الجمعة - 25 ابريل 2025

أستراتيجية الوعي الكربلائي..!

منذ 9 أشهر
الجمعة - 25 ابريل 2025

🖊 قاسم سلمان العبودي ||

المتتبع للأحداث السياسية التأريخية منذ هدنة الأمام الحسن عليه السلام مع معاوية وما رافقها من تطورات ، يرى بوضوح أن تلك الهدنة كانت الطريق الأمثل للتمهيد لثورة عاشوراء . فأن عناصر المقاومة المسلحة منها ، والشعبية في زمن الأمام الحسن لم تكن مهيأة بالشكل الكافي ليتناسب مع حجم المواجهة التي كان يخطط لها الحسن بن علي عليهما السلام . لكن بعد أستشهاد الأمام الحسن وتصدي الأمام الحسين عليه السلام لقيادة الأمة ، برزت قوة المقاومة بشكلٍ ملحوظ وذلك لسببين ، الأول هو السياسة الأموية التي أساءت أستخدام السلطة من قبل يزيد بن معاوية الذي ورث عن أبيه وزاد عليه كل الخصال الدنيئة التي تربى عليها ردحاً من الزمن . والثاني ، أن الأمام الحسين أستخدم ستراتيجية التمهيد للثورة بنشر مظلومية الأئمة من آل محمد ، فضلاً عن المكاتبات المتواترة من شيوخ القبائل في العراق ، والتي لم تكن في زمن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام بتلك القوة والزخم .

فكانت ثورة عاشوراء حقيقة حتمية الوقوع نتيجة الأرهاصات السلبية التي عاشتها الأمة الإسلامية . فضلاً عن ذلك أن الجمهور المسلم بدأ يعي ضرورة التغيير الإيجابي في الأمة ، وكان خير من يمثل هذه الأمة هو الحسين بن علي عليه السلام . فكان هناك ضغط أمويّ كبير على أن يمتثل الأمام الحسين ومن معه لبيعة يزيد بن معاوية الذي ألح في طلب تلك البيعة . وهو يعي جيداً أن الرفض سيكون من قبل الحسين والثلة المقاومة معه ، لذلك كانت كربلاء ، وكانت عاشوراء . تأريخياً حاولت بعض الأقلام المأجورة من قبل السلطة الأموية الغاشمة بتزييف النهضة الحسينية عبر التعتيم الإعلامي ، ورسم صورة سلبية في أذهان الناس فيما يخصّ خروج الامام الحسين لمواجهة يزيد . فمنهم من قال إن الحسين ومن معه طلّاب سلطة . ومنهم من قال هو خروج عن طاعة ( أمير المؤمنين ) ، ومنهم من قال هو ثأراً من بنو أميّة لقتلهم الحسن ، وغيرها من الأقاويل .

تسلسل الأحداث تأريخياً ودينياً واجتماعياً دحضت تلك الأقوال جملةً وتفصيلاً . فأن من تلك الأحداث المروية هو دعاء الامام الحسين عليه السلام حين خاطب الله تعالى : (( لنَرىٰ المعالم من دينك ونُظهر الأصلاح في عبادك ))وهو دعاء عظيم وقد ردّ الشبهات جميعها على قائليها . فأن الحركة الحسينية كانت أصلاحية في المقام الأول . فكانت كربلاء هي الجذوة التي أعادت الإسلام إلى أذهان ونفوس الأمة بعد أن وهنت ومحقت وكادت أن تكون نسياً منسيا . لذلك مرت النهضة الحسينية بمراحل ثلاث . كانت الأولى منها حسينية ، والثانية زينبية ، والثالثة سجادية ، في ترسيخ مفهوم الثورة . فبعد أستشهاد الحسين عليه السلام ومن معهُ من بني هاشم والأنصار ، قامت الحوراء زينب بنت أمير المؤمنين بثورة أعلامية مكملة لثورة الأمام الحسين ، وقد أبتدأتها في الكوفة والشام وأنهتها في المدينة المنورة ، لتفسح الطريق أمام أبن أخيها الأمام السجاد عليه السلام ، ليقوم بأخطر ثورة ثقافية دينية في العالم الإسلامي على مر التأريخ لتقويم سلوك الأمة التي تخاذلت عن نُصرة الحسين ، والذي دفع حياتهُ ثمّناً لتلك الثورة العظيمة التي رسخت مفهوم الإسلام يقود الحياة .

اليوم نرى بأن الثورة الحسينية قد تجذرت في نفوس بعض المؤمنين الذين حولوا كربلاء إلى منجز عظيم . فما نراه اليوم من مواجهة للأنحراف الصهيوني المتغطرس، وأدواته في منطقة الشرق الأوسط ، من قبل محور المقاومة الإسلامية الذي أستوعب عاشوراء كما هي ، أنما يدين بالفضل لتلك النهضة الإسلامية . وجعل الخندق الحسيني هو المنطلق الأساسي في تلك المواجهة ، رغم ( العربدة ) الغربية التي تضغط على العالم بأسره من أجل أيقاف القوة الإسلامية التي بدأت تذلّ الكيان الصهيوني اللقيط . أن تفعيل عاشوراء الآن أعادة للأمة الأنقسام التأريخي مرة أخرى . فهاهو الأعلام الأموي ( الغربي ) يعمل على تسقيط المقاومة في أذهان الأمة وجعلها خروجاً عن ( أمارة الفاسقين ) مرة أخرى وبثوب جديد واستراتيجية جديدة . نرى أن كربلاء تعاد مرة أخرى وعلى الأمة أن تستثمر عاشوراء بوعي حسيني زينبي حتى لا تسقط في فخ الظلم والهوان مرة أخرى . فنحن نقول كما قالوا من سبقونا في هذا الظرف الحساس ، أن لم تكن حسينياً فكن زينبياً ، وألا فأنت يزيديا .