الخميس - 15 مايو 2025

السيد حسين الصدر : أحد رمز المقاومة الفكرية والدينية

منذ 10 أشهر
الخميس - 15 مايو 2025

ناجي الغزي/ كاتب وباحث سياسي ||

السيرة الشخصية
السيد حسين بن محمد هادي بن علي بن حسن بن هادي الصدر الموسوي الكاظمي هو شخصية بارزة في العالمين الديني والأدبي، ولد في الكاظمية المقدسة عام (1364 هـ / 1945 م) من أسرة علمية عريقة تميزت بإنجاب العديد من العلماء والفقهاء البارزين. برز السيد حسين كعالم، أديب، وشاعر، وترك بصمة في مشواره السياسي والثقافي.

تخرج سماحته من كلية الحقوق بجامعة بغداد، وهي إحدى أبرز الجامعات في العراق، حيث نال تعليماً أكاديمياً متيناً. إلا أن شغفه بالعلوم الدينية دفعه إلى الالتحاق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف، تلك الحوزة التي تعتبر من أهم المراكز العلمية الدينية في العالم الإسلامي. في النجف، تتلمذ السيد حسين على يد كبار العلماء المجتهدين مثل السيد أبو القاسم الخوئي والسيد الشهيد محمد باقر الصدر، وهو ما أثرى معرفته الفقهية والأصولية. وبفضل تميزه العلمي، أصبح معتمداً للسيد الشهيد محمد باقر الصدر في بغداد، مما يدل على الثقة الكبيرة التي وضعها فيه أساتذته.

دوره في الأدب والشعر
لم يقتصر اهتمام سماحة السيد حسين الصدر على العلوم الدينية فقط، بل كان له دور بارز في مجال الأدب والشعر. شارك في تأسيس ندوة “عكاظ الأدبية” في الكاظمية في أواسط الستينيات، بالتعاون مع مجموعة من أدباء الكاظمية. كانت هذه الندوة ملتقى للأدباء والشعراء، حيث تبادلوا الأفكار وعرضوا أعمالهم الأدبية، مما ساهم في إثراء الحركة الأدبية في العراق.

المسيرة السياسية
تعرض سماحة السيد حسين الصدر، كغيره من العلماء، لاضطهاد النظام البعثي الذي شدد قبضته على علماء الدين ومارس ضدهم أساليب قمعية شديدة. تم اعتقاله وتعذيبه ومصادرة بيته ومكتبته، ما اضطره لمغادرة العراق. هاجر أولاً إلى سوريا، ثم إلى إيران، حيث أسس مؤسسة أهل البيت (عليهم السلام) لإقامة الشعائر الدينية. بعدها انتقل إلى لندن وأسس المعهد الإسلامي وجريدة المنبر، ليواصل نشاطه الديني والثقافي

العودة إلى العراق
بعد سقوط النظام البعثي، عاد سماحة السيد حسين الصدر إلى العراق ليواصل نشاطه الديني والادبي والتوجيهي. أسس “المؤسسة الرسالية للعلوم والآداب والثقافة” في الكاظمية، وهي مؤسسة تهتم بإحياء شعائر أهل البيت (عليهم السلام) ونشر الثقافة الدينية والأدبية, كما اقام في مكتبه الخاص ديوان للثقافة والادب والشعر عرف بديوان الصدر الثقافي.

المؤلفات
لم يقتصر نشاط السيد حسين على التوجيه والإرشاد فقط، بل ألف العديد من الكتب التي تعنى بالثقافة الدينية والمجتمعية، منها:
1. في قضايا الزواج والأسرة: يتناول القضايا المختلفة المتعلقة بالزواج والأسرة من منظور إسلامي.
2. الزواج والمرحلة الجهادية: يناقش العلاقة بين الزواج والجهاد في الإسلام وكيفية التوفيق بينهما.
3. الإمام الصادق عطاء وإشعاع: يستعرض حياة وإسهامات الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في الفكر الإسلامي.
4. المرجعية الشهيدة: يتناول حياة وأفكار السيد الشهيد محمد باقر الصدر ودوره في المرجعية الدينية.
5. لا لن يموت الصدر: يناقش تأثير السيد الشهيد محمد باقر الصدر وأفكاره على الحركة الإسلامية المعاصرة.
6. المحطات الرئيسية في حياة الإمام الشهيد الصدر: يستعرض أهم المحطات والأحداث في حياة السيد الشهيد محمد باقر الصدر.
7. موسوعة العراق الجديد: موسوعة شاملة صدرت منها مئة جزءاً تتناول مختلف جوانب العراق الحديث بعد سقوط النظام البعثي.
8. موسوعة المنبر: مجموعة من الأبحاث والمحاضرات

التي قدمها السيد حسين في مختلف المناسبات الدينية.

عطاؤه الشعري
سماحة السيد حسين الصدر لم يكن عالماً وفقيهاً فقط، بل أيضاً أديباً وشاعراً بارزاً. أثرى المكتبة الأدبية العربية بعدة دواوين شعرية تعكس مشاعره الوطنية والإنسانية والدينية. كما تعتبر هذه المؤلفات جزءاً من الإرث الثقافي والديني الذي تركه السيد الصدر، وهي تُظهر تنوع اهتماماته وغزارة إنتاجه العلمي والأدبي، مما جعله شخصية مؤثرة في المجتمعين العراقي والإسلامي بشكل عام. وفيما يلي نبذة عن بعض دواوينه الشعرية

1. أسبوع شعري: هذا الديوان يعكس فترة زمنية محددة مليئة بالإلهام الشعري، حيث يضم مجموعة من القصائد التي كتبها خلال أسبوع واحد. تعبر القصائد عن تفاعله مع الأحداث اليومية وتجسد تأملاته الفكرية والوجدانية.
2. لقاء على ضفة الشعر: في هذا الديوان، يقدم السيد حسين تجربة شعرية تتسم بالعمق والشفافية. القصائد في هذا الديوان تشبه حواراً أدبياً بينه وبين قرائه، حيث يتناول فيها موضوعات متنوعة تلامس الروح والعقل.
3. هاك منّا دماءنا يا عراق: يُعتبر هذا الديوان صرخة وطنية تعبر عن حبه العميق لوطنه العراق. يتضمن الديوان قصائد تمجد تضحيات الشعب العراقي وصموده أمام التحديات. يعكس السيد حسين في هذا العمل مشاعره الوطنية العارمة ورغبته في رؤية عراق حر وقوي.
4. عمّار في باقة من الأشعار: هذا الديوان مخصص لابن أخيه عمار بن حيدر الصدر. يتضمن قصائد تعبر عن الحب والفخر والتقدير لعمار، مما يعكس العلاقة الأسرية القوية والروابط العاطفية التي تجمع أفراد عائلته. تعتبر هذه القصائد تعبيراً عن مشاعر الحب والاعتزاز والحنين.
ومن اهم ما قال في أدب الطفوف قصيدة (لغة الطفوف) وهي متعددة القوافي والبحور وتحتوي على (60) رباعية في (240) بيتاً:

لـغةُ الـــــــــطفوفِ بطولةٌ وفداءُ وحــروفُها الأشلاءُ والشهداءُ
وبـــــلاغةُ الأبـطالِ أن جراحَهمْ في (كربلاءَ) قصيدةٌ عصماءُ
يشدو بها الأحرارُ عبرَ مسارِهمْ وبلحنِــــــــــها يترنَّمُ العظماءُ
وعلى شفاهِ الدهـــــرِ منها قصةٌ تُروى وفيـــــــها للإباءِ رواءُ

تناثرتْ في (كربلاءَ) الرؤوسْ وانطفأتْ بالطفِّ تلكَ الشموسْ
واصـــــــطبغتْ بالحزنِ أيامُنا فــالأفقُ بعد السبطِ داجٍ عبوسْ
وخلّدَ اللهُ حــــــــــــــسينَ الإبا وخـــلّفَ السبطُ عظيمَ الدروسْ
إن راحَ قرباناً لدينِ الــــــهدى فكــــــيفَ لا تفديهِ مِنَّا النفوسْ

تــــــــــــتمنّى الجموعُ لو أنها فا زتْ بنصرِ الحسينِ في (كربلاءِ)
وجميلٌ أن يصدقَ الناسُ في القو لِ بعـــــــــيداً عن بـاطلِ الادِّعاءِ
نصرةُ الــــــــــسبطِ أن تهبَّ أبياً يتحدّى معـــــــــــــــــاقلَ الأعداءِ
إنَّ نصرَ الحسيــــــنِ نصرةُ دينِ قد فداهُ بـــــــــــــــالنفسِ والأبناءِ

وكتب قصيدة في رثاء السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس) تبلغ (23) بيتاً:
مـا مـرَّ فـي خـاطـرِ الأيــامِ أنَّ دمــاً في (كربلاءَ) جرى لليومِ ينتزفُ
وإنَّ مـسـرىً مـن الأعوامِ يقطعُه الـ أوغادُ في دعةٍ رغمَ الذي اقترفوا
بالأمسِ هبَّتْ جموعُ الشعبِ غاضبةً وأنـتَ رايةَ مَن هبوا ومن زحفوا

وكتب قصيدة آخرى في رثاء السيد الشهيد آية الله محمد باقر الصدر وأخته العلوية بنت الهدى تبلغ (22) بيتاً:
فأنتَ لـــــــــلأجيالِ أنشودةٌ يشدو بها الأحرارُ والأصفياءْ
كَــــــتبتَ لكن بزكيِّ الدماء مــــــلحمةً فصولها (كربلاءْ)
تناغمتْ والطفُّ في روحِها وضـــارعته في الندا والدماءْ

كما يعد سماحة السيد حسين الصدر من الشخصيات المؤثرة في المجتمعين العربي والإسلامي، حيث جمع بين العلم الديني، الأدب والشعر، والنشاط السياسي. إن إرثه العلمي والأدبي، إلى جانب مقاومته للاستبداد، يجعل منه رمزاً خالداً يُحتذى به في الشجاعة الفكرية والالتزام الديني. كما تعتبر مؤلفاته إضافة نوعية وقيمة فكرية إلى المكتبة الإسلامية، وتعكس عمق تفكيره واهتمامه بقضايا المجتمع والدين.