وقفة تأمّل على هامش الزمان..!
كوثر العزاوي ||
ثمة قواعدَ في الحياة تلازم حركة الإنسان وقد تنوعت أشكالها من حيث النفع والضر، والسلب والإيجاب، وكلّنا يدرك أنّ الإستغراق في الحديث عن أيّ أمر، صالحًا كان أم طالحا، فإنه يزيدُ في شُهرته وانتشاره، ومن بين مايميّز زماننا هذا هو كثرة المحتويات التافهة التي تحوّلت إلى أيقوناتٍ فارغة لا روح فيها، ولو تأمّلتَ ماوراءها لسخِرت من زمان تجد فيه
التافهين أكثر شهرة ممن يقدّم المعرفة ومناهج التهذيب، فينبري ذو الجهل برفع منسوب المشاهدات لتجّار التفاهة وتسويقها عبر وسائل التواصل دون تفكير، ولا ضابطة من وعي، ولو تصفّحت قصص الذين تحولّوا لأيقوناتٍ عند البعض، لوجدتَ أنَّ عدد متابعيهم يتضاعَف على الرّغم من حجمِ الفضائح التي تعرّضوا لها عندما بدَت لهم سوَءاتهم أكثر مما بدَت لغيرهم، ولو أمعنا النظر قليلا لوجدنا العيب فينا وليس فيهم، فالتافهُ ذاك، لو تغافلته الأغلبية لطُمسَ ذكره، ولو لم يجد منَ الناس اهتمامًا لِما ينشر ويروّج، لكان هو وبضاعتهِ الوضيعة على الهامش ولا من آبهٍ له إلّا من يشابهه، وحتى محاولة انتقادهم وعدم الرضا عنهم بذريعة معالجتهم، هو في الواقع يزيد في شهرتهم أكثر، لانّ مناهُم هو انتشار محتوياتهم وإحراز أكبر عدد من المشاهدات ولو نزلت بهم الى الحضيض، ولو عارضها الواعون وأصحاب الذوق الرفيع، لذا فالحل هو: ان نميت التفاهة والباطل بعدم الإكتراث والمرور على محتواه كمن يمر على جيفة تزكم الأنوف، وأن نضع قبال تفاهاتهم مايَنشرُ ذوو العلم من جواهر ماينشرون من لّباب الأدب والمعارف التي تساهم في ارتقاء الفرد والمجتمع، وماهذا السبيل سوى أضعف الإيمان في ظل التراخي، وغياب قانون يحمي الذوق العام، ويعزز مرتكزات القيم الإنسانية من التسطيح، عبر مؤسسات تقوم بدور حضاريّ في صيانة المجتمع من السقوط بسبب الإنفلات الأخلاقي الذي تتبناه شريحة من الساقطين المأجورين، حيث لم يجدوا لهم رادعًا من تشريعٍ ولا وازعٍ من ضمير، بل الأنكى منه
هو أنّ كلّ محتوى تافِه تتابعهّ،
أنت جزء من ثروته، وكلّ مفهوم منحرف، جزء من إثمهِ في رقبتك،
فالتافه، والعاصي، والممثل، والمغنّي والمدوَّن الهابط، والمغالي، والفاسق الذي يجاهر اللهَ بالفسق، فتأتي أنت وتعطيه”متابعة” أو “لايك” أو إعادة نشر له على تطبيقات التواصل المتعددة، ستكون انت مشترِك معه بترويج الفاحشة، وساندٌ له في نشر التفاهات من المواضيع، أو مساهم في تأكيد الأفكار المنحرفة وغير ذلك مما يكون سببًا مؤكَّدُا في تضليل المجتمع أو سقوط بعض أفراده، أو انحراف بعض آخر عن طريق الفضيلة والإستقامة، وبذلك تكون مصداقًا سيئًا لما نهى الباري عزوجل عنه في قوله تعالى:
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَه فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} الحشر ١٩
٧-ذوالقعدة-١٤٤٥هجري
١٦-مايس-٢٠٢٤م