الحريديم ..صراع إسرائيلي من نوع آخر..!
رسول حسين ||
الحريديم هي طائفة يهودية متطرفة، أو نقول المتشددون اليهود أن صحت التسمية، وهم تيار ديني راديكالي ينموا ويكبر داخل هذا البلد له وجهات نظر دينية معينة و مفاهيم وعادات خاصة مختلفة عن العادات الحديثة بل يرفض الحداثة، تطبق الحريديم الطقوس الدينية وتعيش حياتها اليومية وفق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية وهي وفق هذا المعنى طائفة يهودية أصولية، وكلمة “حريديم” هي جمع لكلمة “حريدي” وتعني “التقي” وربما يكون الاسم مشتق من الفعل “حرد” الموجود في اللغة العربية بمعنى اعتزل أو اعتكف. والحريديم يرتدون عادة أزياء يهود شرق أوروبا وهي معطف أسود طويل وقبعة أسودان وبالإضافة إلى “الطاليت” وهو شال خاص بصلاة اليهود غالبا ما يكون أبيض اللون في زواياه الأربع “التزيتزيت” وهي مجموعة خيوط طويلة من الصوف مجدولة ومعقودة بطريقة خاصة.. ويرسل رجال الحيرديم ذقونهم حتى تصل إلى صدورهم، وكذلك يرسلون شعورهم وتتدلى من خلف آذانهم خصلات شعر مجدولة. تتشابه نساء الحيريديم في ملابسهن إلى حد كبير جدا مع النساء المسلمات الأصوليات المتطرفات، إذ ترتدي الكثير من نساء الحيرديم لباسا يكاد يطابق البرقع الذي ترتديه النساء المسلمات المتشددات.
رغم معارضتهم للحركة الصهيونية منذ القدم فإن بعضهم وافق على الهجرة والعيش في إسرائيل، التي هي من صنائع هذه الحركة، وحدث ذلك بعد تلقيهم حزمة إغراءات ووعود من المسؤولين الإسرائيليين، فجّرت فصول قصتهم مع إسرائيل على النحو التالي
* في عام 1948، وعند إعلان تأسيس دولة إسرائيل، رفض الحريديم الاعتراف بالصهيونية وعارض كثير منهم إقامة دولة إسرائيل. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، ديفيد بن غوريون، قدّم لهم معاملة خاصة، بأن يُسمح لهم بالاستمرار في تعليم اليهودية التقليدية حين يأتوا لإسرائيل.و اشترط الحريديم بالمقابل عدم إجبارهم على التجنيد، وأن يعيشوا متفرغين لتعلّم وتعليم التوراة، وتأسيس مدارس لهم. فوافق حينها بن غوريون على ذلك، ووفد من أوروبا والولايات المتحدة أعداد من الحريديم، فقد كان ما يهمه جمع أكبر عدد من اليهود في إسرائيل الناشئة. منذ ذلك الحين لم يلتحق الحريديم بالجيش الإسرائيلي، وكوّنوا مجتمعا مغلقا لهم.
ويعود سبب هذه الطلبات لان الحريديم يرى أن أي أعمال دنيوية تُلهيهم عن دراسة الشريعة اليهودية، أمر غير مقبول. وأن الأمر ليست له علاقة بالجيش فقط بل كل المؤسسات غير الدينية، فلا يلتحقون بوظائف بها، ويعتمدون على دعم الحكومة.و بقاء ذكورهم حتى سن الأربعين في المدارس الدينية يعني فكاكهم من التجنيد الذي يكون في سن أصغر من ذلك بكثير.
في خطوة جديدة نقضت كل الاتفاقيات السابقة حيث أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية، أمراً بتجميد أموال المدارس الدينية اليهودية والذي اعتبر “إطاراً قانونياً” لوقف إعفاء طلبتها من الانضمام للخدمة العسكرية. ورغم المعارضة الكبيرة التي تشنّها الأحزاب الحريدية ضد “وقف الإعفاء”، تقول تايمز أوف إسرائيل إنَّ النائب العام أخبر المحكمة أن الجيش سيكون مُلزَماً بالبدء في تجنيد الرجال الحريديم . أن هكذا قرار – إن مضى في سبيل التنفيذ – سيكون له عواقب على تماسك الحكومة الائتلافية التي يرأسها بنيامين نتنياهو، خاصة عقب أحداث السابع من أكتوبر الماضي.
حيث إنَّ الحكومة وجدت نفسها، اليوم، في مواجهة تحديات الانقسام والتفكّك، بعد تهديد أعضاء فيها بالانسحاب في حال لم يتم تجنيد طلبة الحريديم، وفي الجهة المقابلة يواجه نتنياهو ضغطاً من الأحزاب الدينية – ائتلافه – والتي تُصرُّ على أن تبقى “المدارس الدينية” متفرغة لتعلّم التوراة.
ما بين هذا وذاك نشهد اليوم وجود صراع إسرائيلي إسرائيلي واضح
يمكن وصفه بصراع المتشددين مع العلمانيين. بدأ هذا الصراع عند محاولة اليهود بناء دولة لهم على أرض فلسطين، لأنه يوجد الكثير من الشعائر اليهودية المختلفة والتي كان يجب الأتفاق على طريقة واحدة ليعشيوا بها في بلدهم المزعوم بها. فاتفقوا على أن قوانين الزواج والطلاق تخضع للقانون الديني للطائفة ولا يوجد ما يسمى بزواج مدني أو زيجات مختلطة. وأنهم يمكنهم إرسال أبنائهم إلى مدارس عامة أو مدارس دينية، وطلاب المدارس الدينية لا يتم تجنيدهم. وجعل هذا الصراع الطويل الأمد محاولة كل طرف منهم إلى العيش بالطريقة التي تناسبه بدون سيطرة الطرف الآخر عليه.
وأدى هذا في أواخر التسعينات إلى فصل إسرائيل بين المجتمعين وهما المجتمع الحريدي والمجتمع العلماني لمنع حدوث خلافات بينهم.إسرائيل كيان علماني تحاول طائفة الحريديم السيطرة عليه وجعل إسرائيل كيان تتم إدارته وفق المفهوم اليهودي الديني. وتستمر المناوشات العسكرية بينهم وتصل إلى استخدام السلاح احياناً. وفي ظل الطوفان الفلسطيني والتحرك إلاسرائيلي للسيطرة على هذا الطوفان. نشهد اليوم انفتاح جبهة جديدة مع انصار حزب الله على الجانب اللبناني. وهذا ما دعى إلى تجنيد المزيد من العنصار للجيش الإسرائيلي. وعندة التوجه للحريديم اشتعل الصراع مرة اخرى وبصورة اكبر من سابقتها. حتى وصل إلى الاشتباك والقتل بين الطرفين. فهل نشهد صدام حاد بين الإسرائيليين في الايام القادمة ونكون الشاهد على زوال هذه الدولة داخليا إم تعود المياه إلى مجاريها.