إصبع على الجرح..شيء من الأيام في زمن صدام..!
منهل عبد الأمير المرشدي ||
((( 3 )))
وصلت السيارة التي تقّلني الى مديرية الأمن وكنت اعيش محنة الصراع في شغاف الذات ما بين يقيني بالمصير المعلوم وبين التحدي المحتوم متوكلا على الله العلي العظيم . تم فتح الباب ودخلنا الى داخل الدائرة .. نزلنا من السيارة وقد تعمّد الرفيق .. س .. أخو زميلي وصديقي !! بمسكي من رسغ يدي بقوة ونحن نتوجه الى ممر معتم بإضاءة خافتة فيما كنت ارسم ابتسامة كاذبة على شفاهي الخائفة في محاولة مني لمواجهة الموقف لأبدو طبيعيا . ونحن نسير في ذلك الممر لاح لي صدى صراخ رجل يستغيث من شدة التعذيب . ربما كان ذلك الصوت يتراءى لي من هواجس النفس المحتسبة او ربما كان حقيقة هو صوت رجل تحت التعذيب .
لست أدري .. من دون انتظار وصلنا غرفة يقف في بابها رجل عسكري باللون الزيتوني يحمل مسدسا يكاد قيطان حاملته يخط الى الأرض . نظر الينا قبل ان يفتح الباب وليته لم ينظر لأرى ذلك المشهد المرعب من الشارب المفتول والوجه القبيح الخالي من نور محمد (ص) . دخل رجل الأمن ومن ثم انا وخلفي الرفيق . س .. أديا التحية ل (الأستاذ) بضرب القدم على الأرض فقال لهم ( هلا ..كل الهلا .. هاي شبسرعة جبتوه .. عفية .عفية .استريحو) .. اما انا فبقيت واقفا محتارا فهل اجلس ام لا أجلس … نظر لي (الأستاذ) الذي كان يترنح على كرسي دوار خلف مكتبه وعلى الجدار فوق رأسه علقتّ صورة الدكتاتور بالزي العسكري وقال لي . (هل تعرف ليش جوو بيك الشباب لهين ؟ هل ستتعبنا ام تتحدث بصراحة وتعترف بكل شيء من دون لغوة وتعب ؟ اولا .. قل لنا ما هي درجتك بحزب الدعوة العميل هل انت صديق ام داعية ام ماذا ؟؟ وكبل هذا كلو قل لنا ليش جابوك الشباب هين ؟) . .
كنت في داخلي مرتبكا جدا لكن عزيمة الإصرار والتحدي اكبر من لحظة ضعف داهمتني كما تجلّت امام عيناي خسة هؤلاء ونذالتهم فعزمت وتوكلت واستجمعت قواي وقلت له .. ( عفوا استاذ .. أنا بصراحة استغرب جلبي اليكم بصفة المقبوض عليه . انا صديقي وزميلي رئيس اتحاد الطلبة في الثانوية وهو اخو الرفيق . س .. الذي دخلت بيتهم يوما وتناولت الزاد والملح معهم .. وكان بإمكانه ان يسأل اخوه عني !! ) عم الصمت اجواء المكان وبدا الرفيق . س . في شيء من الإحراج لكنني قطعت ذلك الصمت فأكملت قائلا : (ولكن وحسب اعتقادي إن الأمر يتعلق بكتاب البنك اللاربوي في الإسلام الذي اعطيته قبل ايام الى مدرس اللغة الإنكليزية الأستاذ …. . ولا أتوقع شيء غير هذا الأمر يدعو لإلقاء القبض عليّ . وانا بصراحة ارى التقصير يقع على الإتحاد الوطني للطلبة والإعلام وليس على من يشتري كتب الصدر .. ) صمت وذهول وتساؤلات تؤطر عيون الموجودين في المكان .. تفاجأت بتكشيرة طغت على جهامة (الأستاذ) تدل على الرضا والإعجاب ثم التفت صوب الحاضرين يهز برأسه ثم توجه لي قائلا .. ( اجلس.. اجلس لا تضل واكف ..)
استرحت على الكرسي وحمدت الله وشكرته لأن أقدامي لم تعد تعينني على الوقوف .. طلب مني ان اكمل ما قلت وكيف ان التقصير يقع على تنظيمات الإتحاد الوطني للطلبة وعلى الاعلام . كانت شفتاي قد تيبست فقلت . ( الحقيقة هي ان كتب محمد باقر الصدر موجودة في جميع المكتبات ولا أحد يعلم انها محظورة ولولا اعلان السيد الرئيس بنفسه عن علاقة الصدر بإيران وتواصله معهم للقيام بإنقلاب في العراق لما علم أحد بالمخطط الإيراني . لذلك فأن التقصير يقع على تنظيمات الحزب والإعلام في الإذاعة والتلفزيون وانا لو لم اسمع ما قاله الرئيس في نشرة الأخبار لأشتريت جميع مؤلفاته ) . هنا قاطعني كبيرهم الذي يطلقون عليه الإستاذ وطلب منهم ان يأتوا لي بإستكان الشاي وقال لي ( كلامك جيد وخوش تحجي بس اريد منك ان تعطيني رأيك الصريح بمحمد باقر الصدر بنفس الشجاعة الي تحدثت بيها واشرب جايك .).
حاولت ان اضع الملعقة في الإستكان لأذيب السّكر لكن ارتعاش أناملي افشلني فلم افلح فتناولت شيئا من الشاي بمرارته واجبته بشي من القدرّة المدعاة وتحد اللحظة ما بين الموت والحياة فقلت له .. (انا بصراحة لي رأيين بالصدر رأي كنت مقتنعا به الى ما قبل اسبوع ورأي بعد ما اعلنه السيد الرئيس . فهو قبل اعلان الرئيس مفكر وفيلسوف يبحث في الإقتصاد والفلسفة والإجتماع أما بعد إعلان الرئيس فهو مرتبط بإيران للقيام بعملية انقلاب في العراق .. ) كلمات قلتها بقلب يعتصره الأسى والألم لكنني بررتها لنفسي كونها ذروة التقية في حضرة سلطان فاجر …. لقد انتزعت اعجاب الحاضرين وذهولهم واستمرت جلسة التحقيق لعدة ساعات تم سؤالي خلالها عن ابرز اصقائي بالأسماء،والعناوين وأقاربي وتوجهاتي الثقافية ومدى ارتباطي بالطقوس الدينية .كنت احاول ان ابدوا طبيعيا في الإجابة واتلافى التطرق للنهايات السائبة في الحديث خصوصا بعد إن ارتفعت معنوياتي بعض الشيء لما وفقني الله به حتى الآن .
الجميع صامتون الا ( الأستاذ) الذي أمر بآنتقالي الى غرفة مجاورة للإستراحة لأكثر من ساعة ثم عدت اليه ليسألني عن رأيي وما فهمته من كتاب البنك اللاربوي في الإسلام فأجبته عن الفحوى الإقتصادية لمضمون الكتاب وفق النظرية الإسلامية الشاملة بعيدا عن الربا … فأعطاني ورقة وقلم وقال لي اكتب بخط يدك الإجابة على هذا السؤال .. هل لديك اقوال اخرى ؟
وللكلام خاتمة في البقية …