استراحةُ قَلَم..!
كوثر العزاوي ||
رآني مُبحِرة في أفكاري، قطعَ حَيْرتي وقرَّرَ أن يأخذني في نزهةٍ إلى غيرِ عالَم البَشَر، دَعي كِلانا يستريح، حيث العالَم الذي لايعرفُ الغِلّ ولا الخذلان، عالَمُ الورود ولغة الأرواح، إنّه تأريخ حُبّ وألفة يسبق تأريخ الحضارات العريقة، فقد أحبّ الإنسان هذه النبتة اللطيفة الرقيقة، وزرعها قبل آلاف السنين بألوانِها البديعة وعطورها الزكية، حتى دخلت عالَم الأرواح، وشغلت حيزًا لتصبحَ جزءُ منّا، بلحاظ طواعيتها ونقائها الذي ينسجم مع الفطرة الميّالة بطبعها الى مايسرّها، ويُشبِع فضولها، فقد استفاد الإنسان من الوَرد كثيرًا، فهي تملك وظائف، ولها أدوار في حياة البشر، ولعطرهِ المتنوّع مفعولًا مؤثِّرًا، فهو أفضل بكثير من تناول بعض الأدوية المهدّئة، كما أكدت الدراسات والأبحاث، إنّ رؤية الأزهار المتفتّحة تساعد الإنسان على تحمّل الألم، وأنّ للروائح العِطرية مفعولًا في تخفيف الحزن، وفي التنفيس عن حالات الغضب والإكتئاب، فضلًا عن كونها باعث على الذّكر والتفكّر، فما إن وقعت أعيننا عليها، سبَّحَنا باسم الله قائلين”سبحان الله” ما أحسنَ صُنعَك، وأجمل خلْقك وأبهاه! وماأزكى رِيحُهُ وشذاه! إنها الآية بروعة خِلْقتها، والدليل على جمال خالقها “وكل جماله جميل” يتجلّى في أروقة الطبيعة بين الخضرة والجبال، وتألَفَهُ الأرض والأمطار، وتُهدهِدَهُ نسائمَ الليل والنهار، أشكال وألوان تسرّ الناظرين بسِحرها الأخّاذ هو عالَم آسِرٌ في غاية الجمال، فهي هبة وأجمل هدية حبّ نابضة يقدّمها الإنسان تعبيرًا عن التقدير والإمتنان، خَلَقها الباري إحساسًا بالدِّعة والسِلوان، ولها من المزايا والخصوصية دون غيرها من المخلوقات، مساحاتها واسعة متاحة للجميع، كما لو كانت كائنًا حيًا معطاءً يشاركنا أفراحنا وأحزاننا ومناسباتنا، فهي تشغل حيّزًا مهمًّا في حياتنا، مخوّلة أينما تحلّ بين مقتنياتنا، حتى في مخادِعنا، تملك قدرة حيويّة متميزة في عملية الجذب والكسب وتهدِئة الخواطر وترياق النفوس، ولو تأملنا دورها الواقعيّ، لوَجدناها مَعْلَمًا أنيقًا، ومُعلِّمًا شفيقًا، وخِلًّا رفيقًا، عامِلًا مؤثرًا في عملية إصلاح ذات البين وَلمِّ الشمل، وإعادة البسمة الى ثغرِ الحزين، فوَردة حمراء واحدة كفيلة بعودة روحٍ لروحٍ أخرى فرّقَ الشيطان بينهما في لحظة غضب أو سوء فهم، وباقةٌ منها ملوّنة تُدخل السرور على عليلِ أرهقَهَ الرقاد، فتطيب نفسه بعبَقِ شذاها! ومثلُ ذلك تُحمَل الورود بالأحضان بكل عناية وهيبة إكليلًا ملوّنًا يوضع على قبر شهيد أو عزيز، تعبيرًا عن الحب والوفاء والتأييد!! وكلّ هذا الفيض والثراء غير المُكلِف، ونحن لا نشعر بأهميتهِ، ومثله كثير من عجائب عالَم الوجود، ومافيه من محطات انتعاش وانشراح، وذلك لاعتيادنا علی كثرة مشاهدتها، أو لعدم مبالاتنا لتأمّل حقائق الجمال، ترانا نمرُّ عليها غير آبهين بسِحرها، حتى أَضحت عادة ألِفْناها، ونمط حجاب يغطّي ذلك الرونق والجمال، ولو استطاع أيّ منّا رفع ذلك الحجاب عن ذهنهِ المُثخَن، لرأی العجائب الباهرات من حوله! فأيّ ملاكٍ من بديع الخلقِ أنتِ يادوحة الأزهار والورود، وأنّى لمهاراتكِ التي تعدّدت كمًّا ونوعًا! وأيّة لغة تجيدين لتنجحي في ردّ غيظِ بني البشر، وجَمْعِ ماتنافرَ منهم!، وأيّة قدرة تملكين لتمنحينا الرغبة في نسيان أذى غليظي الطباع وقُساة القلوب!! وكأنكِ بلسانِ السِّحر تقولين: رغم غِلظتكَ يابن آدم لابدّ يومًا أن تلين، فلِلّهِ في خَلْقهِ شؤون، و {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} الرحمن-٢٩-
١٤-شوال-١٤٤٥هجري
٢٣-نيسان-٢٠٢٤م