العصائب وحزب الله..توأم المقاومة الإسلامية..!
العصائب وحزب الله ..توأم المقاومة الإسلامية..! ||
منذ البدايات الأولى لتأسيس حركة عصائب أهل الحق في فترة مُقاومة الإحتلال الأمريكي وهي تشهد تطوراً على جميع الأصعدة والمجالات العسكرية والأمنية والثقافية والعلاقات وغيرها ، وفيما يَخُص العلاقات فإن الحركة حَرَصَت على نوعين من العلاقات كما يتضح من جميع مواقفها ونشاطاتهما على مُستوى العلاقات العادية والإستثنائية .
ومن هذه العلاقات التي يُمكننا تصنيفها بوضوح على أنها علاقات إستثنائية هي العلاقة مع حزب الله اللبناني وأمينه العام السيد حسن نصر الله وجميع قياداتهم بشكل أثار إهتمام الباحثين أكثر من أي علاقة أخرى خصوصاً بعد مواقف الحكومة اللبنانية ضد الشيخ الخزعلي بسبب زيارته للحدود مع العدو الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية .
البدايات .
كانت إشارة واضحة للمراقبين خلال أحداث إنتفاضة النجف الأشرف ضد الإحتلال الأمريكي والتي قادها أتباع ومُقلدي المرجع الشهيد السيد مُحمد الصدر “رض” أن أحد أبرز قادتها آنذاك ومدير مكتب السيد الشهيد الصدر “رض” الشيخ قيس الخزعلي هو من حُلفاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عندما ظهر في تصريح إعلامي من بغداد خلال الإنتفاضة وخلفه صورة للسيد حسن نصر الله في إشارة ورسالة واضحة للإحتلال الأمريكي بأن لنا أصدقاء وأخوة وحُلفاء ولسنا وحدنا وذلك في فترة كان فيها الشيخ الخزعلي يتزعم سراً (المجاميع الخاصة) التي تبدل إسمها لاحقاً إلى (المقاومة الإسلامية عصائب أهل الحق) .
بعد ذلك بدأت تتضح معالم هذه العلاقة على مُستوى طبيعة العمليات المنفذة ضد الإحتلال من خلال تغيير إسلوب المواجهات المباشرة إلى إسلوب حرب العصابات غير المباشرة التي يندر حصول الخسائر في صفوف المقاومين . وإنكشف لاحقاً حجم العلاقة القوية والعميقة بين (أخوان المقاومة) عندما قام الإحتلال الأمريكي بالهجوم على إجتماع سري في البصرة بـتأريخ 20/آذار/ 2007م تم خلاله إعتقال وأسر الأمين العام للعصائب وشقيقه وآخرون كان ضمنهم القيادي في حزب الله (علي موسى دقدوق) والذي كان يُقدم خدمات إستشارية وخبرات تدريبية هامة ولم يُفرج عنه إلا بعد أن أرغم الإحتلال الأمريكي على الإفراج عنه بعد أن قامت عصائب أهل الحق بأسر مجموعة من ضباط وجنود الإحتلال ومنهُم الجاسوس البريطاني “بيتر مور” الذي كان يعمل بصفة مُستشار أو خبير برمجيات لدى قوات الإحتلال في وزارة المالية العراقية وبوساطة من الحكومة العراقية آنذاك .
وخلال عدوان تموز 2006 على لبنان من العدو الإسرائيلي كان لعصائب أهل الحق صولات وجولات في زلزلة الأرض من تحت أقدام الإحتلال الأمريكي وقواعدهم في العراق عبر قصف وضربات صاروخية مُكثفة قامت بها نُصرة للمقاومين في لبنان وتخفيفاً للضغط العسكري .
الشهيد عماد مُغنية والعراقيين
كان الشهيد الحاج عماد مُغنية يُشرف بنفسه على برامج تدريب المقاومة الإسلامية في العراق ويُتابعهم ويهتم بتنمية قدراتهم التي أعجبته وَزَرَعَت في نفسه الأمل في قدرتها وكفاءتها وشجاعتها على إيذاء المحتلين وطردهم .
إذ كان المقاومون الأوائل في الحركة أيام الإحتلال الأمريكي يتلقون تدريبات خاصة ومُهمة بإشراف على يد القائد الكبير الحاج عماد مغنية والذي كان يتولى حينها مسؤولية الملف العراقي وبالأخص الجانب المقاوم العسكري والأمني منه ، ولم يُخفي الشهيد عماد مُغنية إعجابه الكبير بالعراقيين وذكاءهم عندما قال للشيخ قيس الخزعلي في أحد لقاءاته معه بعد الإفراج عنه : (أنتم العراقيون تتطورون في أشهر ما نتطوره نحن اللبنانيون في سنوات) .
لقاء الجبلين ..
كان اللقاء الأول بين السيد حسن نصر الله والشيخ قيس الخزعلي أواخر عام 2004م أيام الإحتلال الأمريكي وتكررت بعدها اللقاءات بينهما وتعمقت بسبب الإنسجام الفكري والرؤى الإستتراتيجية الموحدة بينهما حتى أن السيد نصر الله أسرّ للشيخ الخزعلي في أحد لقاءاته به بمعلومة مثيرة عندما قال له : (أنا من أصل عراقي من محافظة بابل ..) يُشير بذلك إلى سلسلة نسبه العلوي من إحدى سلالات السادة الزيدية أي الذين يرجعون في نسبهم إلى زيد بن علي بن الحسين “ع” المتواجدين في ناحية القاسم “ع” في محافظة بابل .
السيد حسن نصر الله كان ولا زال يعرف أهمية العراق ورمزيته في كل شؤون المنطقة والعالم ولم يخفي السيد نصر الله عن الشيخ الخزعلي سعادته الكبيرة بوجود مُقاومة إسلامية شجاعة أذلّت المحتل الأمريكي لتبعد بذلك تهمة تأريخية قذرة حاول الإستكبار العالمي إلصاقها بالعراقيين عموماً والشيعة منهُم خصوصاً بالإدعاء بأنهم أصدقاء للإحتلال وأنهم مرحبون بوجوده .
العراق ولبنان .. أشقاء في محور المقاومة ..
العراق كان ولا زال يُمثل أهمية إستتراتيجية لدى حزب الله ليس على المُستوى العسكري والأمني فحسب بل على المُستوى العقائدي أيضاً لأن العراق بحسب عقائد المسلمين الشيعة هو عاصمة الإمام المهدي “عج” بعد ظهوره المقدس . فترى علاقات الحزب بالعراقيين متينة وعميقة جداً أساسها العقيدة قبل أي شيء آخر فلا عجب أن تشاهد كوادر حركة عصائب أهل الحق وهي مُستنفرة في كل عام بمناسبة أربعينية الإمام الحسين “ع” لأجل إستضافة وإكرام مُحبي أهل البيت “ع” وخصوصاً عوائل حزب الله القادمين للزيارة سيما عوائل الشهداء منهم .
والعراق يُمثل عُمقاً تأريخياً مُهماً في ذاكرة اللبنانيين عموماً وحزب الله خصوصاً ، فالخط الأول من قيادات حزب الله جميعهم كانوا من طلبة حوزة النجف الأشرف وأكثرهم درس وتربى على يد شهيد العراق آية الله العظمى السيد مُحمّد باقر الصدر “رض” ومنهُم الشهيد السيد عباس الموسوي والسيد حسن نصر الله الذي عمّمهُ الشهيد الصدر بنفسه وتأمل فيه مواصفات القيادة مُنذ ذلك الحين وشخصيات أخرى قيادية في الحزب مثل الشيح مُحمد حسن يزبك والشيخ عفيف النابلسي والشيخ محمد الكوثراني وآخرون ..
وعندما قامت الضجة الإعلامية والجيوش الإلكترونية التابعة للسفارة الأمريكية ببغداد ضد حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله حول صفقة تبادل الأسرى مع “داعش” والإتفاق على نقل أسراهم إلى منطقة ألبو كمال السورية على الحدود مع العراق إنساقت الكثير من الأطراف والجهات مع هذه الحملة المدروسة ضد حزب الله وإنسجم بعضهم مع حملات التسقيط والإتهام ضد حزب الله بأنهُ مُتآمر على العراق والعراقيين لأنهُ جاء بـ(300) داعشي إلى الحدود مع العراق وكأن هؤلاء الـ(300) سيحتلون العراق بأكمله مُتناسين أن هؤلاء منتهو الصلاحية القتالية وحصل لهُم إنكسار لا يعوض فضلاً عن عددهم غير المؤثر . ورغم ضخامة الحملة المفتعلة إلا أن الشيخ قيس الخزعلي وقف شامخاً ليصدح بموقف الحق جهاراً نهاراً في خطبة عيد الأضحى حينها ليؤكد موقف العصائب الواعي والمبدئي من القضية ويُعرّي المواقف والتصريحات الإعلامية والسياسية المنافقة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها حول هذا الموضوع لغايات معروفة مُستخدمين سياسات التضليل والكذب والنفاق والأحقاد الطائفية . فوضع الشيخ الخزعلي النقاط على الحروف وأكد أن العراقيين يعرفون السيد حسن نصر الله وحزب الله منذ زمن طويل ويعرفون صدقه وسلامة نواياه وسياساته الحكيمة . وزاد من أهمية هذا الموقف للشيخ الخزعلي أنه أعلن عنه في وقت سكتت فيه مُعظم القيادات العراقية (الشيعية) عن تسجيل أي موقف يكشف نفاق الآخرين بل أن بعض الأسماء إنزلق وإنجرف مع الجيوش الإلكترونية التي أصبح شغلها الشاغل ولأكثر من أسبوع هو تسقيط حزب الله والطعن بأمينه العام !
أزمة الحريري وإكذوبة “النأي بالنفس” ..
كان ظهور الشيخ قيس الخزعلي ونائبه السيد مُحمّد الطباطبائي بالزي العسكري أمام (بوابة فاطمة) الحدودية بمدينة “كفركلا” مع فلسطين المحتلة من جهة الجنوب اللبناني خلال تسجيل مُصور يتحدث فيه الشيخ الخزعلي قائلاً : (نُعلن جهوزيتنا الكاملة في الوقوف صفاً واحداً مع الشعب اللبناني ، مع القضية الفلسطينية أمام الإحتلال الإسرائيلي) وذلك بعد يومين فقط من قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في 6/كانون الأول/2017 بإعتبار القدس الشريف عاصمة للكيان الإسرائيلي ونقل سفارة بلاده إليها . وهو ما شكّل صدمة سياسية غير متوقعة على صعيد دول الإستكبار العالمية التي تجهز بحسب مُعطيات ومعلومات إلى حرب إقليمية كبيرة الهدف منها ضرب حزب الله اللبناني والقضاء عليه خلال عملية عسكرية يجري الإعداد لها منذ سنوات فإذا بهم يُشاهدون حليفاً أساسياً لحزب الله والرقم الأصعب والأهم في قيادة الحرب على “داعش” ومن وراءهم الشيخ قيس الخزعلي وهو يقف بلحمه ودمه على حدود كيانهم ليُعلن عن جهوزيته وكل من يلتزم بمنهجه للقتال “صفاً واحداً” مع حزب الله أمام أي إعتداء إسرائيلي قادم ، وطبعاً فإن إسرائيل وأمريكا ودول الإستكبار تعرف جيداً من هو قيس الخزعلي ليس من أيام الدفاع عن المقدسات في سوريا بل من أيام الإحتلال الأمريكي للعراق عندما سبّب لهُم عُقدة نفسية حرمتهم من نشوة الحديث عن إستمرار وبقاء قوات الإحتلال في العراق بعدما ذاقوه على يد رجال العصائب بقيادة الخزعلي من عمليات نوعية صُنفت بأنها الأعقد على مُستوى الشرق الأوسط مثل عملية إقتحام مقر عمليات للإحتلال الأمريكي في كربلاء المقدسة وأسر من كان فيه من جنود الإحتلال وعملية إقتحام مكتب الجاسوس البريطاني “بيتر مور” داخل بناية تابعة لوزارة المالية ببغداد وأسره مع أربعة من مرافقيه من جنود الإحتلال وعملية إسقاط المروحية لقادة من سلاح الجو البريطانيين وغيرها العشرات من العمليات التي خلقت الكوابيس في ذاكرة الإحتلال الأمريكي وحلفاءه . وهذا التصريح للشيخ الخزعلي ورغم أنه تحدث بصفته الشخصية وليس بإسم العصائب وهو أمر له أبعاد سياسية وتنظيمية مُهمة .
في تلك اللحظات الحساسة من تأريخ الصراع والتحدي مع الكيان الإسرائيلي بَرَزَ تصرف “رخيص” لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الذي حاول إلتقاط خيوط القضية وتحريكها بما يصب في صالح ترميم موقفه الكارثي بعد إحتجازه لأيام من قبل النظام السعودي وكأنه عبد من عبيدهم مُجبرين إياه على الإستقالة من رئاسة الوزراء ، وبذلك أراد التقرب من آل سعود وإثبات بقاءه على ولاءه لهُم من خلال ضجة إفتعلها عندما صرح بمُطالبة القضاء اللبناني بمنع الشيخ قيس الخزعلي من دخول لبنان لأن ذلك برأيه مُخالف لسياسة (النأي بالنفس) رغم أن الخزعلي دخل إلى لبنان بصورة قانونية نظامية وطبيعية وهو ما يؤكده جواز سفره الدبلوماسي فهو معروف عنه إحترامه للشعوب عموماً وشعوب المقاومة خصوصاً ومنها الشعب اللبناني .
لكن وكما قيل قديماً فإنه (إذا عُرف السبب بطَل العجب) فما عرفناه عن سبب تصرف الحريري وإصراره على هذا الموقف هو تغريدة نشرها الشيخ الخزعلي على حسابه في تويتر وصف فيها إستقالة الحريري من رئاسة الوزراء بأنه تصرف جبان بعيد عن الشعور بالمسؤولية وهو ما دفع الحريري إلى التصرف بإسلوب ثأري لا علاقة له بالقانون أو أي إدعاء آخر .
ومما يتضح من جميع ما سَبَق أن طبيعة العلاقة بين حزب الله اللبناني وحركة عصائب أهل الحق هي أكبر وأكثر وأعمق وأقوى من كونها علاقة بين حزبين إسلاميين مُقاومين خصوصاً بعد أن إمتزجت دماءهما على أرض العراق وسوريا ، وأنهما بحق شقيقين توأمين يصب نهرهما في بحر الولاية والمقاومة والعروبة والإسلام فلذا لا نستبعد أبداً أن يُقاتلا سوياً مرة أخرى ولكن هذه المرة ضد الكيان الإسرائيلي خصوصاً مع تعطشهم لأي دور يُساعد على التمهيد العملي لظهور صاحب العصر والزمان “ع” الذي يؤمنان كلاهُما بإمامته وقيادته للعالم ويتافسان لأجل القتال والشهادة بين يديه الكريمتين .