سنسمه علی الخرطوم..!
د. أمل الأسدي ||
في طفولتنا نشأ لدينا تصور حول الشخصية الشريرة، ففي أفلام الكرتون شخصية الشرير واضحة، ملامح وجهه، أنفه الدقيق الطويل، شكل الوجه مثلث غالبا، صوت الشخصية يدل علی الشر أيضا!!
وحين كبرنا تغيرت الأمور، فالشرير اليوم يستتر خلف وجهٍ حسن، ولسان حسنٍ متملق، يُظهر المحبة ويكن العداوة، يدعو لك في وجهك ويحسدك علی كل شيء خلفك،وينتظر اللحظة المناسبة للنيل منك، يضحك في وجهك ويمدحك بينما يحاول أن يشوه صورتك بكل وسيلة أمام الناس!!
إن هولاء المنافقين توعدهم الله تعالی، وجعل جزاءهم نار جهنم وأي نار؟! إذ قال تعالی:((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ))(١)
وقد توعدهم الله تعالی بعقوبة أخری، وهي الفضيحة بين الخلق، جزاءً لنفاقهم وتحريضهم وحسدهم وبثهم الكراهية، فقال تعالی: ((وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ ۞هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيم ۞ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ۞ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ ۞ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ ۞ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ۞ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُوم))(٢)
فلاحظ كيف صوّر النص المنافق متهكما بأن له”خرطوم” كالفيل والخنزير!
ثم قال” سنسمه” أي سنضربه ـ قريبا ـ علی أنفه وسنكويه عليه، وسنجعل له علامةً خاصة به، بتعبيرنا اليوم: ماركة مسجلة في النفاق!!
فالوسم في الوجه إهانة وإذلال، والوسم علی الأنف زيادة في الإذلال!
ثم لاحظ؛ الفاعل المستتر “نحن” إذ جاء تعبيرا عن عظمة الجهة المحاسِبة، ثم انتبه للـ(هاء)الضمير المتصل في محل نصب مفول به، وهذا الاتصال بين الفعل والفاعل والمفعول به، مع الاقتران بالسين، يدل علی سرعة إنزال العقوبة ومباشرتها!! وذلك لفداحة ما اقترفه المنافق! ولحجم الأذی الكبير الذي سببه للشخص المستهدَف وللمجتمع، ومع أن النص يخص” الوليد بن المغيرة”(٣)ولكنه أصبح قانونا يشمل كل منافق حاقد حاسد، نمام، يمشي وينقل أحاديث الناس ويحرضهم علی بعض!!
وغير ذلك فالنص يقدم لنا معادلة النصرة، معادلة التمكين والعجز، فإذا كان المظلوم الواقع تحت أذی المنافق عاجزا عن الرد في لحظة زمنية محددة، فإن الله تعالی سيضربة ضربة المتمكن القادر، المشرف من الأعلی المطلع علی الحقائق!
وفي استعمال حرف السين في “سنسمه” مع دلالة الفعل المضارع؛ تسلية للشخص المظلوم بأن الرد سيكون قريبا، ويكون متفردا، يتناسب مع عمل المنافق!
إذن؛ أنتم أيها المنافقون ينتظركم يوم تسود فيه وجوهكم وتُفتضَح فيه أفعالكم، وحينها لن يسعفكم اللسان المعسول أو القسم المتكرر أو الطعن والغدر!
وما أصدق قوله تعالی:((وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ))!(٤) وما أجمل أن تجفف أوراقك، وترفع قضيتك إلی الخالق المطلع العليم فتكون من الذين قالوا:((…حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ))!!(٥).
ـــــــــــــــــــــــ
١- سورة النساء، الآية:١٤٥
٢- سورة القلم الآيات:١٠- ١٦
٣- ينظر: تفسير التحرير والتنوير:٢٩/ ٧٥- ٧٨
٤- سورة البقرة، الآية: ٢٠٤
٥- سورة آل عمران، الآية: ١٧٣