الأربعاء - 12 فيراير 2025

هل الكويت على أعتاب الصراع السياسي الداخلي؟!

منذ 9 أشهر
الأربعاء - 12 فيراير 2025

أ.د. جاسم يونس الحريري ||

تعيش الكويت أزمات متتالية منذ سنوات بسبب الخلافات المستمرة والصراعات بين الحكومات التي يعينها الأمير والمجالس المنتخبة انتخابا مباشرا من قبل الشعب. وتعد الكويت الدولة العربية الوحيدة من بين دول مجلس التعاون الخليجي التي لديها برلمان منتخب ديمقراطيا يملك حق مراقبة ومساءلة الحكومة. لكن في المقابل، يملك أمير البلاد حق اختيار رئيس الحكومة، كما يمكنه حل مجلس النواب المنتخب متى أراد.
وفي ضوء ذلك تعيش الكويت هذه الايام صراعات خفية غير مرئية تنعكس على السلوك السياسي لصانع القرار الكويتي حيث تولى الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الـ17 الحكم في البلاد خلفا للشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح الذي توفي في 16 ديسمبر/كانون الأول 2023، وكان الشيخ مشعل وليا للعهد منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2020.ولد في الكويت وتلقى تعليمه في مدرسة “المباركية النظامية”، ثم انتقل لبريطانيا لدراسة العلوم الشرطية.
ودخل الحياة السياسية من بوابة العمل الأمني والعسكري الذي قضى فيه أكثر من 56 عاماً منذ تخرجه في كلية “هندن” للشرطة في بريطانيا عام 1960.حيث أصدر أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح مرسوماً أميرياً يوم الأحد، الموافق 12/5/2024بتشكيل تاسع حكومة في البلاد خلال أربع سنوات. وأن المرسوم صدر بتشكيلة الحكومة الجديدة برئاسة الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح وتضم 13 وزيراً،وشمل التغيير أربع حقائب هي العدل والأوقاف، الشؤون الاجتماعية وشؤون الأسرة والطفولة والشباب، وزارة التجارة والصناعة، بالإضافة إلى وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة والإسكان. وحافظ الشيخ فهد اليوسف الصباح على منصبه نائبا أول لرئيس مجلس الوزراء وزيرا للدفاع ووزيرا للداخلية.
وضم التشكيل الجديد شريدة المعوشرجي نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزير دولة لشؤون مجلس الوزراء وعماد العتيقي الذي حافظ على منصبه نائب لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للنفط. كذلك، حافظ عبدالله اليحيا على منصبه وزيرا للخارجية، وهو أول شخص من خارج العائلة الحاكمة يتولى هذه الحقيبة في عهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، الذي تولى السلطة في ديسمبر2023. وضمت الحكومة الجديدة امرأتان هما نورة محمد المشعان، التي بقيت في منصبها وزيرة للأشغال العامة ووزيرة للبلدية، بالإضافة إلى دخول أمثال هادي الحويلة وزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل وشؤون الأسرة والطفولة ووزيرة دولة لشؤون الشباب.
ولم يتمكّن رئيس الوزراء المكلف الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح من تشكيل فريقه الحكومي منذ تعيينه منتصف أبريل 2024، بسبب رفض النواب الحقائب الوزارية التي عرضها عليهم، بسبب عدم الرضا عن الحقائب المطروحة، والبعض لتخوّفهم من أن تكون حكومة مؤقتة قد يخسرون مقاعدهم النيابية في حال انضموا إليها.وجاء التشكيل الحكومي الجديد بعد يومين من الأمر الأميري بـ “حل مجلس الأمة ووقف العمل ببعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن 4 سنوات”، إضافة إلى تولي “الأمير ومجلس الوزراء الاختصاصات المخولة لمجلس الأمة”.وعزا الأمير قراره الأخير إلى “تدخل” بعض النواب في صلاحيات الأمير وفرض البعض الآخر “شروطا” على تشكيل حكومة، مضيفا: “نجد البعض يصل تماديه إلى التدخل في صميم اختصاصات الأمير واختياره لولي عهده متناسيا أن هذا حقّ دستوري صريح للأمير”.وعلق الأمير العمل بسبع مواد دستورية أو فقرات وهي: 51، 56، 71، 79، 107، 174، و181.
ينص أبرزها على أن “السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة”، و”لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدّق عليه الأمير”، ووجوب “إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل. فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد”. وجاء قرار الحلّ قبل 4 أيام من موعد افتتاح أعمال مجلس الأمة الذي انتُخب مطلع أبريل 2024وبعدما رفض نواب المشاركة في الحكومة.وغالبا ما يكون سبب حل البرلمان مطالبة نواب بمساءلة وزراء من العائلة الأميرية على خلفية قضايا تتصل بالفساد.
ويمنح الدستور الكويتي كل نائب في مجلس الأمة حق استجواب الوزراء ورئيس الحكومة، كما يشترط وجود نائب على الأقلّ في الحكومة. وقالت وكالة “بلومبرغ” الأميركية، إنه سيكون على أمير الكويت الجديد، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، تنفيذ إصلاحات سياسية لمشاكل “قديمة” في البلاد، مضيفة أن التوقعات تشير إلى أنه “لن يكون هناك تغير كبير بالسياسة النفطية أو الخارجية” في الدولة الخليجية. وأوضح تقرير بلومبرغ، أن الحاكم الجديد مثل سلفه، سيكون عليه مواجهة نفس “الخلل السياسي”، الذي يمثل عقبة في وجه الاقتصاد، مضيفًا أن هناك “جهودا بدأت للتوفيق” بين البرلمان الوحيد المنتخب في الخليج، وبين الحكومة التي يشكلها الأمير بنفسه. وكان الشيخ مشعل الصباح قد أعرب عن دعمه لضخ وجوه جديدة في الحكومة، وفق بلومبيرغ.
كما لفتت الوكالة إلى أنه “من غير المرجح” أن يحذو الأمير الجديد حذو الإمارات والسعودية في تسليم السلطة لجيل أصغر سنًا، حينما يتعلق الأمر باختيار ولي العهد، والذي قضت العادة أن يتم اختياره على أساس الخبرات الواسعة، جانب ضرورة أن يكون من نسل الشيخ مبارك الصباح، الذي يعتبر مؤسس الكويت الحديثة والذي توفي عام 1915. ولفتت بلومبرغ إلى أن الكويت تعد من أغنى دول العالم، لكنها افتقرت لحكومة مستقرة لسنوات، مما جعل هناك تأخيرا في إقرار القوانين، ومن بينها مشروع قانون يسمح للحكومة بالاقتراض أو السحب من الصندوق السيادي للبلاد، مما يجعل الدولة عرضة لأزمات وقت الصدمات الخارجية، على غرار وباء كورونا. ويأمل كويتيون في أنه مع استمرار مثل هذه الخطوات، ستتعاون الحكومة والبرلمان لحل القضايا المتعلقة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
بروفيسور العلوم السياسية والعلاقات الدولية/ العراق
[email protected]