الفن لوقف الحروب والكراهية..!
نعيم الهاشمي الخفاجي ||
مخطىء من يعتقد أن الفن يتراجع في زمن الحروب، بل يلعب الفن بمختلف فروعه من غناء ومسرح ورسم دور فعال لتوثيق الاحداث، لكن بوضعنا العراقي، استعمل صدام الجرذ الهالك الفن والفنانيين في تمجيد جرائمه القذرة بحق أبناء الشعب العراقي، وبحق ضحاياه من دول الجوار، بشكل همجي وقذر.
شعوب العالم ومنذ العصور القديمة استعملت الفن مثل الرسم والنحت لتوثيق الحروب التي وقعت، كبديل عن الكاميرا،وتم تسجيل وتوثيق الانتصارات والحروب والأحداث الكبرى عن طريق النحت أو الرسم على الجدران ، وهذا ما هو مكتشف في آثار الفنون الفرعونية والآشورية.
من ضمن توثيق تلك الحروب لنا بجدارية معركة قادش: ويظهر فيها الجيش المصري القديم، وكتائبه المختلفة من مشاة ورماة، بقيادة الملك رمسيس الثاني في مواجهة الحيثيين مع ملكهم المقنع.
لدينا لوحة الفنان بيكاسو وثق تدمير قرية غيرنيكا الاسبانية عام ١٩٣٧ من قبل نسور الجو الألمان قصفوا البلدة الصغيرة مدة ثلاث ساعات، وقتلوا معظم سكان القرية بدون أي رحمة، مثل مافعل الطيارين العراقيين في قصف مدينة حلبجة وقصف فندق في النجف بقمع الانتفاضة عام ١٩٩١، بعد إلقاء القبض على سبعة آلاف مواطن ووضعوهم في فندق وتم قصفهم بالطيران، وقتلهم جميعاً.
في الحرب الاهلية في رواندا كانت العصابات المجرمة من الهوتو يقتلون الضحايا على أنغام الموسيقى، قال أحد مرتكبي الجرائم من الهوتو (مجموعة عرقية اشترك كثيرون منها في الحرب الأهلية الرواندية 1990-1994) إن الإبادة الجماعية كانت بمثابة مهرجان، وتذكّر الاحتفال بيوم القتل بالجعة وحفل شواء مع زملائه القتلة، في المقابل، قالت إحدى الناجيات من التوتسي إن الجناة المخمورين يغنون بينما يطاردون ضحاياهم وينخرطون في عمليات قتل ضحاياهم.
كانت مفارز الانضباط العسكري بالعراق في سيطرة الكوت بعام ١٩٨٧ تعتقل الجنود لأسباب منها عدم وضع البرية على الرأس، كانوا يجلدون الجنود ويغنون اغنية حماسية لزبانية صدام تقول( هم أجوا للموت محد جابهم)، اتذكر رأيت اعتقال أكثر من مائة جندي مسكين، وضعوهم في معسكر انضباط، وتم تعذيبهم، وكان الجلادين يضربون الضحايا بالسياط وهم يستمعون اغاني عسكرية.
قضية دخول جمال خاشقجي إلى قنصلية بلاده في تركيا، وخرج منها في أكياس معلبة، دكتور سعودي قام في تقطيع أوصال خاشقجي على أنغام موسيقى تنظيم القاعدة وداعش.
ماحدث بالعراق، استعملوا الموسيقى والاناشيد من قبل المجرمين لتعذيب الضحايا، على عكس شعوب دول العالم الأخرى.
على سبيل المثال توجد، أغنية للفنانة الأمريكية جوان بايز، اسم الاغنية بالعربية يعني (ستكون لنا الغلبة)، وغنتها المغنية الأمريكية جوان بايز عام 1963، يعتبر الكثيرون هذه الأغنية واحدة من أهم الأغنيات التي تظاهرت ضد القمع بشكل عام، وصفتها مجلة Rolling stone الأمريكية (الأيقونة الغنائية) لحركة الحقوق المدنية التي قامت في أمريكا في الستينيات وشهدت احتجاجات من الأفارقة الأمريكيين ضد العنصرية.
على المستوى العربي المطربة اللبنانية المسيحية فيروز، رفضت خيانة حزب الكتائب وزعيم الطائفة المارونية البير إجميل واولاده، وسكنت فيروز بالضاحية الجنوبية مع الشيعة اللبنانيين، واسمها الحقيقي نهاد حداد، رفضت أن تُجرّ إلى خصومات سياسية أو دينية ولا سيما خلال سنوات الحرب الأهلية (1975-1990)، وتصدّرت أغنياتها الإذاعات المتناحرة على جانبي خطوط القتال.
في حرب غزة، نشيد سلام يا مهدي، أصبح ترند عالمي، تم تصوير نشيد سلام يامهدي بصيف عام ٢٠٢٢ وانتشرت بشكل واسع بالعالم وترجمت إلى كل اللغات، في حرب غزة الحالية، في حرب السابع من أكتوبر الماضي، تداولت المواقع بالتواصل الاجتماعي سلام يامهدي وبشكل خاص على منصة تيك توك، عدد من استخدموا وسم سلام يامهدي، قد تجاوز 284 مليون بغضون ايام، وتجاوز النشيد حدود الجغرافيا والدين، وأصبح يستخدم للتضامن مع القضية الفلسطينية عبر العالم.
مطربة شابة سويدية شقراء غنت إلى فلسطين وطالبت بوقف الحرب، تفاعل معها الملايين بل شاهدت مظاهرات في العديد من الدول الاوروبية غنوا في اغنية الشابة السويدية التي طالبت بوقف الحرب، قبل ايام غنى شاب اسمه ود الزين اغنية لوقف حرب السودان، والشاب هز مواطن سوداني.
الشاب ود السوداني لم يكن اول شاب غنى وطالب بوقف الحرب الدائرة بالسودان، ولايعني وجود هذاالمطرب، يعني عجز الساسة السودانيين لوقف الحرب، لأن مشكلة السودان باتت ساحة لحروب الدول العظمى الخمسة النووية، بل حتى اوكرانيا تدخلت بقصف مواقع قوات شعبية سودانية موالية إلى روسيا، لذلك من يعتقد أن الفن يتراجع بزمن الحروب، هذا الاعتقاد خطأ، بل العكس صحيح.
أغنية الشابٍّ السوداني المعروف باسم «ود الزين» غنى وفق اللهجة السودانية، هذه الأغنية، احتفى بها السودانيون بمواقع التواصل الاجتماعي وفي قنواتهم التلفزيونية، وحقّق مقطع الأغنية رواجاً كبيراً، منذ انطلقت الأغنية على منصة تيك توك، الأغنية على تيك توك، الفنان السوداني الشاب ود الزين يغني أغنية اسمها صباح انتباهك، ركز بكلماته دعوة القادة المتقاتلين إلى وقف التناحر والسلام، حسب موقع العربية خلال أسبوع تم مشاهدة المقطع من قبل مليون شخص.
المطرب ود الزين عبّر عن سعادته بالتفاعل الذي قوبلت به الأغنية، خاصةً أن الأغنية تتحدث عن أهمية التسامح والسلام، وتلبي رغبة السودانيين في أن يصبح السلام دائماً بين أهل السودان. وذكر ود الزين في حديث لـ«العربية نت» أنَّ الأغنيةَ من كلمات الشاعر سفيان جنو، وتم إنتاجُها بعد اندلاع الحرب الطاحنة في السودان.
توجد اغنية لمطرب سوداني اسمها صبوحة خطبها نصيف، كان المعارضين لنظام البعث في الكويت ومنهم المناضل الوطني الكبير الاستاذ وداد فاخر، يقول كنا وكذلك، كان معنا مواطنين كويتيين شيعة عندما يمرون بالقرب من سفارة صدام جرذ العوجة، يفتحون صوت عالي من مسجلات سياراتهم اغنية صبوحة خطبها نصيف نكاية بصبحة طفاح والدة صدام الجرذ الهالك ههههه.
نعم أصبح عراقي يقتل عراقي اخر لكونه شيعي، والاخ البعثي الطائفي يريد يحكم الشيعي والكوردي بعقلية حيوان متوحش ظالم يريد قتل الجميع.
للاسف البيئات المجتمعية العربية، يغلب عليهم الجهل والسذاجة، بسبب تعرضهم لقرون طويلة من الاضطهاد والقمع، انتج ثقافة القطيع.
توجد قصة جميلة لعالم اجتماع فرنسي، القصة تعرف قصة خرفان بانورج وروح القطيع، روى الكاتب الفرنسي فرانسوا رابليه، قصة رجل يدعي بانورج، كان في رحلة بحريّة على متن سفينة. وكان على نفس السفينة تاجر الأغنام دندونو ومعه قطيع من الخرفان المنقولة بغرض بيعها.
كان دندونو تاجراً جشعاً يمثل أسوأ ما في هذا العصر وهو غياب الإنسانية.
حدث أن وقع شجار على سطح المركب بين بانورج والتاجر دندونو، صمم على أثره بانورج أن ينتقم من التاجر الجشع، فقرّر شراء خروف من التاجر بسعر عال، وسط سعادة دوندونو بالصفقة الرابحة.
وفي مشهد غريب يمسك بانورج بالخروف من قرنيه ويجره بقوة إلى طرف السفينة ثم يلقي به إلى البحر، فما كان من أحد الخرفان إلاّ أنْ تبع خطى الخروف الغريق ليلقى مصيره، ليلحقه الثاني فالثالث والرابع وسط ذهول التاجر وصدمته، ثم اصطفت الخرفان الباقية في طابور مهيب لتمارس دورها في القفز.
جن جنون تاجر الأغنام دندونو، وهو يحاول منع القطيع من القفز بالماء ، لكنّ محاولاته كلها باءت بالفشل،فقد كان إيمان الخرفان بما يفعلونه على قدر من الرسوخ أكبر من أن يُقاوم .
وبدافع قوي من الجشع اندفع دندونو للإمساك بآخر الخرفان الأحياء آملا في إنقاذه من مصيره المحتوم ، إلّا أن الخروف،المؤمن، كان مصراً على الانسياق وراء الخرفان، فكان أنْ سقط كلاهما في الماء ليموتا معا غرقا.
ومن هذه القصة صار تعبير خرفان بانورج، مصطلحاً شائعاً في اللغة الفرنسية ويعني انسياق الجماعة بلا وعي أو إرادة وراء آراء أو أفعال الآخرين.
ليس أخطر على مجتمع ما من تنامي روح القطيع لديه،
كثيرا ما تصادفنا في حياتنا الآن قطعان كاملة من خرفان بانورج ، تردد كلاما أو تفعل أفعالا لمجرد أنها سمعت أو رأت من يقوم بذلك.
شعوب العالم وثقت جرائم الطغاة من خلال الفن والرسم، ونحن بالعراق مختلفون على حقنا للأسف، بل هناك مكون عراقي لازال يعتبر صدام الجرذ زعيمه وقائده الشجاع، رغم إخراجه من حفرة الجرذان القذرة.
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
29/5/2024