الاثنين - 16 سبتمبر 2024

الصواريخ الإيرانية تدك إسرائيل؛ امتداد لأفكار النجف الأشرف المناهضة للصهيونية

منذ 5 أشهر
الاثنين - 16 سبتمبر 2024

علي شمس آبادي ||

“مسؤول الدبلوماسية العامة في القنصلية الايرانية في النجف الاشرف”
إن الهجوم المركب الذي شنته الجمهورية الاسلامية الايرانية بالصواريخ والمُسيرات على مواقع عديدة في فلسطين المحتلة، يمكن اعتباره بجرأة بأنه أضخم هجوم بالصواريخ والمسيرات في تاريخ العالم، ورغم أنه كان حدثا عسكريا غير مسبوق وسياسيا قل نظيره، بيد أنه يمثل امتدادا لفكر متجذر ومستدام في العالم الاسلامي لا سيما مذهب التشيع، ولا تقل أهميته عن أصل عملية “الوعد الصادق”. إن المدرسة الفكرية للتشيع، تحمل على الدوام هموم المسلمين، ونظرا إلى عمق الجرائم الصهيونية المتواصلة ضد فلسطين، فان هكذا مدرسة، لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام مكافحة هذا الورم السرطاني.
إن النجف الأشرف بوصفها تحتضن مرقد أول أئمة الشيعة وحاضرة آخر إمامهم، تُعد الموقع الأول للفكر الشيعي، وكانت وما تزال أحد المراكز الرئيسية لمواجهة الصهيونية؛ على الأقل وفق ما سجله وثبته التاريخ. فقد انطلق أول نداء نجفي صريح لمواجهة جرائم الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني المظلوم، في كانون الأول/ديسمبر 1936 (قبل عقد واحد تقريبا من تأسيس الكيان الاسرائيلي المختلق رسميا)؛ وهذا النداء أطلقه الشيخ عبد الكريم الزنجاني، إذ سافر هذا العالم الرباني شخصيا إلى فلسطين لوضع أفكاره المناهضة للصهيونية موضع التطبيق، وألقى خطبة في المسجد الأقصى، وأصدر فتوى بتحريم بيع الأرض للصهاينة.
وبعد الشيخ عبد الكريم الزنجاني، ظلت النجف الأشرف، الرائدة في دعم فلسطين، بحيث أن تصريحات صريحة أطلقها علماء الدين آنذاك في معاداة الكيان الصهيوني، بمن فيهم الشيخ محمد جواد الجزائري والسيد محسن الحكيم والسيد محمد الحسني. وقد تبنت شخصيات دينية بارزة بمن فيهم الشهيد محمد باقر الصدر والشهيد محمد محمد صادق الصدر وآية الله الخوئي، الفكر المناهض للصهاينة والذي استمر حتى يومنا هذا؛ ولا بد من الإشارة في هذا الخضم، إلى أن الإمام الخميني (رض) وخلال سنوات إقامته في النجف الأشرف وبالإفادة من الأجواء الدينية والعلمائية بهذه المدينة، اتخذ مواقف جلية وواضحة ضد اسرائيل. واليوم أيضا ، يرفع اية الله العظمى السيستاني في النجف الأشرف، راية التصدي للفظاعات والاعتداءات الهمجية الصهيونية ضد فلسطين، وعليه، فان النجف الأشرف بصفة خاصة، والعراق بصفة عامة، يمثلان مصدر تهديد مقلق للكيان الاسرائيلي.
وقد تبلور إرث هذه الأفكار لاحقا في السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية الايرانية، وتحولت مواجهة الكيان الصهيوني، إلى واحدة من الأولويات الاستراتيجية لهذا النظام. ومتابعة لهذه الاستراتيجية، قامت الجمهورية الاسلامية الايرانية ورغم العقوبات التي يصل عمرها إلى أكثر من 40 عاما، بزيادة قدراتها في مجال الصواريخ والمسيرات، وقد شهد الجيل الحالي، أن قوة شيعية تخضع للعقوبات، استطاعت بنجاح أن تشن أضخم هجوم بالصواريخ والمسيرات على كيان، يمتلك أوسع الدفاعات الجوية والمدعوم دعما مباشرا من القوى العسكرية في العالم (أمريكا وفرنسا وبريطانيا).
إن النجف الأشرف كانت في الحقيقة، من مبدعي الفكرة الرئيسية المتمثلة بمكافحة الغزاة المحتلين واضطلعت بدور في منظومة محاربة اسرائيل، والذي يشكل الهجوم الصاروخي الايراني جزء منها. ومع انهيار الهيمنة المفبركة والهيبة الكرتونية للكيان الصهيوني، فاننا شهدنا أن غزة عاشت لبضع ساعات، هدوء واستقرارا على الأقل بعد نحو 7 أشهر، وهذا الإنجاز الضخم، هو حصيلة للتاريخ الفكري والتطبيقي للتشيع. وبعبارة أوضح، فان الأفكار النابعة من النجف الأشرف إلى جانب القدرات الصاروخية الايرانية، حولت ما لم تستطع عشرات الجلسات لمجلس الأمن الدولي ومؤتمرات قمة البلدان الاسلامية فعله، إلى امر واقع.