بينوكيو ذو الأنف الطويل..!
إنتصار الماهود ||
من يكذب يذهب الى النار ليحترق فيها.
لا تكذب لئلا يطول أنفك ويحرجك أمام الآخرين، تلك الجمل الرادعة لنا والتي لطالما ترددت على أسماعنا، ونحن صغار لتحذرنا من مغبة الكذب وعواقبه، تلك الصفة الذميمة التي ما إن لازمت الفرد، حتى تتوغل في روحه وتصرفاته وتفسد قلبه وعقله، ولن يستطيع التخلص من آثار هذا المرض.
في صغرنا كنا نرمز للكاذب بشخصية بينوكيو، أو ماجد تلك الدمية الخشبية التي تحولت لحقيقة، لكن بشرط مهم ألا تكذب، كنا نخاف من أن نكذب فنكون مثله ذوي أنوف طويلة، بل حتى عندما نرى أشخاصا أنوفهم بارزة نقول في ذاتنا” حييل شكد يچذب هذا وهيج صار، خشمه؟! “.
كبرنا قليلا وبدأ الأهل بالتوعية والتربية والتعريف بالحلال والحرام، والكذب وعواقبه، وبدأنا نستوعب أن الكذب هو أساس لكل خطيئة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إياكم والكذب فإن الكذب يهدي الى الفجور، وأن الفجور يهدي الى النار، ومازال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا)، إذا الكذب من الصفات التي نهى الله عنها، ونبذها الإسلام لما لها من تأثير مدمر على حياتنا، فالكذب يهدم أي علاقة مهما كانت قوتها.
ويعرف علماء النفس الكذب، بأنه مرض خطير غير ظاهر، لكن عواقبه وآثاره المستقبلية كبيرة، وربما تؤدي الى تدمير الفرد، وهو أحد الأمراض النفسية النوعية، والتي يلجأ اليها الشخص لأسباب سنعرج عليها لاحقا.
وتظهر علامات معينة على الكاذب تميزه عن غيره وهي:-
1. سرعة حركة رموش العين اثناء الكذب.
2. تغيير نبرة صوته وإرتجافها حين الكذب.
3. وضعه للحواجز المصطنعة بينه وبين الاخرين.
4. التغيير المفاجيء في لون الوجه.
5. تكرار نفس القصة لنفس الكذبة مع الإضافات الجديدة في كل مرة، من أجل إقناع الآخرين بفكرته، فهو يتبع مبدأ، أكذب ثم أكذب ثم أكذب حتى يصدقني الجميع.
وأسباب الكذب كثيرة وشائعة وهي:-
1. لتجنب الحقيقة والتهرب منها.
2. للتلاعب بالآخرين وتغيير قناعاتهم.
3. لتجنب الإحراج وإيذاء المشاعر، وغالبا ما يرتبط بالكذب البسيط.
4.للشعور بالتفوق.
5. لحماية أنفسنا والمقربين منا.
6. من باب الفضول والبحث.
7. لخداع الآخرين حول حقيقة ما.
8.للحصول على المكاسب الخاصة، وغيرها الكثير لكن هذه الأكثر شيوعا حسب تصنيف الطب النفسي..
غالبا من يستمر على الكذب يصل الى مرحلة الكذب المرضى، أو المؤذي وهي مرحلة مقلقة جدا، حيث يبدأ الكاذب بإختلاق قصص وهمية، يجعلها وكأنها حقيقة يعيشها، وحينها لا نستطيع تمييز صدقه من كذبه، وهذا ما سيتسبب بفقدانه للمصداقية بكل شيء.
وحذر الأطباء النفسيين، من بعض أنواع الكذب التي ترافق الإنسان، منذ صغره حتى الكبر لو تعود عليه مثل، ( كذب الخيال، كذب المبالغة، كذب المحاكاة، كذب الهروب، الكذب لجذب الإنتباه، الكذب الكيدي، الكذب التعويضي، الكذب المرضى).
الكاذب شخص يفقد إحترامه ومكانته في المجتمع بكذبه على الآخرين، ماعدا بعض الناس، (ترة إحنا ما نقصد بعض السياسيين، الي كلما يكذبون الناس تقدرهم وتحترمهم، على شنو ماندري حبوبة؟!) لا سامح الله لا نقصدهم فهم أصدق من الصدق نفسه، ونفذوا كل كذباتهم التي وعدوا المواطنين بها.
لنترك السياسة ونعود للكذب، رغم إنهما مرتبطان وأي إرتباط؟!.
كما إرتبط الكذب في علم النفس بالذات، بالنوع القهري وهو نوع خطر جدا لا على الكاذب فحسب، بل على أقرب الناس إليه زوجته وأولاده و عائلته، (فهو يمثل النرجسية وإضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، وإكتشف علماء النفس أن السايكوباثيين، وهم أشخاص يتميزون بالنرجسية والتلاعب والخبث والخيانة، من أخطر الأنواع فهم ميالون للكذب بشكل محترف جدا، بل أنهم يتعدون مرحلة الكذب المرضي و مرحلة الإنجازات الوهمية، إلى مرحلة إختلاق الأكاذيب الهدامة على الآخرين، من أجل تشويه السمعة مثلا، وأحيانا تصل لمرحلة التحريض على القتل في بعض الحالات التي شخصها الطب النفسي.
إن موضوع الكذب خطر جدا على تركيبة الفرد النفسية والمجتمع عامة، وله آثار سلبية هدامة وهو أصبح في الوقت الحالي ظاهرة عامة، يجب أن تتظافر الجهود للقضاء عليها من خلال التربية الصحيحة والتوعية السليمة، فالكثير من المنازل الآمنة هدمت بسبب كذب أحد الأطراف وخداعه.
وكثير من العلاقات المستقرة إنكسرت حلقة الثقة فيها بسبب الكذب، ( تخيل أن تعيش سنوات طويلة مع شخص مخادع، لتكتشف فيما بعد كذبات كانت مخفية عنك، ما هو شعورك وكيف ستتعامل مع هذا الشخص؟!).
وفي الختام أضع كلام كان والدي رحمه الله يردده دوما، ”بوية ترة حبل الچذب گصير ويجي يوم وينفضح الكذاب “.
وأنا أرددها الآن و مؤمنة بها، أن حبل الكذب لا يوجد أقصر منه، وهو يفتك بأي علاقة مهما كانت، إنسانية أو أسرية أو عاطفية، ولابد أن يأتي يوم وتنكشف الحقائق وحينها لا أعتقد أن هنالك شخص عاقل يريد أن يقضي حياته مع كاذب.
صح لو لاع حبوبة