عذراً آل المبرقع..عذراً لكل مواجعنا..نحن مقصرون..!

منذ أسبوعين

الشيخ حسن النحوي ||

 

وأنا أستمع للقاءٍ خاص بولدنا السيد أحمد محمد حسين المبرقع ، وزير الشباب الحالي ، لم أتمالك دموعي ، تحدّرتْ بدون إستدعاءٍ ولا إستئذان .

أعرف السيد أحمد محمد حسين المبرقع سليل أسرة الجهاد والشهداء منذ أكثر من ( 24 ) عاماً – حينما كان طالب علمٍ في الشام ، وتحديداً قريباً من مرقد السيدة زينب ( عليها السلام ) – شابّاً ، مؤمناً ، ذكيّاً ، لمّاحاً ، يتطلع للمستقبل ، يحاول قدر إمكانه إحداث تغييرٍ في المحيط الذي يتواجد فيه ، ويحاول – وهو المثقل بالمواجع – ألّا تؤثر عليه الفجائع والمصائب التي صُبّت عليه وعلى عائلته أيام سلطة ( عصابة ) العوجة !

وأعرف بشكل مفصّل ما حدث لهذه العائلة المضحية والمفجوعة ، سماعاً ممَن كان مطّلعاً على ما حدث في تلك الفترة الحالكة الظلام ، مضافاً لمعرفتي المفصّلة بطريقة تصرف أولئك المجرمين مع عائلة شريفة بهذا المستوى ، فشرف الآخرين وتدينهم وعزتهم وكبريائهم يستفز أصحاب سلطةٍ عقدتهم أنّهم لا يملكون من التاريخ النظيف شيئاً .

بل يعرف ذلك كل مَن عاش تلك السنوات العجاف في عهد تلك السلطة الغاشمة ، التي لم تعرف للشرف معنى !

” سنوات جمرٍ ” ..

عاشها الأخيار قهراً وحرماناً ولوعة وظلما !

بين إعتقال وتعذيب وإعدام أو سجن يتمنى فيه المرء الموت خوف أنْ يقهره الجبروت على الإعتراف !

يعرف ذلك كل مَن عاش نهاره متخفياً عن أعين عناصر اللا أمن ، وعاش ليله قلقاً خوفاً من إعتقال مفاجيء له ، أو لمقربين منه .

وما دمت أعرف كل ذلك !

فما الجديد الذي أبكاني في حديث السيد ؟؟

الجديد أنَّ نبرة وكمية القهر والوجع في حديثه أعادتني الى أجواء تلك الغربة والوحشة التي أحاطت بالأخيار حينذاك !

كان الكثير من الناس – ولهم الحق في ذلك – يخشون حتى السلام على المتدينين .

كان الأرحام يودون لو تبرأوا من المتدين ، أكثر من تبرئهم من فاعل الموبقات !

كان الأخيار يعرفون أنَّ سلامهم أو اتصالهم بأحدٍ ليس مُرحّباً به ، وأمّا دخولهم لبيت ولو كان لمقربين أو أرحام ، فهو جريمة ، ولو حصل ذلك لأمور قاهرة فيتمنى أصحاب ذلك البيت – حتى الأرحام منهم – ألّا تكون تلك الزيارة طويلة !

بكى السيد وأبكانا عندما تحدث عن ” الخلطة ” العجيبة التي كانت عليها والدته ، كمثال للعوائل التي رأت ما رأت في تلك الفترة !

خلطة عجيبة من فخر بالمواقف الرجولية لمَن ضحوا ، قبال طغيان مهول ، وصبر عجيب من أراملهم وعوائلهم ، مع خوف وحذر !

المؤلم الذي يقتلنا حسرة أنَّ كثيراً من أبناء المحنة ، شباب الشيعة تحديداً ، لا يعرفون شيئاً عن ذلك ، ولا يهتمون له ، منساقين مع كل ما يُصدّره الإعلام المشبوه من تزييفٍ ممجوج عمّا حصل آنذاك !

لا يعرفون أنَّ طاغية ذاك العهد وأزلامه ، كانوا كأسلافهم يرفعون شعار :
” لا تبقوا لأهل هذا البيت من باقية ”

ولو مات المرء كمداً حيال ذلك لما كان ملوماً .

ولعل من أسباب ذلك تقصيرنا الواضح في تبيّين ولو بعض حقيقة ما جرى ، إذ عجزنا أنْ نعرض شيئاً من كل ظلاماتنا وما كنّا نتعرض له من إبادة وقهر .

أدعو الشباب للإستماع الى هذا اللقاء ، ليتعرفوا على معالم ما يُسميه الخصوم أو المخدعون من شبابنا ب ” الزمن الجميل ” !

وما كان جميلاً !

بل لم يكن زمناً !

ما حصل في تلك السنين من إجرام وطغيان كان من خارج إطار الزمن ، بل خارج إطار التاريخ !

ما آلمني جداً أنَّ السيد وهو يتحدث عن مواقف بطولية لرجال ونساء ، كانوا هم ايضاً إستثناءً عمّا يحيط بهم ، وكانوا هم ايضاً من خارج إطار الزمن الذي عاصرهم ، فيأتيك مَن يُعَلّق بتفاهات لا تليق بوعي إنسان !!

ويبقى أنَّ أسرة آل المبرقع هي نموذج لعشرات بل مئات الأسر العراقية التي قدمت من التضحيات ما لا يعرفه الجيل الحالي ، ومسؤولية مَن عاش تلك الحقبة تبيّين ما حصل !