أهم خمسة قضايا ينقسم حولها المجتمع الأميركي..!
بهاء الخزعلي||
لا يخفى على الجميع أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من انقسام في البنية المجتمعية، وقد يرى البعض أن ذلك الانقسام ما زال لم يخلق الفجوة الكبيرة، لكن رغم ذلك فأن هذا الانقسام أدى إلى شرخ في مجتمع الولايات المتحدة.
ومن أهم أسباب ذلك الانقسام الواضح قضايا رئيسية وهي…
1.التكنولوجيا: تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من أكثر الدول تقدماً بالصناعة التكنولوجية، لكن ما يعيب هذه التكنولوجيا أنها لا تمتد لجميع الولايات في الولايات المتحدة الأمريكية حيث أدى التقدم في التكنولوجيا إلى ازدهار الولايات المرتبطة بالمؤسسات والصناعات التكنولوجية في حين استمرت الولايات الأخرى على نفس طبيعتها الصناعية البدائية أو أنها ولايات زراعية ولم تستفد من التطور التكنولوجي مما أحدث فجوة كبيرة بين الولايات التي تقع على الساحل والتي أغلبها ولايات ديمقراطية و ولايات العمق في الداخل الأمريكي التي هي أغلبها ولايات جمهورية، وبما أن خلال الثلاث سنوات الماضية كان الناتج المحلي للولايات المتحدة الأمريكية 23 ترليون دولار بينما في هذه السنة بلغ الناتج المحلي 28 ترليون دولار وتعتبر هذه قفزة نوعية، ولو وضعنا بنظر الاعتبار من المستفيد من هذه الطفرة الإنتاجية فبلا شك هم سكان الولايات التكنولوجية التي أغلبها من الديمقراطيين، مما خلق تمايز حيث يزداد دخل الفرد في ولايات الساحل أكثر من ازدياد دخل الفرد في ولايات الوسط ،وهذا التمايز ليس في قضية ازدياد الغني غنى وازدياد الفقير فقراً، إنما هو معرفة الغني بالتكنولوجيات القادمة وما نوعها وما مستحدثاتها بينما بقي الفقير متخلفاً عن كل هذا التسارع في صناعة التكنولوجيات الحديثة مما أدى إلى اختلاف جوهري بالايدولوجية ما بين سكان الولايات الساحلية وولايات الوسط الأمريكية والتي تسمى (ولايات الحزام الصدأ)،
وهذا التقدم التكنولوجي أثر كثيراً على السياسة الأمريكية لأن من يقوم بعملية التطوير هي معامل في القطاع الخاص وليست مؤسسات تابعة للدولة، وبذلك نكتشف أن التطور التكنولوجي أدى إلى تغير وسائل الإنتاج وذلك أدى إلى تغير الأوضاع الاقتصادية للمواطنين مما أدى إلى تغير السياسة في الداخل الأمريكي.
2.العولمة والهجرة: تؤثر العولمة على ازدياد الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ويؤثر ذلك على الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير حيث تؤمن الولايات المتحدة الأميركية بأنها من الغير طبيعي أن تمنع القادمون لها من دول أخرى للدخول إليها والاستفادة من التطور الأميركي، ولكن في نفس الوقت الاستفادة كذلك من الجانب الاقتصادي حيث يعتبر المهاجرين من أيدي عاملة رخيصة وهذا بالطبع ما يوافق عليه الديمقراطيين، بينما يرى الجمهوريين أن هؤلاء المهاجرين هم ينقلون ثقافات جديدة لمجتمعهم وقد تؤثر عليهم بشكل كبير، ناهيك عن قضية مزاحمتهم على المقاعد الوظيفية والتي يعتبرونها حقهم الشرعي بإعتبارهم السكان الأصليين كما يدعون.
3.القيم الدينية: تنقسم الكنيسة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى نوعين حيث هناك كنيسة متشدد وكنيسة متساهلة، ويكمن الخلاف بين الكنيستين على أمر تشريعي خطير يخص المجتمع الأمريكي وهذا الأمر هو (حق المرأة بالاجهاض) ولمعرفة مدى تأثير الكنيسة على المجتمع علينا التذكير بأنه نسبة الذين يذهبون إلى الكنيسة هي 74٪ من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، وترى الكنائس التي لها ارتباط بالديمقراطيين أن اجهاض الطفل من حق المرأة وقد يخلص العائلة من عبء مالي في حال كانت الأسرة تمتلك عدد أفراد كبير وقد يؤدي ذلك إلى التأثير على العامل الاقتصادي لهذه الأسرة، وكذلك يرون أن في العوائل الفقيرة من حق المرأة تجهض الجنين أفضل من أن تنجبه وتتركه يتسول في شوارع الحي أو الولاية، بينما الكنائس التي ترتبط بالجمهوريين تعتبر أجهاض المرأة خطيئة يحاسب عليها الرب بحسب تعبيرهم، وكذلك يرون أن حالة الفقر المتمثلة بالولايات الجمهورية لا يسمح بتشريع ذلك الأمر لأنه سوف يؤثر على ازدياد عدد السكان الأصليين بالنسبة للمهاجرين مما يضعفهم في إدارة الدولة مستقبلاً.
4.العلاقة مع الصين: التطور الاقتصادي للصين يخلق تنافس حقيقي بين الولايات المتحدة الأمريكية و الصين بل والاكثر من ذلك أن التحدي الصيني أصبح يلقي بظلاله على الداخل الأمريكي حيث ينقسم الديمقراطيين والجمهوريين بطريقة التعاطي مع الصين، الديمقراطيين يعتبرون أن ذلك منافسة وهذا ما جاء على لسان بايدن وهنا لا نعلم ماذا يقصد بالمنافسة فقد يفسر البعض منافسة قد تذهب بهم إلى الحرب أو منافسة قد تذهب بكلا الطرفين إلى الصداقة والشراكة الاقتصادية، أما بالنسبة للجمهوريين فهم يريدون إخضاع الصين وجعلها بوضع أشبه بوضع المانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وأدى ذلك إلى انقسام سياسي أثر على جمهور كلا الحزبين الأمريكيين الجمهوري والديمقراطي.
5.فتور دور المؤسسات: لم تعد الولايات المتحدة الخمسين في أميركا على قلب رجل واحد حيث أكد دستور الولايات المتحدة الأمريكية على أنها دولة فيدرالية، وكلمة فيدرالية تعني أنها ولاية وهذه الولايات منها زراعية ومنها صناعية ومنها تكنولوجية كتلك التي على السواحل، وبسبب الفوارق الإنتاجية أبتدأ يتحول إلى سياسة، مما أدى في العشر سنوات الأخيرة لوجود ولايات حمراء بالكامل (جمهوريين) و ولايات زرقاء بالكامل (ديمقراطيين) حيث تؤكد أخر ثلاث انتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية على ذلك، وبل والاكثر تأكيداً على التحول السياسي أن في أخر مرحلتين إنتخابيتين صرحت أحدى الولايات بأنها قد تعلن إستقلالها، فعندما فاز ترامب في الإنتخابات كاليفورنيا أرادة الانفصال، وعندما نجح بايدن في الأنتخابات تكساس أرادة الانفصال، ويعتبر ذلك تهديد خطير على البنية المجتمعية للولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك نفهم بعدما كانت مؤسسات الولايات المتحدة الأمريكية قائمة على أساس تقسيم الأدوار ما بين أختصاصات الحكومة الفيدرالية والولايات وما تحت الولايات في المقاطعات أصبحنا نرى أن كل ولاية بدأت تتحول لكينونة سياسية خاصة أو ولاية منفردة، مما يؤدي إلى خلل بوظيفة المؤسسات وفق الدستور حيث يعتمد إحترام المؤسسة على تشغيلها وبما أن هذه المؤسسات غير تعاني من هذا الإنقسام وفق الأبعاد السياسية فذلك يؤدي إلى فتورها وضعفها بشكل واضح، ويتضح لنا بذلك أن تضارب المصالح بين الولايات أدى إلى إضعاف دور المؤسسات وشجع على فكرة الأنفصال في بعض الولايات.
•الاستنتاج: نستنتج من كل ما تقدم أن أسباب الانشقاق والانقسام في الولايات المتحدة الأمريكية كثيرة ومتعددة وكثرة تلك القضايا يجعل من الصعب تداركها أو الاتفاق عليها في ظل الظروف الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك قد يؤثر بازدياد وتعميق ذلك الانقسام عوامل داخلية جديدة أو خارجية بسبب سياسات الحكومة الأمريكية مما يؤدي إلى إعلان بعض الولايات الاستقلال عن أميركا بشكل رسمي.