شعب يبكي رئيسه؛ وشعوب تلعن رؤساؤها..!
عدنان جواد ||
قال الامام علي عليه السلام: (خالطوا الناس مخالطة ان متم معها بكوا عليكم، وان عشتم حنوا اليكم) ، وهذا هو نظام الحياة الاجتماعية الصحيح، والذي طبقه الرسول الكريم ( صل الله عليه واله وسلم) والامام علي في حكم المسلمين، وتعني المخالطة بمكارم الاخلاق، فيبكون عليهم اصحابهم اذا ماتوا ويحنون اليهم اذا غابوا وهم احياء، ولا نريد ان نغوص في التاريخ ونذكر احداث مختلف عليها، وانما شواهد شارك فيها الكثير ومصورة وموثقة، ففي الكثير من الدول العربية التي تم اسقاط رؤساؤها من قبل الشعوب نفسها عن طريق التظاهرات والاحتجاجات ، او عن طريق الانقلابات او التدخلات الدولية وهي لا تتم بدون رضا الشعوب، وطبعاً بعد الدعاء عليهم في السر والعلن، ولعنهم ولعن حواشيهم واتباعهم الذين تسلطوا على الرقاب، والذين شبعوا والشعوب جياع، والذين يأكلون ما لذ وطاب والشعب يبيع حاجياته حتى يسد لقمة عيشه، ويسكنون القصور واغلب الشعب يسكن الخرائب، وفي الليل في الملاهي وفي النهار في الظلم والقهر، والشعب من اجل لقمة العيش يسهر، ولليوم الثاني يخرج من الفجر، لذلك وفي اول ضعف للقوة والجبروت سقطوا وذهبت قوتهم وسلطتهم وهيلمانهم وسطوتهم وماتوا فلعنتهم شعوبهم، فخسروا دنياهم واخرتهم.
وقد راينا ذلك ماثلا امامنا، وبالأخص في منطقتنا، فاين الشاه الذي كان يسمى ملك الملوك، واين السافاك والجيوش المجيشة، مات وحيداً فريداً في مصر تخلت عنه الدول التي كانت تدعمه وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، وهو كان عميلها الاكثر دعماً في المنطقة بعد اسرائيل، وحتى سكرتيره الخاص ومحاسبه تخلوا عنه ، ولم يبكي عليه الشعب الايراني في حينها، واين صدام الذي كان ينعت بنعوت البطل القومي، والقائد الضرورة، ومحبوب الملايين، والذي كان يحكم بالنار والحديد، وبمجرد الكلام يسجن او يعدم من يذكره بسوء، وبمجرد ذهاب قوته تركه المنافقين والحواشي ، بل باعه اقرب الناس اليه لأنه يعلم ان لا أحد يحبه ما عدا المستفادين منه، ولا يمكن ان يعود للسلطة لان الشعب كرهه ويلعنه صباح مساء، وفي نهاية المطاف تم اعدامه والناس تهلل وتصفق وهي فرحة بموته، ولا ننسى معمر القذافي وماذا حل به وبعائلته، وحسني مبارك وقبله السادات في مصر كيف رفضتهم الناس، ولا ننسى رئيس تونس زين العابدين وماذا حل به، حين رفضه الشعب التونسي.
ما اثار مشاعري واختياري لهذا العنوان لمقالتي هو ما شاهدته من مشاعر الحزن والبكاء من قبل الشعب الايراني على فقدان رئيسهم ابراهيم رئيسي بحادث سقوط الطائرة في محافظة اذربيجان، والالاف من المشيعين في مدينة تبريز، وزاد العدد في مدينة قم وقطعاً سيزداد العدد في العاصمة طهران، وهذه المشاهد ليس غريبة على المتابع المحب والحاقد، والقاصي والداني، فقد راينا الملايين في تشييع الامام الخميني(قدس) وكيف لم تستطع الجهات المختصة في دفنه لكثرة المشيعين، فنرى الفرق بين من يحكم بمنهج الامام علي فتبكي عليه الناس وبين من يحكم بمنهج معاوية وكيف تلعنه الناس، والامام الخميني والشاه محمد رضا ليس ببعيد، فمن يحكم بالعدل وكتاب الله وخدمة الناس، ويعيش كما يعيش الناس في بيوت متواضعة بعيداً عن القصور والقناطير المقنطرة من الاموال، والجيوش المجيشة التي تحمي ملكة وتفرض سطوته على الناس، يتفقد احوال الشعب ليل نهار، يذلل الصعاب ويوفر لهم العيش الكريم، يجوع كما يجوعون، يعالج مشاكلهم ويجد لها الحلول، قطعاً سيكون محبوباً ، تبكيه الناس عند موته، وتحن عليه عند ابتعاده، ومعرفة اهل الخير والعطاء سهلة لا تحتاج عناء، وكما قال الامام الباقر عليه السلام: (اذا اردت ان تعلم ان فيك خيراً فانظر الى قلبك، فان كان يحب اهل طاعة الله ويبغض اهل معصيته ففيك خير، والله يحبك، وان كان يبغض اهل طاعة الله ويحب اهل معصيته فليس فيك خير)، فليكن حكامنا من اهل طاعة الله فان الحكمة في مخافة الله، تبكي عليكم الناس عند مماتكم وتدعوا لكم بدل ان تلعنكم، ونحن من البسطاء من الناس لننظر من نتبع هل نتبع من يطيع الله فيبتعد عن الكذب والحرام، ويكون في ماله حصة للفقراء، ويسكن مثل ما نسكن، لا يتكبر، قليل الكلام كثير الافعال في البر والتقوى، يخمد نار الفتن، قوي على اتباع الشيطان ناصح امين، ونبتعد عن من يخدعنا ويكذب علينا ويخلط الحق بالباطل فنصبح من الذين لا يحبهم الله ومن الذين ليس فيهم خير.