هل عالمنا بخير؟!
د. نعمة العبادي ||
تتصاعد وتيرة الاحداث في معظم بقاع العالم بطريقة تكاد تقترب من حافة الهاوية، الامر الذي رفع سقوف التكهنات بوقوع نزاع مفتوح قد يرقى الى حرب عالمية، ورغم ان التركيز على مناطق الصراع من قرب يدعم او على الاقل يرجح فرضيات قريبة من هذا الفهم إلا ان قراءة اخرى يمكن ان تنتج توقعات مختلفة عما هو سائد، ومن اجل تكوين تصور اكثر شمولية، لنقف على مجموعة مؤشرات تتمثل في الآتي:
– ان الالة العسكرية الاسرائيلية منذ قرابة السبعة اشهر حصدت عشرات آلاف الارواح من الفلسطينيين، واستولت على معظم غزة ومناطق اخرى لم تكن قد وصلت لها من قبل، وتظهر نحو من العناد والغطرسة والتمرد حتى على الطرف الامريكي، وفي طول هذا الواقع هناك دعم مفتوح عالمي لها، وتزلف عربي من حكومات وملكيات، وتتحدث السعودية عن تطبيع في قلب هذه العاصفة، إلا ان الشق الآخر من القصة يتحدث عن صورة اخرى، فهناك تصاعد في الرأي العام الاسرائيلي الرافض لمنهج هذه الحكومة، وانكسار في الجيش الاسرائيلي، وخسائر لم تتكبدها اسرائيل من قبل، وتصاعد في الوعي الشعبي العالمي تجاه الملف الفلسطيني، وعودة قوية لملف هذه القضية، وعجز لجيش الاحتلال عن تحقيق اهداف استراتيجية واقعية، بل تكتيكية ذات اثر فعال، واقصى ما يجري تحقيقه هو القتل والتشريد.
– لا يمكن التوهين لحجم القوة العسكرية ونوعها وقدرة الالة العسكرية التي تقف خلف المحتل وتدافع عنه، وفي المقدمة تقف القوات الامريكية بتفوقها العسكري وهيمنتها كحارس ومحامي في المنطقة إلا ان ذلك لم يمنع من ظهور مناطق عجز حقيقية كان ابرزها ما يجري في البحر الاحمر وخليج عدن.
– لقد كان النشاط الاسرائيلي الموجه لاهداف ايرانية مباشرة او ذات صلة بايران مؤذيا وخطيرا، كما، ان الضغط الامريكي والاوربي فعله فعله بإيران وطوقها من كل مكان، إلا ان ما فعلته في ضربها المباشر لاسرائيل أعاد تعريف كل هذه التوصيفات من جديد، إذ لا يمكن ان تقرأ الضربة الايرانية في حدود تأثيرها العسكري، بل ان ايران تجرأت على ضرب العالم من خلال ضربها المباشر لاسرائيل، ويعلم ذلك كل اصحاب الاختصاص من الاستراتيجيين وان بعض السخرية والاستهزاء الذي ظهر عقب الضربة هو جهل وسذاجة او وقاحة وبغض وإلا فالواقع ان كل التوقعات الامريكية والاسرائيلية لم تتخيل ان يحدث ذلك وبشكل مباشر.
– منذ سنين وامريكا تمارس إخصاء لكل اوربا، وقد جردتها من هويتها وخصوصيتها، وجعلتها تابعة ذليلة ومنقادة، ليس لها اي قرار إلا صدى للصوت الامريكي إلا ان الخطوة الفرنسية مع الصين تعني خطوة في طريق الانفلات من القبضة الامريكية وان كانت خجولة.
– ولاية خامسة لبوتين، واعلان عن عالم متعدد الاقطاب بمساعدة الشركاء، وتحذير شديد اللهجة لاوربا، ومناورات بالاسلحة النووية التكتيكية، ومواجهة شرسة للعقوبات ولاي خطوات تواجه الاقتصاد الروسي، واصرار على المضي في الحرب الاوكرانية رغم كل الدعم الامريكي والاوربي، يعني ذلك وجود معادل توازن حقيقي وفعال، لا يتيح للطرف الامريكي وشركائه، ان يمضون بما يريدون كما يحبون.
– تعاظم الاستياء والرفض لما يجري في العالم من ظلم وقتل واستهتار وتفرد بالقوة واستهانة بمقدرات الشعوب.
ان هذه المؤشرات ومعها عشرات المؤشرات الاخرى يمكن ان تنتج الاتي:
– ان احتمالات الخطر غير قليلة، وامكانية الانزلاق الى حرب مفتوحة لا يزال قائم، لكن اتجاهات الردع والتوازن تتصاعد بإتجاه ضبط الامور والابقاء عليها، على الاقل في حدود الصراعات واطئة الكلفة.
– مهما كانت المرارة التي يتعرض لها الفلسطينيون، لكنهم يتجهون الى خيارات تسمح لهم تقرير مصيرهم بشكل افضل من ما مضى.
– ان عدم اعادة تعريف ايران بشكل جديد من قبل الكثير من الاطراف (عمدا او جهلا) يفوت فرصا مهمة للمزيد من التوازن.
– مهما قيل عن تناقص اهمية الشرق الاوسط ومنطقتنا إلا ان الحقيقة الاكثر وضحا تقول ان خارطة العالم وصورته النهائية ترسمها جدليات هذه المنطقة تحديدا ولا غير.
– من غير المستبعد ان نشاهد نماذج تمرد ومواجهة لأنظمة غير شرعية اَو سلطات غير مرضية من شعوبها او حكومات متورطة بالتآمر او لبواعث اخرى، ولا يبعد ان يكون ذلك محفوفا بالعنف.
– نظريا يعد خيار العلاقات المتوازنة والابتعاد عن الاحلاف والمحاور افضل مناهج العلاقات الدولية، لكنه يبقى خيارا شبه متعذر في الواقع العملي على الاقل في الفترة المنظورة.