات الحربية الاسرائيلية التي قصفت القنصلية الايرانيه في دمشق ، بتاريخ ١/٤/٢٠٢٤ ، واغتالت كوكبة من قادة الحرس الثوري الايراني وعلى راسهم اللواء محمد زاهدي ،إضافةً الى قواعد تجسس وحرب الكترونية شاركت في توجيه العمليات الجوية للطائرات التي شاركت في العملية اعلاه .
وهنا لا بد من طرح السؤال الاهم ، الا وهو :
هل انتهت حقبة الصبر الاستراتيجي الايراني وبدأت مرحلة الردع الاستراتيجي ؟ وهل بات هناك ثمة توازن استراتيجي ، بين محور المقاومة والمحور الصهيواميركي الرجعي العربي ؟ وكيف ذلك ؟
ان النظرة الموضوعية والعلمية ، غير الخاضعة للعواطف والاهواء الشخصية ، تؤكد حقائق عديدة ، لا بد من التطرق الى اهما ، وهي التالية :
اولاً : صحيح ان الولايات المتحدة الاميركية هي الدولة الاقوى في العالم عسكرياً ، خاصةً اذا ما اخذنا بعين الاعتبار امكانيات الدول الاوروبية وكندا العسكرية ، الاعضاء في حلف شمال الاطلسي العدواني ، وما يشكله هذا التجمع العسكري من قوة عسكرية هائلة ، منخرطةً منذ ما يزيد على عامين في حرب عدوانية ضد روسيا الاتحادية ، انطلاقاً من اراضي ” اوكرانيا وبادوات نازية اوكرانية ” ، .
لكن وقائع الميدان ، في منطقة الدونباس ، تؤكد ان هذا التجمع العسكري للغرب الجماعي لم ولن يستطع هزيمة روسيا ، كما يدعون ، هزيمة استراتيجية . لا بل ان هذه الحرب ، التي يشنها الغرب ضد روسيا قد تحولت الى حرب استنزاف ضد هذا الغرب ومستنقعاً يسير باتجاه التحول الى ڤيتنام جديدة وهزيمة استراتيجية مدوية ، لهذا الغرب الجماعي العسكرتاري .
ثانياً : يضاف الى ذلك ان الولايات المتحدة ، ورغم امتلاكها اكثر من الف قاعدة عسكرية ، في جميع قارات وبحار ومحيطات العالم ، الا انها تواصل التوسع العسكري وبناء القواعد والاحلاف العسكرية ، كما فعلت مع اوستراليا وبريطانيا في تحالف أوكوس ، بتاريخ ٢١/٩/٢٠٢١ ، والحلف الذي تعمل على انشائه حالياً ، ضد الصين ، بين كل من اليابان والفلبين والذي ربما تنضم اليه كوريا الجنوبية .
كما يجب التذكير بالتحالف البحري ، الذي اطلقته الولايات المتحدة في البحر الاحمر ، واسمته :تحالف حامي الازدهار بهدف العدوان على الشعب اليمني ومنعه من مساندة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزه .
نقول انه رغم كل هذه التحالفات والامكانيات العسكرية فان هيمنة وقوة الردع للولايات المتحدة ، على الصعيد الدولي ، في تراجع مستمر .
ثالثاً : ان الرد الصاروخي الايراني على كيان العدو ، ورغم التحذيرات الاميركية لطهران من عدم الرد ، قد اظهر ان هناك حدوداً للقوة العسكرية الاميركية ، لا يمكن تجاوزها ، على الرغم من حجمها الهائل .
وهذا يعني ان الاسلوب ،او التكتيكات ، التي اتبعتها القيادة السياسيه والعسكريه الايرانية ، خلال فترة التحضير للرد على العدوان الصهيوني ، على القنصلية الايرانية في دمشق ، قد جعل من : مكانة / فعالية / القوة العسكرية ، قادرة على تحدي الولايات المتحدة اولاً وردعها عن التدخل المباشر لمنع ايران من الرد.
الامر الذي يحمل في جوهره ان ايران لم تعد قوة اقليمية ، بل قوةً دوليةً يحسب لها حساب ، في معادلات الصراع الدولي ، خاصةً وانها اظهرت حنكة كبيرة جداً ، في اختيارها التوقيت المناسب واللحظة التاريخية ، لاستخدام قوتها العسكرية ، ولو بشكل محدود في هذه المرة ، ولكن بأقصى درجات الفعالية ، وذلك من خلال استغلال غرق الولايات المتحدة الاميركية في اوحال اوكرانيا وانخراطها في اقامة تحالفات جديده ضد الصين ، التي تعتبرها واشنطن التحدي الاستراتيجي الاول لها ، وكذلك استغلال مأزق الكيان الصهيوني في قطاع غزه ، حيث ان جيشه يراكم الفشل والخسائر منذ ما يزيد على ستة اشهر .
رابعاً : ولا بد في هذه العجالة من الاشارة الى البعد الاستراتيجي ، الذي تحمله عملية احتجاز القوات البحرية لحرس الثوري الايراني ، لسفينة اسرائيلية في مياه الخليج وبالقرب من سواحل امارة الفجيرة ، وهي العملية التي تتكامل مع العمليات البحرية المشابهة ، التي تنفذها البحرية اليمنية ، في البحر الاحمر وخليج عدن والبحر العربي وشمال المحيط الهندي ، اسنادا لغزه .
ان هذه العملية وما تعنيه من قدرة ايران ، ومعها بقية اطراف محور المقاومة على السيطرة على الممرات المائية الاستراتيجية والاكثر اهمية في العالم ، الا وهي مضيق هرمز ومضيق باب المندب ، وما تبعها من نجاح الجمهورية الاسلامية الايرانية ، في توجيه ضربة صاروخية استراتيجية لعمق العدو الصهيوني ، دون ان تتمكن جميع امكانيات الدفاع الاميركية والصهيونية واتباعهما في المنطقة من منع وصول الصواريخ والمسيرات الايرانية من الوصول الى اهدافها ، وما لهذه العملية من ابعاد وتداعيات عسكرية جعلت منها عملية استراتيجية ، بمفاعيلها ، رغم انها كانت ضربة محدودة في الوسائل ، هدفت الى توجيه رسائل ردع الى الولايات المتحدة ، مؤداها ان القواعد الاميركية في كل المنطقة العربية ستتعرض للقصف اذا ما قامت واشنطن بتنفيذ اي عمل عدائي ضد ايران .
اذن ، فان هذه الضربة قد افقدت الولايات المتحدة الاميركية وقاعدتها العسكرية الاكبر في المنطقة العربية ، الكيان الصهيوني ، قدرتهما على الردع ، خاصةً اذا ما تذكرنا ان الكيان الصهيوني قد شن عدوان سنة ١٩٦٧ على ثلاث دول عربية بحجة قيام الرئيس جمال عبد الناصر باغلاق مضائق تيران، الموصلة الى ميناء ام الرشراش ( ايلات ) المحتل .
وهو الامر الذي أكدته صحيفة : إسرائيل هيوم ( إسرائيل اليوم ) اليمينية العبرية ، عندما قالت ، في تقرير لها نشرته ظهر اليوم :
” ان الهجوم الليلي من ايران هو تذكير صارخ بفقدان الردع الاستراتيجي لإسرائيل والولايات المتحدة الاميركية ” .
وهذا يعني ان واقعاً استراتيجيا جديداً قد نشأ في “الشرق الاوسط” بشكل عام وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية بشكل خاص .
وكل ما يعنيه ذلك من ان واشنطن وتل ابيب لم يعد بامكانهما مواصلة العدوان والقتل والتدمير ، في قطاع غزة والضفة الغربيه كما يحلوا لهما ، لان طرفاً استراتيجياً ، هو الجمهورية الاسلامية الايرانية ، قد قرر ان ينزل الى الميدان مباشرة الى جانب الشعب الفلسطيني ، عسكرياً و يقوم بدور مباشر ولم يعد يكتفي بتقديم الدعم والاسناد المالي والتسليحي والسياسي للشعب الفلسطيني .
بعدنا طيبين قولوا الله