عراقُ الاحتمالاتِ القاسيةِ واللحظةِ الراهنةِ..!
احمد جليل العتابي ||
ليسَ من الصعوبةِ فهمُ التشاؤمَ حولَ مستقبلِ العراقِ سواءاً على مستوى الشارعِ او النخبِ .
ثمةَ أحساسٌ بأن البلدَ يدورُ في حلقةٍ مفرغةٍ بسببِ صراعِ القوى السياسيةِ المختلفةِ والمتضاربةِ في اجنداتِها ومشاريعِها .
والواقعُ يشيرُ الى ان العراقَ يمرُ بحالةٍ استثنائيةٍ من تاريخِهِ وهذا يتطلبُ بلا جدالٍ حلولاً استثنائيةً ما تزالُ بعيدةٌ حتى اللحظةِ كي ينهضَ من جديدٍ ويمارسَ دورَهُ الطبيعي .
وبعيداً عن الاستبياناتِ التي أجريتْ في اوقاتٍ سابقةٍ خلالَ الاعوامِ الماضيةِ حيثُ ترتبطُ فيها النتائجَ ارتباطاً وثيقاً بمدى تحسنِ او تدهورِ الوضعِ الامني وهو الهاجسُ العراقيُ الاول .
فان الشئَ الثابتَ ان الاغلبيةَ لا تكادُ ترى ما يدعوها الى التفاؤلِ بالمستقبلِ وسطَ المأزقِ الذي وضعَ العراقيونَ أنفسَهُم فيهِ ، لا سيما نخبَهم السياسيةَ التي للأسفِ خيبتْ الكثيرَ من الظنونِ وأطاحتْ بتعويلِ الناخبينَ على قدرتِها في صناعةِ مخرجٍ ينتشلُ البلادَ من واقعِها المتردي .
انهُ واقعٌ يطرحُ سؤالاً يستفزُ بحدٍ ما في خيالِنا : هل من نهايةٍ لهذهِ الدورةِ الفلكيةِ من الخرابِ ؟
خصوصاً وان السنواتِ السابقةَ مرتْ ومررْنا معها بكمٍ هائلٍ من الأزماتِ والمشكلاتِ ، لتنتهي في تشرينَ عن عجزِ فرقاءِ السياسةِ عن وضعِ معالجاتٍ لايٍّ من ازماتَها المعقدةِ وان كانتْ ذاتُ ملامحٍ أكثرَ وضوحاً .
ومن جهةٍ اخرى فتحدياتٌ جديدةٌ لا تكفُ عن التوالدِ من رحمِ المتغيراتِ الداخليةِ والتحولاتِ الاقليميةِ والدوليةِ ، وفي حالِ استمرتْ القوى السياسيةُ على هذا النحوِ المخجلِ من النظرِ الى مصالحِ البلادِ كآخرِ ما يستوجبُ الاهتمامُ بهِ لحسابِ المصالحَ الحزبيةِ والمنافعِ الشخصيةِ فان فرصةَ الاستقرارِ السياسي التي تتوقفُ عليها عمليةُ بناءِ وتنميةِ البلادِ واستقرارِ كلِ نواحي الحياةِ الاخرى تعدُ ضئيلةٌ ومحدودةٌ .
وهنا اذكرُ ما قبلَ 2011 كانتْ الامورُ تسيرُ باتجاه حصرِ المشكلاتِ في اطارٍ وطنيٍّ مع تراجعِ النفوذِ الامريكي وان المشكلةَ اصبحتْ تعني لاعبي السياسةِ العراقيينَ اكثرُ من ايِّ وقتٍ مضى ، ولاح أملٌ برغمِ كلِ الاشكالياتِ المعروفةِ في امكانيةِ ان يتصالحَ العراقُ مع نفسِهِ خلالَ بضغةِ سنواتٍ مقبلةٍ .
وبدأَ التحدي مجدداً في كيفيةِ ايجادِ شراكةٍ يقبلُ بها الجميعُ ولو على مضضٍ .
الا ان اموراً تكشّفتْ بعدَ ذلكَ أطاحتْ بخيطٍ رفيعٍ من الاملِ كأنكشافِ :
– عمقِ التدخلاتِ الخارجيةِ
– ومتانةِ العلاقاتِ لقوى سياسيةٍ بأنظمةٍ مجاورةٍ .
رغمَ انها لم تكن خافيةٌ على أحدٍ الا ان وضوحَهَا بلغَ حدَ التفاصيلِ فألقى كلُ ذلكَ بظلالِه على الوضعِ العراقي وأضفى المزيدَ من التعقيداتِ ناقلاً التدخلاتِ الخارجيةَ من حقيقةِ ظلٍ الى أبجديةِ واقعٍ ، معيداً أحياءَ المخاوفِ المتزايدةِ من الصراعِ الطائفي ومنذراً بجحيمِ صِدَامِ الطوائفِ القاتلِ في المنطقةِ ليكونَ العراقُ المنقسمُ على نفسِهِ جزءاً غيرُ مستثنىً من عمليةِ اعادةِ رسمٍ كاملٍ للشرقِ الأوسطِ الذي تقسَّمَ من الداخلِ الى معسكرينِ : شيعيٌ – شيعي .
انا اعتقدُ ان التجربةَ التي مرتْ بالبلادِ في تشرينَ يجبُ ان تُستَحضَرَ تفاصيلُها الجزئيةُ اليومَ ، ان تُعادَ قراءةُ ذلكَ المشهدِ الفوضوي المرعبِ سعياً وراءَ تشخيصٍ وتحليلٍ يمكِّنُ العراقَ من تجاوزِ الازمةَ بأقلِ ضررٍ ممكنٍ . لأننا نعرفُ على وجهِ اليقينِ أن مرحلةَ العنفِ الدامي لم تُحَلْ على وفقِ خطةٍ أو منهجٍ واضحٍ ، وما حصلَ من تخللِ الحسمِ الامني محاولاً للتصالحِ باءَتْ بالفشلِ ، وبقيتْ الازماتُ السياسيةُ عاصفةٌ في أجواءِ البلادِ وتراجعَ العنفُ بفعلِ عواملٍ جاءتْ بشكلٍ تلقائي في جزءٍ كبيرٍ منها . او قل بقدرٍ رحيمٍ أرادَ تخفيفَ دوامةِ الموتِ أو ربما تأجيلَها الى وقتٍ لاحقٍ .
الخلاصة :
ان الاحتمالاتِ القاسيةِ للتحولِ بينتْ حجمَ المؤآمرةِ الخارجيةِ التي ستذهبُ بعيداً في نتائجِها تهديدُ امنِ واستقرارِ العراقِ سواءاً بتبعاتِ ما يحدثُ أو لكونِهِ على أجندةِ تلكَ المؤآمرةِ الدوليةِ والاقليميةِ والتي شكلتٌ السفارةُ الامريكيةُ في العراقِ غرفةَ عملياتِها .
وضعتْ العراقَ بمرحلةِ تحولٍ ومخاضٍ سياسيٍ عسيرٍ امامَ لحظةٍ مصيريةٍ قد تؤدي الى تفتيتِهِ وتقسيمِهِ الى أجزاءٍ ثلاثةٍ ، مولداً حالةَ صراعٍ على هويةِ الدولةِ سيساهمُ في بقاءِ حالةِ عدمِ الاستقرارِ والفوضى الخلاقةِ لاحرازِ مكاسبَ أكثرَ مما لديها في كلِ مرحلةٍ بصيغةٍ مستمرةٍ لحاضرٍ ومستقبلٍ يتمحور حول عجزٍ مزمنٍ للاتفاقِ السياسي ، وفقدانِ الثقةِ بسببِ ارتهانِ قراراتِ الداخلِ باهواءِ الخارجِ