الأحد - 15 سبتمبر 2024

الأبعاد الاستراتيجية للضربة الإيرانية للكيان الغاصب..!

الأحد - 15 سبتمبر 2024

د, محمد صادق الهاشمي ||

١ إنّ هذه الضربةَ أثبتتْ جدّيةَ الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة في مواجهة الدويلة اللقيطة ( دويلة اسرائيل ) ، وأنّ الإعلام البعثي الذي كان يروّج إلى أنّ : «إيران لا تخطط استراتيجياً لمواجهة هذا الكيانِ الصهيونيِّ ، وأنّها تمارس فقط دور التعبئة الإعلامية ، فهي جعجعةٌ بلا طحين » ، كلّ هذا الإعلام سقط اليوم بأوّل صاروخ انطلق .
٢.هذه الصواريخ – والكلام موجَّهٌ إلى البعثيين من أنصار صدام حسين – ليس هي عين البراميل التي أطلقها صدام حسين ، وهي براميل فارغة تافهة، جعلت العراق موضع سخرية أمام العالم ، فضلا عن أنّها لم تكن تستهدفُ مطاراً أو قاعدةً عسكريةً أو أيّ شيء ، مقابل ذلك دفع صدام الأموال الطائلة لتعويض الكيان الغاصب .
٣/ من كان يدّعي أنّ إيران جادّة في مواجهة (دويلة إسرائيل اللقيطة ) إلّا أنها لا تمتلك السلاح الكافي ، وأنّ عصر « العمامة الولائية » هو عصرٌ إعلاميّ ، وليس هو عصر التقنيات والتطوّر التقني ، والسلاح المتطوّر فقد بلغ سمعه أنواع الصواريخ من أصنافٍ شتّى ، مضافا إلى خطّة الضربة الجويّة التي كانت أوّل حرب جوية تخترق كلّ دفاعات الأطلسيّ ، والدول العشرة التي نفذت من خلال (8) مصدّات ، لإسقاط الصواريخ الإيرانية إلّا أنّها وصلت لأهدافها المرسومة لها .

٤/ أثبتت تلك الضربة أنّ الأقوال التي كانت تدّعي أنّ إيران لا تردّ مباشرةً ، بل يكون ردّها دوما من خلال المحور المقاوم ، على غير أرضها ؛ لأنها تتحاشى الصِّدامَ المباشر مع العدوّ، فقد أثبتت تلك الضربةُ كذب كُلّ تلك المدّعيات ، سيّما أنّ تلك العملية لها مميزاتٌ كبيرةٌ أوّلها أنّها كانت بأمر الإمام الخامنئي مباشرة.
٥/إنّ إيران أثبتت قدرتها التسليحية التي فاقت قدرات الأطلسيّ ( أمريكا والاتحاد الأوربيّ ) ؛ لأنّ تحليل الضربة عسكريا يثبت القدرات الكبيرة لدى إيران من السلاح والتقنيات الأخرى الني منها التمويه على الرادارات وغيرها ، فتلك هي الدولة الحقيقة ، وليس الدولة الافتراضية ، وتلك الدولة التي تمتلك الأيدولوجية والسلاح والإرادة والعزم بعد الإيمان بالله وبمبادئها.
٦/أثبتت تلك الضربة إمكانية أنْ تكونَ إيران ومحور المقاومة قوّةً عسكريةً مهابة في الخليج والمنطقة ، يحسب لها ألف حساب، وكانت مصداقاً يُفتخر به لقوله تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ..} ( الأنفال : 60 )و لقد.
وأدخلت هذه الضربةُ الفرحة الحقيقيّة على قلب كلّ مؤمنٍ مخلص في عدائه للصهيونية ، قال تعالى: { … وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }( الروم : 4 – 5 ) .

٧/ومن هنا نشأ الآن في المحيط الإقليميّ والدوليّ نظريةُ القوّةُ القادرةُ على :
(أ) . حماية المسلمين .
(ب). تغيير موازين القوّة الردعية لصالح المسلمين .
(ج). التحاق المسلمين بالنظام الدوليّ وتفوقه الإقليميّ .
(د). الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك الذي تفرضه تلك القوّة ، ووحدة الميادين أصبح حقيقةً تتجسد في خريطة العالم السياسيّ .
(هـ ) . إنّ إيران أعطت منهجا ودرسا للمقاومة أنّ المعنى الحقيقي للمقاومة لا يعني السلاح والمال والرجال ، بل إنّ العلم هو أحد أركان المسيرة المقاومة .
٨/ أنهت تلك الضربة (عهد الضاحية) ، يوم كانت دويلة إسرائيل تدّمر الضاحية دون أنْ يكون هناك من يقف إلى جانب لبنان ، بينما اليوم المقاومة تمتدّ من اليمن إلى العراق ولبنان ، وهي قادرة على حماية المنافذ ، وإيجاد معادلات في الممرات الدولية غرب آسيا .
٩/ أثبتت الضربة أنّ دويلة اسرائيل ضعيفةٌ وعاجزةٌ ، وتمكّنتِ العمامةُ الإسلاميّة العلويّة من تعريتها ، وكشف وهنها وضعفها أمام الرأي العالميّ ، وكسر هيبة الجيش الذي لا يقهر كما روّج له الإعلام الغربي ، وفتح الطريق إلى مقولةٍ حقيقيةٍ، وهي زوال هذه الدويلة المصطنعة ، وأنّها لا تمتلك القدرات على حماية نفسها .
١/أثبتت إيران أنّ شيعة عليّ (عليه السلام ) لهم قوّتهم ووجودهم في المنطقة ، ممّا جعل الآخرين يدركون قوّة وصدق عقيدة التشيّع ، وعليهم الاعتراف بذلك ، فإنّ إيران دولةٌ تمتلكُ القوّةَ الحامية لما تؤمن به من عقيدة في أنّ فلسطين دولة مسلمة ، وأنّ الصهاينة محتلون ، وعليهم ترك البلاد والرجوع إلى أوطانهم التي نزحوا منها .
١١/إنّ شيعة العراق سوف يكونون أشدّ قوّة ، أكثر من أيّ وقت مضى ؛ لأنّ تلك الضربة أثبتت للبعثيين والأمريكان أنّ إيران لديها قدرةٌ على حماية الشيعة من أيّ انقلاب عسكريّ أو سياسيّ ، وأنّها قادرةٌ على حماية المحور المقاوم ، والسير به إلى أنْ يكون المحور المقابل إلى القطبية الأُحادية الأمريكية التي تتحكم بالنظام الدوليّ ؛ لأنّ تلك الضربة وقوّتها أنهت نظرية أنّ تلك الدويلة لا تقهر ، وتبيّن ضعفَها وعجزَها أمام المحور العلويّ ، وأنّ علياً عاد ليقتلع خيبراً ومَنْ والاها، وعلى هذا سيتمّ بناء الاستراتيجيات القادمة .
١٢/أجمعتِ التقاريرُ على أنّ دويلة إسرائيل ومنذ عام 1948 لم تتعرّض إلى اهتزاز أمنيّ أمام الرأي العامّ ، وأمام شعبها كما حصل بعد الضربة الإيرانية ، فإنّها ومن مَعَها هزموا مرّتين :
الأولى : في تحقيق الضربة العسكرية .
الثانية : في الداخل الإسرائيليّ ؛ لأنّ الشعب اليهوديّ أدركَ ضعفَ الكيان، وتفوّق القدرات الاسلامية ، سيّما أنّ الحرب الجارية هي حربٌ عقائديّةٌ ، حرب بين الإسلام كلّه ، والكفر الصهيونيّ كلّه، وهي ضربة تعيدنا إلى ضربة عليّ لعمرو بن ودّ العامريّ . سيّدنا وقائدنا – أيّها الخامنئي – لقد رفعت رؤوسنا ، وقد عادت بنا تلك الضربةُ إلى ما ورد عن النبيّ أنّه قال ثلاث مرات : « أيّكم يبرز إلى عمرو ، وأضمن له على الله الجنّة » ؟ وفي كلّ مرّة كان يقوم عليٌّ (عليه السّلام ) ، والقوم ناكسوا رؤوسهم ، – كيومنا هذا – فاستدناه رسول الله وعممه بيده ، فلّما برز قال (صلّى الله عليه وآله ) : « برز الإيمانُ كلّه إلى الشرك كلّه »، وها هو عمرو بن ودّ يعود بجمعه وتنبري أنت ابن عليّ ( عليه السلام )، لتصرعهم ، وتجلس على صدورهم ، وأنت تكبرُ اللهَ وتمجّده، وتجلس منهم مجلسا ، وقال رسول الله يومئذٍ : « لو وُزِنَ اليومَ عملُكَ بعمل جميع أمّة محمّد لرجحَ عملُكَ على عملهم ، وذاك أنه لم يبقَ بيتٌ من المشركين إلا وقد دخله ذلٌّ بقتلك إيّاه ، ولم يبقَ بيتٌ من المسلمين إلا وقد دخله عِزٌّ » ، والله يا سيّدنا لو كان رسولُ اللهِ حاضراً لما عداك بهذه الكلمات .
١٣/أثبتت تلك الضربة للمجتمع الإسلاميّ أنّ إيران هي الحامي الإسلاميّ لكلّ المسلمين ، وسوف تكون لتلك الضربة تداعياتٌ كبيرةٌ، وحساباتٌ متعددةٌ، وسوف يعيد الغربُ والعربُ وخصوصاً دويلات الخليج حساباتهم في قوّة إيران والشيعة وكلّ محور المقاومة ، وسوف يدرس الغربُ إمكانيات إيران وسلاحها وقدراتها ، وسوف تسقطُ حكوماتٌ غربيةٌ ، وحتّى حكومة نتنياهو ، فالكلّ سيتراجع ، والشيعة في صعود إنْ شاء الله تعالى .
١٤/ أدرك الشعبُ السنّي في كلّ البلدان السنية قوّة الشيعة . وتموضعهم في المعادلات الدولية والإقليمية والخليج والبحر الأحمر والمتوسّط بنحو خاصّ، وهو الجزء الحيويّ من غرب آسيا اقتصاديّاً ، فإنّ جغرافيا المقاومة اليوم أكثر وضوحاً، فهي تمتدّ بامتداد السلاح والقوّة من إيران إلى العراق ولبنان واليمن الذي تعتمد عليه التجارة العالمية بنسبة 43%.
١٥/ فشلت أمريكا وعشرة دول معها في حماية دويلة إسرائيل ، وهذا بيان لضعفِهم ، وقوّة المحور الشيعيّ ، ومن هنا يتبيّن أنّ الدول التي تربط مصيرها بأمريكا ستكون في خطرٍ ، بينما الدول التي ترتبط بإيران ستجد الأمان ؛ لأنّ إيران قادرةٌ على حمايتها ، وتأمين مصيرها وتحرير اقتصادها .
١٦/إنّ تفاعل الشعوب الاسلامية من السنّة والشيعة بات واضحاً مع النصر الذي حققته إيران في ردع الدويلة اللقيطة عن أيّ اعتداء ؛ لأنّ هذه الضربة تعتبر حماية للمنطقة ، وليس لإيران وحدها ، سيما أنّ أمريكا لا تحترم الضعيف .
١٧ /إنّ إيران مارست الذكاء ، واحترام القانون الدوليّ ، وأظهرت أنها مع القانون الدوليّ والشرعية الدولية ؛ لأنها لم تردّ الضربة إلّا بعد أنْ عجز مجلس الأمن من إدانة الكيان الصهيونيّ ، ومن هنا انطلقت الضربة الايرانية من منطلق ومنطق الشرعية الدولية .
١٨/ إنّ إيران في موقفها الذكي دبلوماسيا ثمّ قوّتها وجدّيتها في الردع أكَّدت أنّ العالم منقسمٌ بين محور الإرهاب الذي تمثّله أمريكا ، ومحور الحقّ الذي تمثّله إيران والمحور المقاوم .
١٩/إنّ الحرب القائمة بين الغرب وإيران ومعها المقاومة هي حربٌ بين الاسلام والمعتقدات الصهيونية اليهودية ، ومن هنا فإنّ الانتصار الايرانيّ هو انتصارٌ للإسلام كلّه ، ولكلّ الانسانية ، ولِغَزَةَ وأطفالها وكراماتها ونساءها وكبريائها والمدنيين .
ووفق هذا سوف تضطر دويلة إسرائيل أنْ تعالج ضعفَها الأمنيّ والاقتصاديّ، وما ينعكس على جمهورها من الخذلان ، ومراجعة حساباته ، وتهتزّ ثقتهم بحكوماتهم .

ـ 21 / 4 / 2024 م