الثلاثاء - 15 اكتوبر 2024
منذ 5 أشهر
الثلاثاء - 15 اكتوبر 2024

ا. د جهاد كاظم العكيلي ||

من عجائب الأمور وغرائبها، هو عندما تنقلب الموازيين في التعامل مع الأشياء المُحيطة بنا، او نتعامل معها بشكل يثير الإستغراب او يتم إستعمال الأدوات خارج وظيفتها التي وجدت من إجلها، فإن هذا إنما يوحي إلى حالة التبطر التي وصل إليها الناس، بعد أن فتحت الدنيا لهم من اوسع ابواب الفساد والتحايل وجمع المال الحرام وبطرق ملتوية على حساب المال العام ومصلحة البلد! ..
سمعت قصة في جلسة جمعتني مع بعض الأشخاص، ولم تربطني بهم علاقات سابقة بل شاءت الصدف أن تنعقد هذه الجلسة، وكان من ضمنهم مدير بنك سابق، وكما هو معروف عند العراقيين، وهو شغلهم الشاغل في الحديث عن المال والفساد الذي حصل في العراق، ولم تخف عنهم خافية، فيعرفون جذور الأمور ومراجعها، وكيف اصبح حال البعض منهم من حال الفقر الى حال الثراء الفاحش اويشكل سريع، فيما بقى الآخرين من الناس على حالهم من دون أن يتغير شيء، مُكتفين بما يحصلون عليه من الرزق الحلال ..
يقول هذا الرجل أن احد الأشخاص كان يعمل في تسليك أسلاك الكهرباء للمولدات، أي انه يصعد السُلم ويسلك (واير الكهرباء لأهالي المنطقة)، ثم يدفعون له ثمنا بسيطا ليسد به حاجته المعيشية فقط، غير انه بعد عام ٢٠٠٣، ولصعود أحد أقربائه الى البرلمان ولفترة وجيزة، لم يشاهدوا هذا الرجل يتسلق السُلم لتوصيل الكهرباء الى المنازل، إذ دخل هذا الرجل وبمعونة قريبه هذا العمل في تجارة الأراضي!.. وتسلق هذا الرجل على مال الدولة بدلا من بقاءه متسلقا على سُلم توصيل الكهرباء، وأصبح من اغنى الأغنياء الكِبار، ويحيطه الحراس ويركب السيارات الفارهة، بل والإغرب من ذلك، إبتكر وسيلة جديدة لعد المال الذي اكتنزه، إذ اخذ يعتمد المتر الواحد المعتمد كوحدة لقياس المسافات وحوله الى وحدة قياس النقود التي يمتلكها، مغادرا بذلك مهنته او ثقافته قياس الأسلاك (الوايرات) بالأمتارالى وحدة قياس (الفلوس)، وذلك لكثرتها كونها تستغرق وقتا طويلا حين يعدها او يحسبها، فهو يضعها على شكل رزم متراصة، ويبدأ بحسابها على مقدار طول المتر، لمعرفة كم تبلغ هذه المبالغ لكل متر واحد!..
سبُحان الذي يغير الاحوال عند هؤلاء، وهم يتاجرون بأموال العراقيين بطرق تثير الدهشة والإستغراب، واظن انهم يريدون ان يكون قارون العصر في تملكهم للمال والسطوة في المجتمع، ولم ينتبهوا الى ان ثقافة العراقيين منذ القِدم يرجعون الناس الى اصولهم مهما بلغت بهم حالة الثراء والسلطة، وانها لم تدم لأحد ابدا، فالأحوال تتبدل وتتغير، ولم يبقى شيء ثابت لأن قانون الحياة يتغير مع مرور الزمن، ولو دامت لغيرك لم تصل لمصلح الأسلاك ليقيسها بالمتر! ..