الثلاثاء - 10 ديسمبر 2024
منذ 8 أشهر
الثلاثاء - 10 ديسمبر 2024

👤 عبد الملك سام – اليمن ||

 

كنت جالسا مع أحد اقربائي، تكلمنا قليلا ثم أنشغل كل منا بهاتفه كعادة معظم اليمنيين هذه الأيام، ومر الوقت ولم نشعر إلا عندما علا صوت أذان صلاة المغرب. عندها تذكرت أن هناك من يجلس معي! أما هو فقد ظل ساكنا بلا حراك كأنه أفعى الجابون تنتظر فريسة سيئة الحظ لتنقض عليها.. سألته عما يفعله طوال هذه الفترة، فأجاب أنه يضيع وقته بلعبة “بوبجي”!!

الغريب أنه قال “اضيع وقتي” وكأن العبارة عادية جدا، بينما شعرت أنا بأنها كلمة رقيعة لا تخلو من السفه، ونحن هنا لا نتكلم عن صراع الأجيال العريق وإلا ما كنت لأجرؤ أن أنشغل بهاتفي وأنا جالس في حضرة شخص كبير، بل نتكلم عن شخصان يعيشان في زمن واحد! وبينما أنا خلال هذا الوقت قرأت ما يقارب ثمانين صفحة من كتاب مخزن في هاتفي، فقريبي كان لا يزال يقاتل أشخاصا وهميين في هاتفه، ولو كان ما يفعله على أرض الواقع لكان خلال هذا الوقت أستطاع أن يحرر أربعة أحياء كاملة في قطاع غزة!

أنا بالطبع لم أعلق أو أدخل معه في جدل عن عبثية تزجية الوقت بهذه الطريقة؛ ذلك أني خضت نقاشات سابقة ولم نخرج فيها بنتيجة. ولكن الحقيقة التي وصلت إليها من هذه المواقف والنقاشات هي أننا بتنا تافهين في نظرتنا للأمور كما أراد لنا أعدائنا بالضبط؛ فالسؤال الذي دائما ما كان الآخرون يواجهون به لومي لهم هو: كم كسبت من المال نظير قرأتك للكتب؟! وهو سؤال “مفحم” من وجهة نظرهم، وأنا عندما أسكت بعد سؤال كهذا فلأني أعجز عن إيصال الفكرة لرأس لا يستوعب أهمية الوقت أصلا، فالأمر يشبه أن تعطي علاجا لأحد المرضى فيرفض أن يتناوله، فأي فائدة مرجوة من علاج يوضع في الرف ولا يستخدم؟!

الحقيقة أن هذا الأمر يقودنا لموضوع آخر بالغ الأهمية، ويتعلق بالأمة برمتها! أمتنا في الترتيب الحضاري تقع في أسفل هذا الترتيب، والسبب أننا لا نعلم أطفالنا وشبابنا أهمية الوقت رغم أننا نتبجح دوما بأننا نعرف يقينا أن العمر من أهم الأشياء التي سيسألنا الله عنها يوم القيامة فيما قضيناه! أما عن فائدة القراءة فحدث ولا حرج، ويكفي أن نعرف أننا أقل الأمم قراءة حتى نعرف سبب ما نحن فيه من تراجع، ومن المواقف التي تدعو للضحك والبكاء معا هو أنه عندما أقيم معرض بأحد العواصم العربية، اتضح بعد أنقضاء مدة المعرض أن محل العصائر والوجبات الملحق بالمعرض قد جنى أضعاف ما جناه أفضل دار نشر مشارك بالمعرض!

(هم) يقرأون ليتعلموا، ويقرأون ليفهموا، ويقرأون ليتسلوا، ثم ينتجوا بعد ذلك. بينما نحن نقرأ فقط لنحصل على الشهادة، وبعدها نحرق كل ما قرأناه وكأننا نجازي الكتب التي أضطررنا لقرأتها! لتقريب الفكرة أكثر دعونا نتكلم بشيء من الواقعية، فهناك فارق كبير بين من ينتج اللعبة، وبين أن يلعب بها! عملية الإنتاج تحتاج أن تقرأ وتعمل وتدرس إحصائيات وبيانات وتطبق وتعدل …..الخ، وكلها مراحل تعتمد في أساسها على القراءة بشكل كبير، بينما عملية اللعب لا تحتاج سوى إلى أن تدفع لمن أنتج، فتدفع مالك ووقتك، وأخيرا تدفع من رصيدك الحضاري لقبولك البقاء كشخص مستهلك جاهل ضائع!

أعداء القراءة ليسو فقط الكسالى، بل أننا بلينا أيضا بأعداء كثر من الداخل، ومن ضمن هؤلاء المتعصبين والجهلة وضيقي الأفق والعملاء واللصوص، وكل فئة من هؤلاء يستفيدون من بقاء مجتمعاتنا جاهلة بشكل أو بأخر؛ فالمتعصب لا يريدك أن تطلع على رؤى الآخرين، والجاهل يقدس الجهل حتى لا يضطر للتحرك بما عرف، وضيق الأفق لا يرى سوى ما يراه هو صحيحا، والعميل يدفعون له من الخارج كي يدمر التعليم والبحث العلمي في بلده، واللص يخاف أن تتعلم فتبور تجارته التي يستوردها، وهكذا نرى لكل دوافعه التي ترى في المعرفة ضرر على مصالحها.

فمتى ندرك أن العلم نور، وأن الوقت ثمين؟ متى نفهم أن ديننا حث على التعلم لما له من أثر بالغ على حياتنا ومستقبلنا ودورنا بين الأمم؟ حكومتنا ووزارة التعليم والشباب وغيرها معنية بهذا الأمر، معنية بأن تغير نظرة الشباب والنشئ نحو أهمية القراءة والوقت، وأن ندرك كلنا بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم من قيم ومفاهيم ومعارف، وهذا كفيل بأن يقضي على الجهل والمرض والأختلاف والأزمات، بل كفيل بالقضاء على جميع المشاكل والسلبيات التي نعاني منها، وهي الأساس أيضا لتطبيق أي رؤية نسعى لتحقيقها مستقبلا متى ما فهم الناس وعرفوا، حتى يفهموا لماذا وكيف يطبقوا هذه الرؤى والمشاريع.. أليس كذلك؟!

📚 سؤال: هل تفضل أن تسجل أبنك في الدورات الصيفية التي تقام حاليا؟ أم أن يضيع وقته وعمره على ألعاب الفيديو؟
نصيحة: إقرأ مناهج الدورات الصيفية، وشاهد ماذا يتعلم أبنك من ألعاب الفيديو لتعرف الفرق وماذا سيكون عليه أبنك مستقبلا؟!