الأحد - 12 يناير 2025

إصبع على الجرح..شيء من الأيام في زمن صدام..(4) الخاتمة..!

منذ 8 أشهر
الأحد - 12 يناير 2025

منهل عبد الأمير المرشدي ||

 

لحظات من الشرود الذهني أخذتني لما كنت به من ساعات كان لها تداعياتها المباشرة على حالتي النفسية والصحية لكنني كنت بحالة من الإصرار في ثنايا الوجدان على ان ابقى قويا ثابتا متماسكا امام زبانية النظام في مديرية الأمن قدر ما استطيع حتى آخر لحظة . أعاد كبير الجلاوزة أستاذهم ما قاله لي : ( اشبيك ما تسمع .. اقل لك اكتب بخط يدك الإجابة على هذا السؤال ..

هل لديك اقوال اخرى ) ؟ أجبته مستفسرا عن اي شيء اكتب وماذا اكتب ؟ رد علي بأن اكتب ما أشاء وما ارغب فأنا حر في الكتابة . مسكت القلم وفكر ت متحسبا لكلامه واتساءل في نفسي اذا ما كان يقصد ان اكتب وصيتي أم ماذا ؟؟ . لكنني وبإنسيابية وإسترسال من دون قصد كتبت بالنص : ( انا ارفض الخروج من هنا ولا اريد العودة للبيت ) اعطيتهم الورقة ليقرأها (الأستاذ) ..

نظر لي بعيون يملأها الدهشة والتعجب وقال لي بعد قهقة على أنغام اخو هدلة : (وليش يابا ما تقبل تطلع وما تريد ترجع لبيتكم ) التفت الى الموجودين وقال لهم ( تصوروا.. حضرتوا ما يقبل يطلع !!؟ ) ثم التفت لي وقال .. (خبّرني صدوك بالله ليش يعني جنابك ما ترضى تطلع من هين ؟؟؟) قلت له : ( العفو استاذ اشوفها صعبة عليه ارجع لبيتنه والجيران كلها شافتني اشلون تم اخذي مثل المجرم مقبوض عليه واحنا عائلة معروفين واني اقرب صديق الي هو اخو الرفيق .. س .. ودائما يجيني للبيت فشنو موقفي وشنوا راح اجاوب التاس التسألني وين اخذوك وليش أخذوك ؟ لهذا السبب آني ارفض الخروج . لأن ما عندي جواب مقنع لا لأهلي ولا للناس .) وإذا به يقول لي بنبرة حادة ..

( قل لهم مثل ما قالوا الرفاق لأبوك .. انت واستاذ الإنكليزي متعاركين .. سوء تفاهم وصالحوكم.) توقفت بذهني مفردة استاذ الإنكليزي ثم قلت له (لا استاذ .. لا ما اطلع ) . صاح بي بصوت اعلى .. ( لا … تطلع واليسألك كول له مثل ما كتلك ) قلت له .. أرجوك استاذ ما اطلع .. فصرخ بي باعلى صوته وقال ( مو بكيفك .. نكول تطلع يعني تطلع .. واضح .. يلا تفضل روح لبيتكم وكون حذر وفتح عينك زين مو كلشي تشوفه تقراه بعد ) .

قلت في نفسي لنفسي احترم نفسك واسكت . وغادرتهم صامتا برفقة احد الموجودين حتى باب الدائرة .. بين الصدق واللا صدق .. بين الواقع وبين الحلم .. اقدامي تتسارع يضرب بعضها بعضا .. اتمتم بجملة واحدة لا غيرها ( الحمد لله الشكر لله ) دمعت عيوني شكرا لله العظيم ، اسأل نفسي هل فعلا اخرجوني .. الهي هل نجوت يا رب ؟؟.. لم استطع مواصلة السير فأستأجرت سيارة اجرة توصلني الى البيت .. كان الليل قد اسدل ظلامه والصمت والسكون يسطو على شارعنا بالتمام والكمال …

وقفت السيارة فنزلت منها فلمحت أحد جيراننا ينظر لي من خلف الباب المفتوح قليلا . دخلت بيتنا فكان مشهدا دارميتكيا ولا كل المشاهد . بكاء بتهليل وهلاهل في نحيب وصلاة على محمد وال محمد رغم اني علمت انهم جلبوا والدتي للتو من المستشفى إثر اصابتها بغيبوبة بعد تلك الساعة المشؤومة .. لم يزرنا زائر في تلك الليلة حتى من الأقارب ويبدو انه تحوطا وخشية من رقابة ازلام النظام .. في اليوم التالي وفي إصرار مني على مواجهة الأمور ذهبت الى المدرسة وفي درس اللغة الإنكليزية كنت منتظرا المدرس الذي غدرني وكاد يؤدي بحياتي ..

دخل الأستاذ بأناقته المعروفة فشد انتباهه وجودي لكنه تلافى الأمر وصمت ولم يعلّق شيئا وبراءة الأطفال بين عينيه !! قبل ان ينتهي الدرس طلب كعادته ان يعطيه الطلاب مصطلحات او مفردات ليرادفها في اللغة الإنكليزية.. بدأ الطلاب يسألونه ، احدهم قال له الحياة.. فأجابه (لايف) ثم قال الأخر ..الحرب فرد عليه ( واار ) فرفعت يدي وقلت له استاذ .. قال تفضل .. قلت .. جبان .. حقير … خائن .. عميل .. سافل لم اكمل كلامي بعد .. أما هو فلزم الصمت وخرج من الصف مسرعا قبل ان يطرق الجرس أما زملائي من الطلاب فقد طغت عليهم الدهشة والحيرة والسكون ولا زال بعض من التقيهم منهم يتذكر تلك اللحظات .

لم نر مدرس الإنكليزية بعد ذلك اليوم وعلمت لاحقا انه تم تنسيبه الى السفارة العراقية في موسكوا !!! اما انا فقد حمدت الله كثيرا وايقنت اننا في كثير من الأحيان نكن مسيّرين لا مخيرين لأمر يريده الله لنا وفينا ومنا ولدعاء الوالدين فضل لا يوازيه كل الكون والله واسع عليم بصير كريم … والحمد لله رب العالمين …