الثلاثاء - 14 يناير 2025

ولاية الفقيه مصنع الخواص والانتاجية المستمرة..!

منذ 8 أشهر
الثلاثاء - 14 يناير 2025

رسول حسين ||

للمجتمع تقسيمات تختلف باختلاف اللّحاظ والحيثيّة، فإذا نظرنا من زاوية التأثير والقدرة على الارتقاء بالمجتمع في سلّم الكمال، نجد فئةً خاصّة لها آراؤها وتأثيراتها، وأخرى تتأثّر وتنقاد على غير هدي ووعي، بل يخوضون في ما خاض فيه الناس والجماعة، وإلى ذلك يشير الإمام الخامنئيّ دام ظله قائلاً “إذا نظرتم إلى المجتمع البشريّ؛ أيّ مجتمع كان، وفي أيّة مدينة أو بلد، تجدون الناس فيه يُقسمون من وجهة نظر معيّنة إلى فئتين، فئة تسير عن فكر وفهم ووعي وإرادة، وهي تعرف طريقها وتسلكه، ولا يهمّنا في هذا المقام إذا كانت هذه الفئة على صواب في مسلكها، أو على خطأ، وهذه الفئة يمكن تسميتها بالخواصّ. وفئة أُخرى لا تنظر لترى ما هو الطريق الصحيح، وما هو الموقف الصائب، ولا يهمّها أن تفهم وتحلّل وتقيس وتدرك، بل تتّبع الجوّ السائد والهوى العامّ، ولنُسَمِّ هذه الفئة بالعوامّ.

في البداية يجب تبيين ماهية الخواص و لا بد أن نشير إلى التقسيم الذي قسمه سماحة الامام الخامنئي حفظه الله بين الناس والمجتمع بلحاظ معين، ينقسم الناس إلى خواص وعوام، والخواص يقسمون إلى خواص جبهة الحق، وخواص جبهة الباطل، والعوام ينقسمون أيضاً إلى عوام الحق وعوام الباطل، وأخيراً نفس خواص جبهة الحق ينقسمون إلى خواص الحق المنتصرين الثابتين في ميدان الصراع، وخواص الحق المنهزمين أمام مغريات الدنيا واللذين أخفقوا في الصراع بين الحق والباطل. ولعل التقسيم الأولي بهذا اللحاظ يفسر شيئاً من الرواية المعروفة عن الامام علي عليه السلام حيث يقول (الناس ثلاثة، فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع يميلون مع كل ناعق..)، فالصنفان الأولان هما من الخواص وأمَّا الصنف الثالث فهو كما هو واضح من العوام.

ولكي نكون أكثر دقة نورد هنا تعريف الخواص وفق ما عرفهم سماحة القائد حيث يقول في تعريفهم (هم الشريحة التي تتصرف بعد تفكير وإرادة، فتعرف طريقها وتسير عليه – سواءً كانت صالحة أم لا) وهذه هي فئة الخواص. ونعرف العوام وفق تعريف سماحته لكي يتضح تعريف الخواص أكثر، حيث يقول في تعريف العوام (فئة أخرى لا تنظر لترى ما هو الطريق الصحيح، وما هو الموقف الصائب، ولا يهمها أن تفهم وتحلل وتقيس وتدرك، بل تتبع الجو السائد والهوى العام).

إذن العوام يتبعون الخواص، فإن كان خواص الحق يقظين ومنتصرين على مغريات الدنيا ويمتلكون زمام الأمور فسيتبعونهم العوام وستكون الأمة بخير، وإلا فإن العوام سيتبعون خواص الباطل ويكونون بذلك عوام الباطل، وبهذا يتضح شيء من أهمية خواص الحق وموقعيتهم. وخواص الحق كما يعرفهم سماحته هم (مجموع الأشخاص المثقفين الواعين العاملين في طريق الحق، فهم ممن عرف الحق وعرف أهله فتحركوا وانطلقوا لأجله، إنهم أهل التشخيص). وفي مقابلهم يقف خواص جبهة الباطل وهم (مجموعة أعداء الحق والرافضين له، لا يتوقع من أولئك إلا الوقوف في مواجهة الحق ووضع البرامج والخطط للقضاء عليه).

وما يهمنا هنا هو خواص الحق، لا بد من الإشارة إلى أن ملاك ومعيار تمييز الخواص من العوام ليس مقدار العلم، أو كون الإنسان في عداد أصحاب الدراسات العليا، وهذا ما بينه سماحة القائد بقوله (ما أكثر الذين أنهوا مراحل دراسية عليا لكنهم يحسبون في عداد العوام)

هنا يورد سماحته مثالاً لطيفاً ليبين فيه ضابطة كون الإنسان من العوام أم من الخواص، وأن ذلك مرهون بالدراية والتحليل والبصيرة والانقياد. يقول سماحته في أيام اندلاع الثورة وقبل انتصارها كنت في المنفى في مدينة إيرانشهر، وكان في إحدى المدن القريبة منها عدة أشخاص من بينهم سائق، وكان هؤلاء الأشخاص من ذوي الثقافة والمعرفة، رغم أنهم يصنفون ظاهريا في عداد العوام، إلا أنهم في الحقيقة كانوا من الخواص، كانوا يأتون للقائنا في مدينة إيرانشهر وينقلون لي حوارهم مع عالم الدين في مدينتهم… رووا في إحدى اللقاءات أن عالم مدينتهم سألهم لماذا يصلون على النبي صلى الله عليه وعلى آله بيته وسلم مرةً واحدةً حينما يذكر اسمه المبارك بينما يكررونها ثلاثاً لدى سماع اسم الإمام الخميني؟ فأجابه سائق الشاحنة بأنهم ربما لن يحتاجوا إلى تكرارها بعد انتصار الثورة الإسلامية واتساع رقعة الإسلام، لكن في الوقت الحالي فهذه الصلوات هي جهاد ومواجهة للحكومة الطاغوتية… لم يع عالم مدينتهم عمق هذا الفعل وكان بذلك من العوام بينما سائق الشاحنة كان بفهمه ووعيه من الخواص… هذا مثال ضربته لتوضيح المعيار في تصنيف الأشخاص… قد يكون واحدهم أي الخواص رجلاً أو امرأة، متعلماً أو غير متعلم، غنياً أو فقيراً.

كما يجب توضيح أهم مميزات خواص الحق وأهم صفاتهم وما يجب أن يتوافر فيهم، وأول هذه الصفات هي البصيرة وهي من أولى مميزات خواص الحق والركيزة الأولى وأول ما يخطوه الفرد من خواص الحق، ويمكن أن نعرف البصيرة بأنها (وضوح الرؤية والنظرة الثاقبة وانشراح الفؤاد، فالبصر هو العين الظاهرية بينما البصيرة هي عين الفؤاد والقلب). وفقدان البصيرة تعني فيما تعنيه كون الإنسان من العوام، ثانيا الدفاع عن الحق ويعني ذلك الملازمة للحق ومجانبة الباطل، فبعد أن يشخّص خواص الحق جبهة الحق التي من أبرز مصاديقها بل محورها هو القيادة وقيادة الحق تحديداً لتكون هي المحور، فحال خواص الحق إذن هو الاستماتة في الدفاع عن الحق بعد معرفته ومعرفة مصاديقه، ثالثا الثبات على الحق فبعد معرفة الحق والدفاع عنه ونصرته لا بد أن يستديم خواص الحق بالثبات على ذلك على طول الخط، اتَّضَحَ إذن معنى خواص الحق والملاك الذي يحددهم عن غيرهم من العوام، وهذا يستدعي من المرء أن يقف مع نفسه ليسألها أهي من العوام أم الخواص وخواص الحق تحديداً؟ فإذا ما وجدها من العوام فليسارع إلى انتشالها.

وفي حديث منقول يبيّن الإمام الخامنئيّ دام ظله مدى أثر حركة الخواصّ على العوامّ، وكيف يمكن للخواصّ أن يحوّلوا الرأي ويغيّروا المسار، فيقول “جميع الأكابر والخواصّ من أنصار الحقّ… هؤلاء بأجمعهم حينما أحسّوا ببطش السلطة الحاكمة، تخاذلوا رغبةً في الحفاظ على أنفسهم وأموالهم ومناصبهم. ونتيجة لتخاذل هؤلاء، مال عوامّ الناس إلى جانب الباطل. لو نظرنا إلى أسماء أهل الكوفة الذين كاتبوا الإمام الحسين عليه السلام ودعوه إلى القدوم إليهم، وكان كلّهم طبعاً من طبقة الخواصّ، ومن أكابر القوم ووجهاء الناس، وكان عدد الرسائل هائلاً، بلغ مئات الصفحات، والذين كتبوها غالباً من الأعيان والوجهاء، يتبيّن من خلال لهجة تلك الرسائل كم عدد الخواصّ من أنصار الحقّ، من كان على استعداد للتضحية بدينه من أجل دنياه، ومن منهم كان حريصاً على التضحية بالدنيا في سبيل الدين. ولكن بما أنّ عدد الذين يميلون إلى التضحية بالدين في سبيل الدنيا كان أكبر، آلت النتيجة إلى مقتل مسلم بعدما بايعه ثمانية عشر ألفاً من أهلها. وبعد ذلك خرج منها عشرون أو ثلاثون ألفاً لقتال الإمام الحسين عليه السلام. معنى هذا أنّ حركة الخواصّ تجلب في أعقابها حركة العوامّ”.