افيش ياريحة الحضرة..!
د.أمل الأسدي ||
يستعمل العراقيون في لهجتهم العامية مفردة ” اُفيش” للتعبير عن محبتهم واشتياقهم ولهفتهم وفرحتهم وارتياحهم، ومن المرجح أن أصل هذه المفردة من الفعل فشَّ ـ يفُشّ، وفشّ الكرة: أخرج ما فيها من هواء(١) ويقال للغضبان: لأفُشَّنَّكَ فَشَّ الوَطْبِ، أي: لأُخْرِجَنَّ غَضَبَكَ مِنْ رَأْسِكَ!!والفِشَّة : الرئة، وسُمِّيَت “فشة” لأنها تَفُشُّ ما فيها من هواء، وانفشّت عِلَّةُ فلان: زالت، والفَشِيشُ : صَوتُ الرَّيح حين تُخْرجها من قربةٍ أو نحوها.(٢)
يتضح مما تقدم أن الرابط بين ” اُفيش” وأصلها هو استشاق الهواء بعمق وإفراغه، الشهيق والزفير ، شم رائحة الهواء أو شم الأحبة بعد غياب مع قول: اُفيش، وحتی حين يتذكر الشخص وطنه أو المكان الذي يحبه ويشعر فيه بالسكينة؛ يقول: أفيش ياريحة هلي!
و حين تزور الكاظمية المقدسة – المدينة التي لاتنام- وكل مدننا المقدسة أمست لاتنام؛ حين تزورها وتقف في بداية شارع باب المراد وتری الناس قاصدة الإمام موسی بن جعفر والإمام الجواد، والمنائر تزهو ببريقها وكأنها ضاحكة مستقبِلة! حين تری هذه المشاهد تقول: افييييش!
أما إذا جئت للزيارة من جهة شارع المحيط وشاهدت القباب والمنائر من بداية صحن أمير المؤمنين،فحينها سيأسرك المشهد والنسيم العليل القادم من نهر دجلة ركضا، ليرافق الزائرين، فتجد نفسك تتنفس بعمق وتقول:.اُفييييش ما ينشبع من ريحتكم وما ينشبع من زيارتكم!
فكلمة “أفيش” التي تقولها قرب ضريح الترياق المجرب؛ هي عملية تفريغ للسلبية، عملية تخلص من الضغط، عملية تنقية من التلوث الذي لحق بروحك بسبب فوضی وسائل التواصل الاجتماعي والحرب الإعلامية المسلطة علينا!
اُفيش يا بعد روحي، نقولها ونحن نطرق بابا من أبواب الله تعالی، ونسلك دربا من دروب التوحيد التي عبدتها التضحيات، وأدامتها المحبة والمواصلة!
فتخيل مقدار الإيجابية في الـ اُفيش التي تقولها وأنت برفقة عائلتك أو أصدقائك، فالترابط والرفقة والسعي إلی راهب بني هاشم- مصدر السكينة والخير – أعلی مستويات الإيجابية، وأبهی صور الاعتزاز بالهوية، وأجمل صور التمسك بالطباع العراقية!
فـ أفيش العراقية في الكاظمية أو كربلاء أو النجف أو سامراء، أفضل من التجوال بحثا عن كتب التنمية البشرية المترجمة، والمحاضرات المكررة بلا فائدة، وأفضل من كتاب” فن اللامبالاة” وسرده الهلامي ووقائعه التي ليست لها علاقة بواقعنا!!
أخيرا؛ قولوا : اُفيـــــــش ياريحة الحضرة!
ــــــــــــــ