القضاء والقدر لدى المسلمين والغربيين..!
نعيم الهاشمي الخفاجي ||
كل الديانات خاض اتباعها في قضية الخير والشر والقضاء والقدر، في الواقع الإسلامي، لدى المسلمين مدرستين، المدرسة السنية تعتبر القضاء،والقدر، والخير والشر من الله عز وجل، وأن الانسان ماهو سوى آلة ينفذ ما كتب الله عز وجل عليه، وهذا يخالف العدل الإلهي، بل كيف الله عز وجل يأمر الناس بالظلم ويحاسبهم عليه.
اما مدرسة محمد ص وآل بيته فهي تختلف بذلك اختلافا جذريا، نقتبس مايلي (عن الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال : (القدر الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء، والقضاء هو الإبرام واقامة العين)، وأيضاً عن الرضا (عليه السلام) قال بعد سؤاله عن معنى (قضى) ؟ قال : (إذا قضى أمضاه فذلك الذي لا مردّ له).
وقد قُسم التقدير والقضاء على قسمين : علمي وعيني، وحاصل التقدير العيني: ان الموجودات الامكانية على صنفين، موجود مجرد عن المادة والزمان والمكان فقدره هو ماهيته التي يتحدد بها وجوده و موجود مادي خلق في اطار الزمان والمكان فقدره عبارة عن جميع خصائصه الزمانية والمكانية والكيفية والكمية .
وأما القضاء: فهو عبارة عن الضرورة التي تحف وجود الشيء بتحقيق علته التامة بحيث يكون وجوده ضرورياً مقطوعاً به من ناحية علته الوجودي.
وعلى ذلك فكل ما في الكون لا يتحقق الا بقدر وقضاء ، فتقديره تحديد الأشياء الموجودة فيه من حيث وجودها وأثار وجودها وخصوصيات كونها أي العلل والشرائط، وأما قضاؤه فلما كانت الحوادث في وجودها وتحققها منتهية إليه سبحانه فما لم تتم لها العلل و الشرائط الموجبة لوجودها فإنها تبقى على حال التردد بين الوقوع واللا وقوع فاذا تمت عللها وعامة شرائطها ولم يبق لها إلا أن توجد كان ذلك في الله قضاءه وفصلا لها من الجانب الآخر وقطعا للإبهام، ثم إن كون التقدير والقضاء العينيين منه سبحانه لا يلازم كون الانسان مسلوب الاختيار، لان المفروض ان الحرية والاختيار من الخصوصيات الموجودة فيه، كما أنه سبحانه اذا قضى بأفعال الانسان فانما قضى على صدورها منه عن طريق المبادئ الموجودة فيه التي منها الحرية والاختيار .
وان السنن الإلهية الواردة في الكتاب والسنة او التي كشف عنها الإنسان عبر ممارساته وتجاربه، كلها من تقديره وقضائه سبحانه، والانسان تجاه هذه النواميس والسنن حر مختار فعلى اية واحدة منها طبق حياته يرى نتيجة عمله، فالشاب مثلا الذي يبدأ حياته بأمكاناته الحرة واعصابه المتماسكة وذكائه المعتدل، اما ان يصرف تلك المواهب في سبيل تحصيل العلوم والفنون والكسب والتجارة فمصيره وتقديره هي الحياة السعيدة الرغيدة ، وأما يسئ الاستفادة من رصيده المادي والمعنوي ويصرفه في الشهوات واللذات الزائدة فتقديره هو الحياة الشقية المظلمة .
والتقدير أن كلاهما من الله تعالى والشاب حر في اختيار أحد الطريقين والنتيجة التي تعود اليه بقضاء الله وقدره ، كما أن له ان يرجع اثناء الطريق فيختار بنفسه تقديراً آخر ويغير مصيره ، وهذا ايضا يكون من تقدير الله عزّوجلّ فانه هو الذي خلقنا وخيرنا وأقدرنا على الرجوع وفتح لنا باب التوبة .
ومثال آخر: المريض الذي يكون طريح الفراش أمامه تقديران: اما ان يعالج نفسه فيشفى او يهمل نفسه فيستمر المرض به والتقديران كلاهما من الله تعالى، والمريض حر في اختيار سلوك أي الطريقين شاء وانت اذا نظرت الى الكون والمجتمع والحياة الانسانية تقدر على تمييز العشرات من هذه السنن السائدة ونعرف أنها كلها من تقاديره سبحانه والانسان حر في اختيار واحد منها ، ولاجل ذلك يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (خمسة لا يستجاب لهم : احدهم مر بحائط مائل وهو يقبل إليه ولم يسرع المشي حتى سقط عليه) (بحار الأنوار ج5 ص 105) والسر في عدم استجابة دعائه واضح لان تقديره سبحانه وقضائه على الانسان الذي لا يقوم من تحت ذلك الجدار المائل هو الموت، وبذلك تقف على مغزى ما روى عن الامام علي (عليه السلام) عندما عدل من حائط مائل إلى حائط آخر فقيل له: يا أمير المؤمنين أتفرّ من قضاء الله ؟ فقال (عليه السلام) : (اَفِرُّ من قضاء الله إلى قدره عزّوجلّ ) (التوحيد : ص 369) ، يعني ان ذلك باختياري فإن شئت بقيت في هذا القضاء وان شئت مضيت الى قدر آخر فان بقيت اقتل بقضاء الله وان عدلت ابقى بتقدير منه سبحانه ولكل تقدير مصير فأيهما فعلت فقد اخترت ذلك المصير.
وأما القضاء والقدر العلمي، فالتقدير منه : هو علمه سبحانه بما تكون عليه الاشياء كلها من حدود وخصوصيات ، والقضاء منه: علمه سبحانه بحتمية وجود تلك الأشياء وعللها ومبادئها والقضاء والقدر العلمي لا يستلزم وجود الجبر في الافعال الاختيارية للعباد وذلك لان علمه سبحانه تعلق بصدور الاثار عن العلل مع الخصوصية الكافية في نفس تلك العلل ومن تلك الخصوصيات الاختيار عند الانسان).
المصدر، كتاب (الالهيات) للشيخ جعفر السبحاني الجزء الثاني.
انا شخصيا متابع جيد لما يكتبه إعلام دول البداوة، بشكل يومي، الفيالق الإعلامية لدول البداوة، ليسوا جهلة كما يظن الكثيرون، وإنما يمتلكون إمكانيات مادية وعلمية يستخدموها في التدليس والكذب وطرح الشبهات، استغفال عقول الجماهير العربية المغفلة.
القضاء والقدر تحدث به الفلاسفة الغربيين بسبب صكوك غفران الكنيسة، هناك من المثقفين العرب، بادروا إلى ترجمة مئات الكتب للفلاسفة الغربيين، للغة العربية، وبالتأكيد لهذه الترجمات أثر جيد، في رفد المثقف العربي بتجارب وقعت في العالم الغربي.
الأديب المصري الدكتور طه حسين، اهتم بما كتبه الفلاسفة الغربيين، ترجم طه حسين قصة من قصص الفيلسوف الفرنسي فولتير، في القرن الثامن عشر، وهي مسألة القضاء والقدر، ومكان الإنسان وإرادته منهما.
القصة التي ترجمها الدكتور الاديب المصري طه حسين، هي قصة زديج التي كتبت في سنة ١٧٤٨، فولتير استعمل طرق لكتابة قصته خارج فرنسا، وتنصل منها لأنها تجلب اليه مشاكل، بسبب اتباعه اسلوب ساخر، وبظل وجود سلطة ملك ظالم ومعه رجال الكنيسة، وحسب قول طه حسين، أن الكاتب (فولتير) تأثر بالأدب الشرقي، وأنه قرأ ترجمة (ألف ليلة وليلة)، وكتب على ضوء ذلك، قصص إلى الأوروبيين، على غرار قصص شرقية مؤثرة، القصة تدور حول بطل، فتى من أهل بابل، اسمه (زديج) فتى عالي الثقافة قد اختلفت عليه الأحداث، وتعرَّض لكثير من المحن في وطنه أولاً، وفي الأوطان التي تغرب فيها بعد ذلك، في مصر وفي بلاد العرب وفي جزيرة سرنديب وفي سوريا، وكانت هذه الأحداث والمحن كلها مخالفة لمنطق الأشياء وطبيعة الحياة كما يراها النَّاس، فقد كان يكافأ بالشر على الخير دائماً، وكان يستقبل ذلك بالحيرة والإذعان وبالصبر والاحتمال؛ حتى كوفئ آخر الأمر بما يُلائم ذكاءه ووفاءه وثقافته وبراعته وصبره واحتماله، فأصبح ملكاً على الدولة البابلية العظمى.
قصة فولتير مستوحاة من القضاء والقدر الذي يفهمه أهل السنة والجماعة، بأن الخير والشر من الله عز وجل، لذلك فولتير اعتقد ان كل المسلمين يؤمنون بأن الخير والشر من الله عز وجل، فولتير كتب قصة أثرت بالمجتمع الفرنسي وبقية المجتمعات الغربية، بوقت كان الشعب الفرنسي، ناقم على الملك والكنيسة والنظام الإقطاعي، فلذلك انتشرت القصة بين اوساط الشعب الفرنسي، الذي كان يغلي لبدء الثورة الفرنسية التي اطاحت بالنظام الملكي وحجمت دور الكنيسة وقضت على الطبقة الإقطاعية.
في الغرب كان الى القصص دور مهم في نقد الأوضاع السياسية، مثل الروائي البريطاني جورج أورويل صاحب قصة ١٩٨٤ نقد بها تسلط ستالين على قيادة الحزب الشيوعي، رغم أن جورج اورويل كان يساري يؤمن في النظرية الماركسية الاشتراكية، هذه القصة غالبية شباب دول أوروبا الغربية يقرؤونها ويكتبون حولها ابحاث في المدارس، النقد في المجتمعات المثقفة وسيلة لحل المشاكل وتصحيح أخطاء الساسة، والعمل على المساواة والعدالة الاجتماعية.
في دول البداوة الوهابية، لايمكن إلى أي مواطن ينتقد الوضع السياسي، مسموح للمواطن الخليجي ان يفتح فمه في المغاسل عندما يقومون في غسل اسنانهم إن كانوا يستعملون الفرشاة والمعجون، غالبية شعوب العرب يستخدمون المسواك لأنه سنة نبوية، حسب قولهم.
لا يوجد شيء اسمه الحضارة العربية، لأن العرب أعداء الحضارة، وإذا يوجد فضل يحسب فهو للدول الشيعية الإسماعيلية الفاطمية والزيدية والجعفرية، مثل الشيعة الإسماعيلية في مصر والشام وشمال افريقيا، ودولة البويهيين الإسماعيلية في ايران، ودولة الحمدانيين الشيعة الجعفرية في الموصل وحلب وشرق سوريا، ودولة الزيديين في اليمن، الدويلات الشيعية بالقرن الثالث والرابع والخامس الهجري، مدرسة اصحاب الصفا الفلسفية، التي نشأت في بداية الدولة العباسية، كلهم من الشيعة، هذه المدرسة الفلسفية الشبعية، هي التي جعلت للعباسيين حضارة عربية واسلامية، وعندما تعاون صلاح الدين مع الصليبيين تم إبادة الشيعة في مصر والشام وشمال أفريقيا، وتعاون الخليفة العباسي مع التتار للقضاء على الشيعة الإسماعيلية البويهيين في ايران، وعندما قويت سلطة الخليفة العباسي تم القضاء على المدارس الفلسفية الشيعية، وعاد العرب والمسلمين إلى جمودهم الفكري وناموا في سبات حكمتهم الأمم ونكحت ملوكهم ليومنا هذا.
سجلت كتب التاريخ، عندما أقام الشيعة الإسماعيلية دولتهم في مصر، واقاموا جامعة الازهر، سمحوا إلى أصحاب المذاهب السنية الأربعة في التدريس في جامعة الازهر، مضاف للفكر الشيعي الاسماعيلي، بينما السنة لايسمحون في مدارسهم تدريس الفكر الشيعي، بل يقصدون الكذب على الشيعة ومعتقداتهم.
الفكر الشيعي ليومنا هذا مبني على التنوع، وتعدد المرجعيات والمدارس الفكرية المختلفة، في مناطق الوسط والجنوب العراقي، تجد سنة يعيشون بين اخوانهم الشيعة، تجد مسيح وصابئة، حتى العاملين في الشركات البترولية من الهندوس والسيخ او المهندسين والموظفين الاوروبيين لم يتعرض لهم، بذروة الأحداث بعد سقوط نظام البعث بأعوام ٢٠٠٥ وما تلاها، حتى الذي يقع في أيدي جيش المهدي بذلك الوقت، يقومون في اكرامه وعدم الاعتداء، على عكس جماعات فلول البعث وهابي، قطعوا رؤوس صحيين وموظفين أوروبيين دون ذنب، لازلت اتذكر مقطع فيديو، عرضته قناة الجزيرة، لسائق شاحنة كوري تم خطفه في الانبار، عرضوا مقطع فيديو كيف ذبحوه، وكان الضحية الكوري يبكي ويتوسل في مجاهدي أهل السنة والجماعة من فلول البعث وهابي بدون جدوى، قوم نزعت من قلوبهم الرحمة والإنسانية.
بمناطق ذات الغالبية الشيعية، تجد تعدد مرجعيات، بل حتى وجود حركات منحرفة مثل المنحرف ابن كويطع والصرخي يعملون بالعلن، تجد مقرات أحزاب كوردية ويسارية وبعثية، بينما عندما تذهب إلى تكريت والفلوجة وبيجي والرمادي لاتجد تنوع مذهبي، الشيعي اما ذبح وأما هُجر، لاوجود لمقرات إلى الأحزاب الكوردية والشيعية، ولا مقرات إلى الأحزاب اليسارية والشيوعية.
الفلسفة لدى أهل السنة والجماعة كفر وحرام وزندقة.
نختم مقالنا في قول إلى شيخ سعودي يقدموه انه احد اعمدة الفكر العربي الإسلامي، وهو الداعية الشيخ لافي عايض العازمي حيث قال بخطبة بالصورة والصوت، القول التالي( لو كان النبي موجود والخلفاء موجودين لما ساعدوا أهل غزة، الدليل أن النبي ص المشركين قتلوا ياسر وسمية أمامه ولم يحرك ساكنا).
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
11/5/2024