الوظيفة المعرفية في القضية المهدوية..!
🖋 الشيخ محمد الربيعي ||
أنَّ المؤمن يمرُّ باختبار في جانب المعرفة والعقيدة والوعي، وما لم يكن له سلاح معرفي قوي فإنَّه سيسقط في الاختبار، ويقع في الانزلاقات الفكرية، والانحرافات العقائدية، وإن كان باطنه حسناً، وكان طيِّب القلب ويصلي ويصوم ويقوم الليل، ويختم القرآن، ولكن ما لم يكن هناك معرفة ووعي لا يزيده كثرة العمل إلا بعداً وضلالا.
والمحور الذي ركَّز عليه الإسلام ولم ينادى في أيِّ شريعة من الشَّرائع -لا شريعة قانونية نظامية ولا غيرها من الشَّرائع- كما نادى الإسلام بالعقل ومحورية التَّفكر، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ..}، {أَفَلَا يَعْقِلُونَ..} {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ..}، وأساس الدين المعرفة، أوَّل الدِّين معرفته كما عن الأمير.
إذن، المعرفة هي المحور الأساسي الذي ينبغي أن يتسلَّح به المؤمن في زمان الغيبة، فينبغي عليه أن يستفرغ الوسع في تقوية معرفته بمسألة المهدويَّة، وأبحاثها، وشخص الإمام، وأدوار الإمام، ومقامات الإمام حتى يكون على درجة واعية، فكما نحتاج إلى وازع قلبي عن الذُّنوب، فإنِّنا نحتاج إلى وازع ومانع وإلى قلعة حصينة معرفية فكرية في الوعي والبصيرة حتى لا تدخل التَّيارات والأفكار الفاسدة فتفسد على الإنسان، ولهذا ورد التَّأكيد في مضمون الرِّوايات الشَّريفة على هذا السِّلاح، وأنَّه من عبد الله ولم يعرفه فإنَّ عبادته ضلال، ومن لم يعرف الله حقَّ معرفته فتكون عبادته عبادة على شفا جرف هار، فينهار به إلى نار جهنَّم، وهذا ما حصل إلى بعض التَّيارات، إذا استقرأنا بعض الأشخاص الذين خرجوا على أمير المؤمنين كالخوارج، الخوارج التبست عليهم اللوابس، التبست عليهم الظُّلمات المعرفية، وإن كانوا هم من حيث السلوك يقرؤون القرآن، وكانوا يصلون صلاة الليل، وكانوا يبكون، حتى أنَّ أمير المؤمنين في إحدى الليالي كان مع أحدِ أصحابه وسمع بكاءً يخرج من أحد المنازل، فقال صاحب الإمام إلى الإمام: هذا له مقامات في الجنَّة، يغبطه، فقال الإمام: لا عليك، هذا الرنين سيدخله إلى النار، وكان بعد زمان في واقعة صفين كان ضدَّ أمير المؤمنين؛ لأنَّه انحرف انحرافا عقائدياً.
فهذه مسألة خطيرة، فعلى اللسان قد تكون الآن تستقبلها بأنَّها سهلة، ولكن حينما يقرأ الإنسان حياة بعض الشخصيات ويلاحظ الروايات ويقف وقفة تأمل وتفكر ووعي سيدرك بأنَّه لا بدَّ أن يحصِّن نفسه تحصيناً قوياً بمعرفة الإمام، ولا تقتصر المعرفة أنَّنا نعرف أنَّ إمام زماننا مولود، وأنَّه كذا قد يحصل حينما يخرج، بل ينبغي أن نعرف بعض مقامات الإمام.
بعض أصحاب العقول الناقصة -لقصر معرفتهم- كل ما يرد عليه مقام من مقامات الإمام يعرضه على عقله الفاتر القاصر، فإذا لم يستوعبه فإنَّه يسارع في إنكاره، ولا يكون إنكاره إنكار عن معرفة دقيقة موضوعية؛ لأنَّه لنقص معرفته أنقص الإمام، وأنزل الإمام(سلام الله عليه) في غير منزله، ويكون مصداقاً لمن سلب حقاً من حقوق الإمام(سلام الله عليه)، لا يتوقَّف فقط سلب الحقِّ أنَّهم أخذوا منه الخلافة، أو أنَّنا لا نعترف بإمامة مولانا صاحب العصر والزمان، بل سلب مقامات الإمام هو نحو من سلب الحقِّ، ونحو من الضَّلالة، وماذا بعد الحقِّ إلا الضَّلال المبين!! لا يوجد واسطة بين الحق والباطل، فهذا الحق وهذا المقام إن كان ثابتاً لمولانا صاحب الزَّمان فإنكاره يكون نقصاً معرفياً، يوجب أن يكون الإنسان واقعاً في طريق الضَّلالة.
ومن هنا، ينبغي على كلِّ مؤمن يجدِّد بيعته مع إمام زمانه كلَّ يوم أن يكون تجديد البيعة ناشئاً من معرفة واضحة، ولهذا الذي بقوا مع أمير المؤمنين هم خلَّص أصحابه، الذين وصلوا إلى درجة عالية من معرفته، والذين جاهدوا أنفسهم في معرفة إمام زمانهم، وهكذا الذين بقوا مع الإمام الحسين(سلام الله عليه) هم الصَّفوة التي وصلت إلى درجة من المعرفة.
إذن، السَّلاح الأوَّل الذي ينبغي أن يتسلَّح به المؤمن هو سلاح المعرفة، وسلاح الوعي المعرفي، والوعي البصيري، فينبغي عليَّ أنا المؤمن -كوظيفة فردية- أن أقوِّي جنبة معرفتي بإمام زماني(سلام الله عليه).
وهناك وظيفة اجتماعية أيضا، فينبغي على المؤمن أن يسعى إلى تثقيف أهله، وتثقيف أولاده، وأسرته، أن يزرع المعرفة في مجتمعه.
وليس هذا مقتصرٌ على طالب العلم، كلا، فهذه مسألة مرتبطة بمعرفة الإمام، معرفة الإمام ليس فقط طالب العلم مطالب بها، بل كلُّ مؤمن ينبغي عليه أن يسعى كلٌ بحسبه وقدرته.
ومن هنا تكمن أيضاً أهمية الارتباط بالعلماء والفقهاء، فكلُّ التَّيارات التي ظهرت منذ زمان الغيبة الصُّغرى إلى زماننا يركِّزون كلُّهم على محورٍ واحدٍ مشتركٍ مع اختلافات بينهم على إبعاد المؤمنين والمجتمع الشَّيعي عن مرجعياته، وعن حوزته، وعن علمائه؛ لأنَّهم يعرفون أنَّ هؤلاء الشِّيعة إذا ارتبطوا بمحور الفُقهاء والعلماء الرَّبانيين كان لديهم قلعة حصينة لا يستطيع أهل الضَّلالة أن يتخطوها، فماذا يصنعون؟ حاولوا جاهدين أن يضربوا هذا الارتباط، تارة أنَّه لا معنى للتَّقليد، وتارة أنَّ كلَّ شخص لديه عقل يستطيع من خلاله تمييز الحقِّ من الباطل، وهكذا من الشُّبهات الكثيرة التي تروج خصوصاً في هذه الأزمنة.
وإذا راجعنا النُّصوص الشريفة سنجد الدَّور المهم للعلماء في حفظ الشَّريعة، والأئمة(سلام الله عليهم) لمَّا ركزوا على دور العلماء وعلى ضرورة ارتباط المؤمنين بهم، قام هؤلاء المستشرقون وغيرهم بمحاولة زعزعة عقائد المؤمنين من خلال ضرب هذه العلاقة. لاحظوا بعض الروايات التي تؤكد على مسألة العالم والرجوع إلى العالم، فقد ورد في صحيحة القدَّاح عن الإمام الصَّادق عن رسول الله: إنَّ العلماء ورثة الأنبياء، فضرب العلماء هو ضرب للأنبياء، وضرب الأنبياء هو ضرب لدين الله ولرسالته.
الله لمَّا رأى أنَّ هداية البشر في جنبتها المعرفية وغيرها عن طريق بعث الأنبياء جعل لهم ورثة لكي لا ينقض غرضه ومن هم ورثة الأنبياء؟ العلماء، فهؤلاء قد لا يستطيعون أن يشككوا في نبوة الأنبياء مباشرة، ولا أن يشككوا نبوة النَّبي الخاتم فإنَّهم لجأوا إلى التشكيك في مكانة ورثتهم، والتشكيك في ورثة الأنبياء هو تشكيك في نبوة الأنبياء.
وينبغي على المؤمن أن يكون على حذر، وأن يكون على بصيرة في هذه المسألة، فمن لا يمتلك الوعي والمعرفة البصيرة قد تدخل عليه مثل هذه الإشكالات، وقد يروِّجها ويقولها على لسانه، وكلُّ ذلك ناشئ من نقص المعرفة.
مثلاً يرى في الواتساب أنَّ فلاناً العالم فعل كذا وكذا -وهذه كلها عمليات مدروسة- فينشر هو ذلك ويفتح التوتير والانستغرام وينشر ثمَّ يقول: العهدة على الناقل! هذا كلُّه يدخل في الحرب -من حيث يشعر أو لا يشعر- وضرب المشروع الإلهي، ضرب النَّظرية الإلهية، ولكن كثيراً منَّا قد لا يشعر بذلك وتأخذه التَّيارات.
وورد في الرِّواية: العلماء أمناء، والأتقياء حصون، وورد في الرِّواية: الرَّاوية لحديثنايعني الرِّاوي للحديث وهو من ينقل الرواية ويفقه مضامينها، ويعرف مكامنها يشدُّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد، يقول قد يكون الإنسان مشتغلاً بالعبادة وهو أمر ممدوح ومهم، ولكن الرَّاوية لحديثنا يشد به قلوب الشيعة ويقوي العقائد الصَّحيحة، ويقوي المعرفة، هذا عند الله أفضل من ألف عابد، وهذه الرَّوايات التَّحظيظية التي تشير إلى مقام العلماء تقتضي من الإنسان المؤمن أن يتسلَّح بسلاح العلم، وكلٌّ بحسبه، وكلُّكم راعٍ، وكلٌّ مسؤول عن رعيته.
ونختم هذه الوظيفة بهذا الرِّواية عن إمامنا الجواد قال: من تكفَّل بأيتامِ آل محمد، من هم أيتام آل محمد؟ في ذهننا أنَّ اليتيم هو من فقد أحد أبويه فنحن نتكفَّل الأيتام فنساعدهم مادياً، هكذا قد ينصرف إليه الذهن، ولكنَّ الرِّواية تعبِّر على أنَّ هناك يتيماً أشدُّ من يتم هذا اليتيم الذي فقد أحد أبويه، وهو من انقطع عن إمام زمانه، فيسمَّى في الرِّواية: أيتام آل محمد، من تكفَّل بأيتام آل محمد المنقطعين عن إمامهم، المتحيِّرين في جهلهم، الأسرى في أيادي شياطينهم، وفي أيدي النَّواصب فاستنقذهم منهم، وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين، وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشَّياطين برد وساوسهم، وقهر الناصبين بحجج ربهم، ودليل إمامتهم، ليفضلوا عند الله على العباد بأفضل المواقع، بأكثر من فضل السَّماء على الأرض والعرش والكرسي، وفضلهم على هذا العابد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء
إذن، حينما يذكر الأئمة فضل العلماء ويقولون فضلهم كذا وكذا ماذا يريدون أن يوصلوا من رسالة؟ الرِّسالة هي: أن كونوا هكذا، فلتكونوا من العلماء الذين يستنقذون ضعفاء الشِّيعة، وكلٌّ بحسبه، شخصٌ يستنقذ صديقه، ويستنقذ ولده، شخصٌ ينقذ أمه، وشخص ينقذ قرية، وحينئذ هذه وظيفة خطيرة ومهمَّة، وهي الوظيفة المعرفية .
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ الاسلام واهله