الأحد - 06 اكتوبر 2024

القرآن الكريم..الحكمة وأولو الألباب..!

الأحد - 06 اكتوبر 2024

غدير حسين التميمي ||

المتأمل في ذيل آية الحكمة، وهي قوله تعالى :
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ)
يجد علاقة خاصة بين الحكمة وأولي الألباب، فالحكمة تتوقف على التذكر، إذ أنها تقتضي، كما عرّفناها، نظر المرء إلى آثار السلوك ومضاعفاته وتوابعه، ثم الإقدام عليه أو الإحجام عنه على ضوء ذلك، ‏رعاية لصالحه. والتذكر لا يتقنه إلا أولو الألباب. ولُبُّ‏ كلِّ شي‏ءٍ، ولُبابُه‏: خالِصُه وخِيارُه، كما في لسان العرب، وفي مفردات الراغب أن اللب هو العقل الخالص من الشّوائب‏.
لذا فإنه كلما خلُص العقل من الهوى ومن التعلق بماديات الحياة، تهيأ لتلقي الحكمة بمقدار خلوصه. أما إذا استسلم لهواه، فسيكون بينه وبين الحكمة بُعد المشرقين، وإن كان ممن يتبوأ موقعا علميا. قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ . وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وقال: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى‏ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى‏ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى‏ بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ).
فالعلم وحده بدون حكمة تعضده وتوجه مساره يؤدي إلى نتائج عكسية وعواقب وخيمة.
من هنا فإن على من يبتغي الحكمة أن يبتعد عن موانعها التي أكدت عليها الروايات الشريفة، داعية إلى الابتعاد عنها:
– فمنها ما يتعلق بشهوة البطن. فقد ورد عن رسول الله (ص): القَلبُ يَتَحمّلُ الحِكمَةَ عند خُلُوِّ البَطْنِ، القَلبُ يَمُجُّ الحِكمَةَ عند امْتِلاءِ البَطْنِ. وعنه أيضا (ص): مَن أكَلَ طَعاماً للشَّهْوَةِ حَرّمَ اللَّهُ على قَلبِهِ الحِكمَةَ. وعن الإمام علي (ع): التُّخمَةُ تُفْسِدُ الحِكمَةَ، البِطْنَةُ تَحْجُبُ الفِطْنَةَ.
– ومنها ما يتعلق بعموم الشهوات، كما في قوله (ع): لا تَجْتَمِعُ الشَّهوَةُ والحِكمَةُ. وما ورد عن نبي الله عيسى (ع): “إنّهُ لَيس على كلِّ حالٍ يَصلُحُ العَسَلُ في الزِّقاقِ، وكذلكَ القُلوبُ لَيس على كلِّ حالٍ تَعْمُرُ الحِكمَةُ فيها، إنّ الزِّقَّ ما لَم يَنْخَرِقْ أو يَقْحَلْ أو يَتْفَلْ فسَوفَ يكونُ للعَسلِ وِعاءً، وكذلكَ القُلوبُ ما٥ لَم تَخْرِقْها الشَّهَواتُ ويُدَنِّسْها الطّمَعُ ويُقسِها النَّعيمُ فسوفَ تكونُ أوْعِيَةً للحِكمَةِ”.
والزِّقُّ هو وعاء من جلد يوضع فيه العسل أو الزيت أو السمن أو الماء، وهذا الوعاء يكون صالحا لحفظ العسل ما لم يحدث فيه عيب، وهو قوله: “ما لَم يَنْخَرِقْ أو يَقْحَلْ أو يَتْفَلْ”. أي ما لم ينثقب أو ييبس أو تتغير رائحته. وهكذا تفعل الشهوات والطمع والاستغراق في نعيم الملذات بالقلوب.
ومنها ما يتعلق بسيطرة الغضب على الإنسان، بحيث تكون قراراته ومواقفه نتيجة لانفعالاته، دون أن تخضع للتفكير والمساءلة. فعن الإمام الصادق (ع): الغَضَبُ مَمْحَقةٌ لقَلبِ الحكيمِ، ومَن لم يَمْلِكْ غَضَبَهُ لَم يَمْلِكْ عَقلَهُ.
ومنها ما يتعلق بالتكبر الذي هو خلق مذموم، يمنع الإنسان من استماع صوت الحكمة أو الإذعان لها. فعن الإمام الكاظم (ع): إنّ الزَّرعَ يَنْبُتُ في السَّهلِ ولا يَنْبُتُ في الصَّفا، فكذلكَ الحِكمَةُ تَعْمُرُ في قَلبِ المُتواضِعِ، ولا تَعْمُرُ في قَلبِ المُتَكبِّرِ الجبّارِ؛ لأنَّ اللَّهَ جَعلَ التَّواضُعَ آلةَ العَقلِ.
يقول أبو فراس الحمداني:
تَهونُ عَلَينا في المَعالي نُفوسُنا
وَمَن خَطَبَ الحَسناءَ لَم يُغلِها المَهرُ
كذلك هي الحكمة من يخطبها، فإن عليه أن يسترخص في سبيل الحصول عليها الغالي والنفيس، لأنها كنز لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم؛
(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ) .
عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال : ” القرآن عهد الله إلى خلقه ، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ في كل يوم خمسين آية “