💎 جواهر عَلَويَّةٌ..كُنْ كَالنَّحْلَةِ..!
السيد بلال وهبي ||
📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “كُنْ كَالنَّحْلَةِ إِنْ أَكَلَتْ أَكلَتْ طَيِّباً، وَإِنْ وَضَعَتْ وَضَعْتَ طَيِّباً، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلى عُودٍ لَمْ تَكْسِرْهُ”
يهدف الدين إلى صناعة إنسانٍ كامل لا ينطوي قلبه إلا على الخير، ولا يصدر منه إلا الخير، ولا يتعامل مع الآخرين إلا بالخير. ولا يكون ذلك منه إلا إذا كانت مداخله مداخل الخير، وموارده التي ينهل منها موارد الخير، كما قال تعالى: “وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ…” ﴿80/ الإسراء﴾ وحين يكون مورده الخير ومصدره الخير يصير نَفَّاعاً لنفسه، ونَفَّاعاً للخلق كل الخلق، ينفع الناس، وينفع الحيوان، وينفع النبات والشجر.
إن الإمام أمير المؤمنين (ع) يدعو كلاً مِنَّا أن نكون نَفَّاعين كثيري الخير، وأن نكون مُباركين أينما كنا، نبُثُّ البركة، وننشر الخير، فيدعونا إلى التَّشَبُّه بالنحلة، تلك الكائنة العجيبة في خلقتها وفي إتقان صنعتها، وفي دقة نظامها الاجتماعي، وفي أدائها مهامّها، وفيما تأكل وفيما تُذَخِّر وتَضَع.
إنها كائن يستحق التأمَّل والدراسة، وإن الباحث في عالم النحل لتستولي عليه الدهشة ويأخذه العجب مِمّا يراه منها ومن مجتمعها، نظام عجيب، وتعاون أعجب، وسّعيٍ أعجب منهما دون كَلَلٍ ولا مَلَلٍ ولا تعب، والنَّفع الذي يتأتى منها للطبيعة والإنسان لا تتسع هذه المقالة لذكره ولا الإحاطة به، يكفي أن نرى الله تعالى قد ذكرها في كتابه الكريم إذ أنزل سورة باسمها، وذكر شيئاً من أحوالها، ويكفي النحلة أنها مسؤولة عن معظم عمليات التلقيح للأزهار كمقدمة لإثمارها، وفي هذا من النفع للشجر أولاً وللإنسان ثانياً ما لا يخفى.
وعلى كل فإن دعوة الإمام أمير المؤمنين (ع) كلاً منا للتشبه بالنحلة هو من حيث ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن نتشبه بها في مواردنا ومصادرنا، والمنابع الطيبة الصافية النقية الطاهرة الحلال التي نستقي منها العلوم والمعارف، والأخلاق والقيم، والموارد المالية، والطعام والشراب، ونتلقى منها الأخبار والأنباء، وكل ما نحتاج إليه مادياً ومَعنوياً وروحِياً يجب أن تكون مصادره طيبة حلالاً، صافية نقية، كطيب ونقاء وصفاء وخلوص الرحيق الذي تأكله النحلة، والرحيق في الحقيقة هو أجمل وأرق وأغنى ما يكون في الزَّهرة، فكما تتحيَّر النخلة أكلها يجب أن نتخيَّر ما يدخل إلى جوفنا من طعام وشراب، وما يدخل إلى عقولنا من عقائد وأفكار، وما يدخل جيوبنا من أموال.
الأمر الثاني: أن نتشبَّه بها فيما يصدر مِنا، فليس المهم أن تكون مصادرنا طيبة بل يجب أن نعطي ونبذل ونقدِّم للناس ما يفيدهم، أو يعالج مشاكلهم، فكما أن الله تعالى قد جعل في العسل الشفاء للإنسان من كثير الأمراض كذلك يجب أن يكون ما يصدر منا يحمل تلك الخاصِّية، ومعلوم أن الإسلام كما يؤكِّد على المنابع التي يستقي المسلم منها عقيدته وفكره وقِيَمَه وعاداته وتقاليده، ومواقفه وأفعاله وأمواله كذلك يؤكِّد على مصارفه والمواضع والكيفية التي ينفق فيها أمواله، والأحوال التي يتخذ فيها مواقفه ويفعل فيها أفعاله.
الأمر الثالث: أن نكون خفيفي الظل، خفيفي المؤونة، هيِّنين لَيِّنين، هَشِّين بشوشين، نترك أثراً طَيِّباً أينما نَحِلّ، من كلمة طيبة، أو نصيحة صادقة، أو علمٍ نافع، لا نثقِل على أحد في الطلب، ولا نُكثِرُ من الحاجات، ولا نُثقِلُ كاهِلَ من نجالسه بالأوزار، ولا نجلب إليه العار والشَّنار، ولا ندعوه إلى منكر وقبيح، ولا نتدخل فيما لا يعنينا، ولا نلقي بسمعنا إلى حديث بين اثنين، ولا نكسر خاطر إنسان، لا نسخر منه، ولا نهزأ بأحد بين يديه، ولا نغتاب أحداً في مجلسه.
فجر يوم الجمعة الواقع في: 19/7/2024 الساعة (04:00)