معذرة أنا لا أعتذر من الموت (مصطفى العذاري شهيدا)..!
إنتصار الماهود ||
آني وين.. كلها ضدي
عاينت ماكو شريف
شفت بس أحقاد آلاف السنين
آني وين بيا مدينة..
حتى جامعهم نذل ماعنده دين
آني مسلم بس مثل مسلم عقيل
هذا خط الثائرين
هيج نفس الموقف آنه لا ناصر ولا معين
وكأنه ينادي(ألا من ناصر ينصرني ) مثل ما گال الحسين.
جريح عطش وحيد وسط وحوش كاسرة، يلتفت يمينا ويسارا عله يجد من يحمل المروءة والغيرة بينهم، ليكون الضمير الذي يصرخ فيهم، (توقفوا هذا إبن بلدكم هو مسلم مثلكم لم يؤذيكم، لم يستبح دماؤكم ولم يتاجر بنساءكم بسوق نخاسة السعودي والشيشاني، ولم يسمسر بهن بجهاد النكاح، هو مسلم يا من تدعون الإسلام، هو أعزل بينكم جريح وعطشان كسيده الحسين عليه السلام حين تكالبت عليه جيوش الملعون يزيد) آه وآه من أي طينة خلقكم الله وبأي لعنة ستلعنون، وأي درك من جهنم سيأويكم.
هل تخيلتم معي ماذا حدث لمصطفى؟! وهل حضر أمامكم كما حضر أمامي وانا أتخيله وهو يساق للموت؟!.
مصطفى ناصر حسين العذاري مواليد بغداد1986، صغير إخوته الخمسة وعزيز أمه وأبيه، سمي مصطفى لأن ولادته صادفت بنفس يوم مولد الرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم، (يا قرة العين يا سخي الروح وطيب القلب )، كان مصطفى أعزبا ولم يتزوج، فبعد دخول داعش أجّل هذه الفكرة، لأنه وجدها غير مناسبة فالأولى هو تحرير العراق والدفاع عنه.
تطوع على صفوف الحشد الشعبي بعد الفتوى المباركة للسيد علي السيستاني دام ظله، ثم تم نقله بسبب مهارته الى وزارة الدفاع / قيادة عمليات بغداد، وخدم في المناطق الساخنة مثل، (الطارمية والفلوجة و المطار).
كان مندفعا لقتال الدواعش، خاصة بعد ما رأى ما الذي فعلوه بجنود القاعدة الجوية في تكريت (مجزرة سبايكر ).
آخر منطقة خدم فيها منطقة (الروفة) في كرمة الفلوجة، وكانت منطقة ساخنة وخطرة لكثرة الدواعش المتواجدين فيها، ولم تكن المنطقة محصنة جيدا، أو مدروسة بسبب ضعف الإستطلاع فيها، كما أن للدواعش عيون بكل مكان من الخونة ترصد تحركات قطعاتنا.
هجم الدواعش على فوج مصطفى، وأدى هذا الهجوم الى إصابته بساقه الايسر، وحين أراد رفاقه إخلاؤه لمكان آمن أخبرهم بانهم يجب أن يؤمنوا أنفسهم أولا، والمنطقة فوجود جريح سيعيق تقدمهم، (أتركوني هسة آني أصير ثكيل عليكم روحوا ومن تخلص المعركة ارجعوا )، بقى مصطفى لوحده جريح في منزل مهجور، لا شي معه سوى هاتفه و سلاحه ولا يستطيع المجازفة بالتحرك لأي مكان، فهو يعلم أن المنازل مفخخة وحتى ثلاجاتهم وصنابير مياههم مفخخة، وكان الجو حار جدآ وهو عطشان ولا يوجد عند ماء ليروي به عطشه، (ما الفرق بينكم وبين يزيد ابن معاوية المأبون لعنهم الله فالقوم اولاد القوم).
إتصل مصطفى بشقيقه رائد، ليبلغه أنه محاصر وجريح وقد أبلغ قيادته بمكانه الإ أنه من الصعب أن يتم إخلاؤه حاليا، لم يصدق شقيقه أذنيه هل هو يمزح؟!، وهل هذا الأمر يجوز به المزح!، الأ أن رائد سرعان ما إستدرك الوضع، وحافظ على رباطة جأشه، فشقيقه جريح ومحاصر وسط الدواعش، أولا يجب تطمينه وتشجيعه ثم التوجه نحو أبناء عمومته والأهل، من أجل التوجه الى مكان محاصرته لمعرفة أي طريق يجب أن يؤخذ به لتحرير مصطفى، وهذا ما حدث بعد التوجه لآمر فوجه، الذي أخبرهم أن الامر ممكن أن يكون فخا من الدواعش، وهذا بالطبع غير صحيح فلو كان فخا لما منعهم مصطفى من القدوم، لأن المنطقة كلها مفخخة.
تدخل بموضوع مصطفى وزير الدفاع آنذاك خالد العبيدي، لكن لم يستطع أحد فعل شيء، ثلاثة أيام و شقيقه يتواصل معه عبر الهاتف، لكي يطمئن على حالته الصحية ويعطيه التوجيهات فيرد مصطفى بأنه جيد وهو قوي وحذر أيضا لكنه، (عطشان) سيدي ومولاي أبا عبد الله حتى مواليك مثلك شهداء عطشى.
نهاية اليوم الثالث بعد حلول الظلام، أخبر مصطفى شقيقه رائد بأن الدواعش دخلو البيت الذي يتواجد فيه واتخذوه مكان للقنص وعددهم اثنان فسأله رائد هل تعرف جنسياتهم فقال نعم عراقيين ومن أهل المنطقة ،فقال رائد كيف عرفت فرد مصطفى لاني اسمع كلامهم وهم يتحدثون، وانا حاليآ استطيع قتلهم فقال له رائد لا تستعجل على قتلهم لانك حاليآ اذا قتلتهم سيسمعون اطلاق النار، وبالنتيجة يقتلونك بعد ذلك سأله رائد هل انت خائف قال مصطفى:” لا والله بس كلش عطشان“ فرد عليه شقيقه اصبر واعطاه بعض التوجيهات، وقال له :”ارمي كل شيء ثقيل عليك مثل الخوذة والدرع واحتفظ بسلاحك وعتادك، وخلي البندقية على وضع المفرد ، واقرأ الفاتحة لمولاتي ام البنين واتوكل على الله واطلع من هذا المكان بدون ما احد يحس بيك وازحف باتجاه البزل واي شخص يلاكيك اقتله لا ترحم احد لان اذا شافوك ولزموك ما يرحموك واحنا ننتظرك لعبور البزل “.
فقرر مصطفى الخروج الى نقطة اللقاء قرب البزل، في الروفة فهو أبعد مكان مؤمن تتواجد فيه قواتنا الأمنية، برفقة رائد وأولاد عمومته أوصاه قائلا:” لا تشتبك بالحربة لأن قدمك مصابة، ويمكن ما تكدر تحافظ على توازنك، وتوكل على الله وأطلع، آني أتلگاك لا تخاف كلنا موجودين“، الله ما أصعب هذا الموقف وما أثقلها من دقائق تمر عليهم.
وبعد نصف ساعة تقريبآ من هذه المكالمة حدث رمي كثيف وأصوات الدواعش تعالت لوقت ليس بهين، مر كأنه دهر عليهم حتى هدأ كل شيء، لم يفهم رائد ماذا حدث حتى بعد سماعهم لحديث الإرهابيين، على موجات اللاسلكي الخاصة بهم من الذي أمسكوه، ولم هو مهم كيلا يقتلوه مباشرة؟!
حتى الصباح لم يتصل مصطفى ولم يعرف شقيقه، ماذا حل به ولا يستطيعون أن يتقدموا خطوة، بسبب إستهداف القناصين لهم والرمي العشوائي، أرسل صديق له مقاطع فيدوية و صورا، يظهر فيها مصطفى وهو أسير لديهم، يطوفون به الفلوجة وسط التهليل والتكبير، لا أعلم ما الغاية من هذا الإحتفال هل أخرجوا المحتل من أرضهم.
وبعد إستعراض العضلات هذا، جاؤا به الى جسر السكنية الواقع بين الصقلاوية والفلوجة، ليعلقوه فيه ويقتلوه، شنقآ وسط جمهرة كبيرة من أهالي الفلوجة يوم 20 من شهر آيار عام 2015.
هنا تحير رائد كيف سيخبر أهله عما حل بشقيقه الصغير، وهل سيتحمل والداه المريضان وقع هذه الصدمة، عرف والد مصطفى بشهادة إبنه فأقام له العزاء، رغم أنهم لم يستلموا جثمانه حتى يومنا هذا، بعد تسع سنوات وكان والد مصطفى هو من يهون على الزوجة والأبناء فقد ولده، الإ انه كان في جوف الليل يبكي بحرقة على فراق صغيره، الذي لم يفرح به إبنه البارّ المطيع له، لم يحتمل فقدانه ليتبعه بعد 100 يوم من إستشهاده في 10 ايلول عام 2015.
أمسكت القوات الأمنية أكثر من 16 شخصا، شاركوا بجريمة مصطفى منهم أربعة كانوا يرومون دخول كربلاء لتنفيذ أعمال إرهابية، وتم مسكهم و حكموا بالإعدام، لكن مع الأسف لم ينفذ سوى بثلاثة منهم.
أخبرني رائد أنه خلال عمليات تحرير الفلوجة، طلب نقله لينضم الى قواتنا المرابطة بمحورها، من أجل تنظيم حملة بحث عن جثمان مصطفى، لكنهم لم يجدوه رغم عمليات البحث المكثفة، ووصلت القوات الأمنية لمعظم من إشترك بالجريمة، بعد ما تم تحرير الفلوجة بإعتراف العصابات التي شاركت في إلاستعراض المشؤوم، بعد تحريرها دخل رائد الى نفس الشوارع والأماكن التي تواجد بها مصطفى أسيرا، لكن فرق بين أن تدخل منتصرا محررا وأن تكون أسيرا جريحا مغدورا.
لقد كان لدى الجهات الحكومية رفض لإلتحاق رائد بمحور عمليات الفلوجة، خوفا من فقدان شاب آخر من هذه العائلة الإ أن إصرار رائد وتحول قضية العثور على جثمان مصطفى قضية رأي عام، جعل القيادات العسكرية توافق على طلبه، وبفضل الإستخبارات القوية والمتابعة الحثيثة من قبل الحشد الشعبي والقوات الامنية، تم إلقاء القبض على معظم الدواعش المشاركين.
حين قابلت عائلة الشهيد مصطفى المرجع الأعلى السيد علي السيستاني دام ظله، أخبرهم بأنه يسأل الله أن يكون مصطفى شفيعا له ولهم، وحتى إن لم يجدوا جثمانه لا حاجة لبناء قبر رمزي، فهم يستطيعون زيارته مع زيارة أصحاب الحسين عليه السلام.
أي منزلة تلك التي نلتها يا مصطفى، وأي مكانة عظيمة أنت فيها، دماؤك الطاهرة ستكون نارا ولعنة على قاتليك أبد الدهر هم وسلالتهم.
وفي الختام رسالة إلى أصحاب القرار الموقرين، ( قتلة مصطفى لم ينالوا جزاؤهم العادل وهو الإعدام، رغم صدور الحكم وهو ما أمر به الله تعالى في كتابه الكريم العين بالعين )، ولم نطلب الإنتقام قط لكن نطلب العدل لروحه.
كما إن عائلته لم تتسلم كامل حقوقه كشهيد، وهو طلب ليس بالصعب أو المستحيل أوليس كذلك.