جواهر عَلَويَّةٌ..في دراسة السلوك الإنساني..!
السيد بلال وهبي ||
📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “كُنْ مِنَ الْكَريمِ عَلى حَذَرٍ إِنْ أَهَنْتَهُ، وَمِنَ اللَّئيمِ إِنْ أَكْرَمْتَهُ، وَمِنَ الْعاقِلِ إِنْ أَحْرَجْتَهُ”
يقول المتخصصون في دراسة السلوك الإنساني والعلاقات بين الأفراد أن التواصل بينهم مسؤول إلى حد كبير عن سلامة علاقاتهم أو عن خرابها، فإذا كان تواصلهم إيجابياً وطَّد أركان العلاقة بينهم ومتَّن جسورها، وإذا كان التواصل بينهم سلبياً هَزَّ علاقاتهم وزلزلها وقد يصل الأمر إلى قطعها بالكلية.
ولما كان التواصل يتمُّ في الأعَمِّ الأغلب بواسطة وسيلتين اثنتين: الكلام ولغة الجسد، وجدنا تأكيداً عظيما في القرآن الكريم على إتقان هاتين اللغتين في التعامل مع الآخرين، ليكون التواصل معهم في منتهى الإيجابية، فقد جاء الحثُّ في أكثر من موضع من القرآن الكريم على استخدام الكلمة الطيبة واجتناب الكلمة الخبيثة في التواصل مع الناس حيث قال تعالى: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴿24﴾ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿25﴾ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ﴿26/ إبراهيم﴾، كما جاء التأكيد على القول الحسن حيث قال تعالى: “…وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا…” ﴿83/ البقرة﴾، وجاء التأكيد على الجدال بالتي هي أحسن، كما في قوله تعالى: “ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ”﴿125/ النحل﴾. وجاء الحَثُّ على المرور الكريم باللغو واللاغين واجتناب القول الزور، والبهتان، والغيبة والنميمة، والكذب. هذا من ناحية التواصل بالكلام، أما من ناحية التواصل بلغة الجسد فقد جاء الحثُّ في النصوص الشريفة على التَبَسُّم في وجه الآخر، ومصافحته، والإقبال عليه والاستماع إليه حين يكون متحدِّثاً، وعدم مقاطعته، وغيرها من آداب التواصل.
بعد هذه المقدمة أرجع إلى صلب الموضوع للوقوف على ما نبَّهنا إليه أمير المؤمنين (ع) وهو ثلاثة أمور:
الأول: أن نحذر من الكريم إن أهنّاه، والكريم هو الشخص الكثير الخير، ولا يكون كذلك إلا إذا كانت نفسه كريمة، وبكلمة أخرى: يكون شخصاً يُقدِّر ذاته ويحترمها، ومن كَرُمَت عليه نفسه لا يمكن بحال من الأحوال أن يُهينها أو يقبل إهانة من أحد، إن الشخص الكريم عزيز أبداً، ومن يتعامل معه عليه أن يأخذ هذا الأمر في الحسبان، إن الكريم قد يقبل الخسارة، ويتجاوز عن الماديات، ويغفر التقصير غير المتعمَّد في حقِّه لكنه لا يصفح عن الإهانة، خصوصاً إذا ما كانت متعمَّدة.
الثاني: أن نحذر اللئيم إذا أكرمناه، واللئيم ضد الكريم، إن الكريم كلما أكرمته أكرمك، وكلما احترمته احترمك، وأدَيت حقوقه أدى إليك حقوقك، بل يحترمك ويؤدي إليك حقوقك بغض النظر عن تصرُّفك معه، أما اللئيم فإنه يزداد لؤماً إن أنت أكرمته، وتزداد سريرته خُبثاً، ويرى إكرامك له عجزاً أو ضعفاً أو خوفاً فيجرِّؤه ذلك على المزيد.
الثالث: أن نحذر العاقل إذا ما أوقعناه في حرج، والحرجُ في الأصلِ الضِّيقُ، وقيل: الحرجُ أضيقُ الضيق، ويقع على الإثم والحرام. ويحتمل أن يكون مراد الإمام أمير المؤمنين (ع) من الحرج الإثم والحرام، ولا شكَّ في أن العاقل لا يقبل من أحد أن يوقعَه في الإثم والحرام، لأنه لا يليق به أن يرتكب حراماً أو يقع في إثم.
✍️
فجر يوم الأحد الواقع في: 21/7/2024 الساعة (04:00