رسالة الى ( ايليا امامي)..!
جمعة العطواني ||
الاحد 22/ 4 / 2024
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرات ما كتبته حضرتك عن فهمك من دراسة روايات المعصومين عليهم السلام، ومن مراقبتك لخطوات المرجعية العليا عن الحالة التي يجب ان يكون عليها الشيعة في زمن الغيبة، وقد اختصرت كل ما اراده ائمتنا من اتباعهم بامرين لا ثالث لهما وهما :
الاول: حسن المعاشرة والاختلاط مع بقية المسلمين، ومشاركتهم القضايا الاساسية.
الثانية: الاحتفاظ بخصوصيتهم العقائدية وتعميقها .
وقد ذكرت مثالين على الامرين الاول والثاني.
ففي المثال على الامر الاول : دعم فلسطين.
وعلى الامر الثاني ذكرت : عدم الانجرار وراء اي مشروع سياسي ( بوصفهم شيعة)، بل بوصفهم مواطنين في بلدانهم، لانك تعتقد ان الانجرار للمشروع (كطائفة) يجعلها تتصرف بحسب المبادي السياسية وليس العقائدية.
هناك مجموعة اشكالات مفاهيمية وعقائدية كثيرة ترد على( فهمك) لروايات المعصومين عليهم السلام وخطوات المرجعية الدينية.
ربما ما يسّهل الرد اوالاشكال على فهمك انك تحمل اسما مستعارا، وهذا يجلعني ارد باريحية بعيداعن حساسية التقديس اوالهياة التي انت عليها.
اولا: انك من البداية فرقت بين العقيدة السياسية والدينية، وهو خلاف مبنى اهل البيت عليهم الذين دافعوا، وحكم بعضهم بعقيدة سياسية هي عين عقيدتهم الدينية كما لا يخفى، وسيحكم امام العصر (عج) بهذه المنهجية ايضا.
ثانيا: اتصور ان فهمك لروايات اهل البيت تحمل في طياتها قصورا وتقصيرا كبيرين،
فروايات اهل البيت عليهم السلام اوسع موضوعا وحكما من ان تختصرها بامرين، فقد وضعوا لنا منهجا في كبريات المسائل واصغرها وبادق التفاصيل، لتشمل كل نواحي الحياة، فقهيا وعقائديا واجتماعيا وثقافيا واخلاقيا، فهي اكبر من تختزل بامرين كما تزعم.
ثالثا: اعتقد ان فهمك هذا يتعارض مع منهج اهل البيت عليهم السلام في التضحية بالنفس وتعريض الاهل والمال والوجود من اجل ان يقام حكم الله تعالى وفق منهجهم( الشيعي) عليهم السلام الذي يمثل ( أُس) الاسلام
كنت اتمنى ان يسع فهمك لسيرة اهل البيت كما في الروايات، لتعرف انهم عليهم السلام لم يحملوا عقيدة الاسلام من اجل الاعتقاد بها فحسب، بل حملوها لتطبيقها في المجتمع الاسلامي، انهم اراودا ان يتحول المنهج الى مشروع لبناء مجتمع واقامة دولة العدل الالهي، ولم يتصرفوا على طريقة ( الباطنية ) ويكتفوا بالاعتقاد القلبي كما يشير فهمك ذلك.
رابعا: ان عدم الانجرار وراء مشروع سياسي بوصفهم( شيعة) يتعارض تماما مع سيرة اهل البيت وعلى راسهم امير المؤمنين عليه السلام، فقد رفض القبول بقيادة الامة الا على وفق منهجه( الشيعي) عليه السلام، بوصفه امام المسلمين والشيعة على وجه الخصوص.
خامسا: لماذا نقبل بمشروع سياسي لمنهج يخالف منهج اهل البيت، وقد خالف هذا المشروع ائمتنا عليهم السلام؟.
فلم يعارض ائمتنا جميع الحكام والسلاطين لان الحكام لم يؤدوا الفرائض، بل انهم كانوا يؤدونها، لكنهم عارضوهم لانهم يسيرون على خلاف منهج الاسلام المتمثل بمنهج اهل البيت عليهم اسلام( الشيعي)، حتى في صدر الاسلام كان الخلاف على منهجية الحكم وليس على شي اخر، ففهمك يتعارض مع ذلك المنهج العلوي.
سادسا: يلزم من فهمك ان المواطنة متقدمةعلى العقيدة، بدليل انك تطالب اتباع اهل البيت ان يكونوا موطنين اسوة ببقية المواطنين في بلدانهم، وان لا يعملوا وفق عقيدتهم، وهذا نقض للغرض الذي تصدى لاجله ائمتنا، لماذا ؟.
لانه يلزم من ذلك ان نلتزم بما التزمت به العامة من الناس، بمعنى ان نقبل كمواطنين (شيعة ) بما يقبل به الاغلبية من الناس وان كان راي الاغلبية معارض لثوابت الدين .
بدليل انك ذكرت موضوع فلسطين، فان غالبية الشعوب العربية ترى ما يراه حكامها، سواء في التطبيع مع الكيان الصهيوني اوفي الوقوف على الحياد ازاء ما يحصل من جرائم ابادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، وهذا يعني بالضرورة ان يلتزم اتباع اهل البيت بما يراه الحكام والاغلبية من شعوب البلدان التي يعيشون فيها، وهو نقض للغرض من الاف الروايات التي فهمتها .
سابعا: اذا اسقطنا فهمك لروايات اهل البيت نجد فهمك هذا ( يخطئ) سيرتهم عليهم السلام، فقد تصدوا لائمة الجور وحكام الباطل بوصفهم ائمة اهل البيت( الشيعة)، وليس بوصفهم مواطنين في مجتمع غالبيته لا يؤمن بمنهجيتهم ( الشيعية)، فلم يتصرف اهل البيت كما تؤكد سيرتهم على اساس انهم (مواطنون) كما تزعم ، بل وقفوا بعنوانهم السياسي والعقائدي والمذهبي.
ثم ان فهمك هذا يتطابق مع شعار حكام بني امية وبني العباس بقولهم ان( ائمة اهل البيت شقوا وحدة المسلمين ) لماذا ؟ لانهم تصرفوا بوصفهم يحملون مشروعا سياسيا يمثل منهج اهل البيت( الشيعي)، ولم يتعاملوا بوصفهم مواطنين.
ثامنا: اما فهمك لخطوات المرجعية الدينية، فهو فهم ناقص واستقراء غير تام لماذا؟.
لان المرجعيات الدينية لم تُجمع على راي واحد حتى تصدر احكامك عليها بالمطلق .
ورغم اختلاف المذاق السياسي لهم الا انهم يجمعون على مجموعة اراء تعد ثوابت بالنسبة لارائهم الفقهية والكلامية، واضرب لك مثالا واحدا وعليه قس باقي الامور:
ان المرجع الاعلى السيد السيستاني -دام ظله – في كتابه (الفوائد الفقهية) ينص على ضرورة طاعة الولي الفقيه اذا اصدر حكما، وطاعته مفروضة حتى على سائر المراجع.
والولي الفقيه اصدر احكاما سياسية، واسس دولة ( شيعية) مستندا على شريعة رسول الله ومنهج اهل ابيت عليهم السلام، وهو يحمل مشروعا سياسيا شيعيا، يحترم خصوصيات كل المسلمين، بل كل الاديان ايضا.
اكثرمن ذلك ارجو ان تراجع بيان المرجع الاعلى السيد الخوئي( قدس) في دعمه لدولة الولي الفقيه بعد انتصارها، بوصفها مشروعا شيعيا بامتياز .
بل عليك ان تراجع فهمك في قول السيد الشهيد محمد باقر الصدر( قدس)، ولا اتصور انك تنكر مرجعيته، فهو يقول للعراقيين وغيرهم ( ذوبوا في الامام الخميني كما ذاب هو في الاسلام)، وهذا القول يتعارض مع فهمك لخطوات المرجعية الدينية كما وهو واضح.
فلو سلمنا بفهمك هذا فانه يعني بالضرورة انك (تخطئ) منهجية عدد كبير من اكابر مراجعنا، لانهم دعو شيعة مختلف الدول ان يطيعوا احكاما سياسية يصدرها مراجع خاضوا غمارالسياسة بوصفهم ( شيعة) وليس مواطنين .
واخيرا ان الدعوة الى تخلى شيعة العالم عن مشروع اهل البيت السياسي، ويعيشوا كمواطنين في بلدانهم انما هي دعوة للتخلي عن مشروع ائمتنا ومراجعنا في تثبيت منهجهم والوقوف بوجه الظلم والطغيان، خاصة اذا ما تخلى عن هذا الواجب غالبية المسملين .
بل ان دعوتك هذه هي اقرب الى منهجية بني امية (بعدم شق عصا وحدة المسملين) والتي تحكموا بسببها بمقدرات الشعوب الاسلامية وفرقوا الامة ومزقوا الدين