الخميس - 12 ديسمبر 2024

نحن لا نستحق وطنًا ولا نستحق السيد نصرالله، ومشكلة حزب الله النخبة..!

منذ 5 أشهر
الخميس - 12 ديسمبر 2024

ناجي أمّهز ـ لبنان ||

ربما الجيل الجديد لا يعرف شيئًا عن النخبة المارونية. النخبة المارونية تعني أنه كان يوجد في لبنان شخصيات ترفع سماعة هاتفها وتتصل بقصر بكنغهام أو البيت الأبيض وتقول: “أتمنى عليك أن تستقبل فلان، هو عربي بسيط لكن جلسته جميلة”، ثم يذهب فلان إلى بريطانيا أو أمريكا وبسحر ساحر يتحول إلى أمير.
أما علاقة النخبة المارونية بفرنسا، فلم يكن بالإمكان فصل النخبة المارونية عن الحاكمية الفرنسية أو العكس. إذا قرأ أحد الموارنة في الصحيفة خبرًا دوليًا حول فرنسا، كان هذا النخبوي يركب الطائرة ويتوجه نحو فرنسا ويجتمع بالرئيس الفرنسي دون موعد ويناقشه كما لو كان يناقش موضوعًا لبنانيًا.

بالرغم من أن غالبية وزراء خارجية أمريكا يهود، إلا أن هنري كيسنجر هو اليهودي الوحيد الذي استطاع أن يقف بوجه النفوذ الماروني، وقال كلمته الشهيرة: “لبنان خطأ تاريخي، ولا يمكن استمرار الكيان الإسرائيلي إلا بزوال الكيان اللبناني”.
وكان كيسنجر يريد أمرين من تهديم لبنان:
الأول هو ضرب الامتداد الناصري لتخفيف الضغط الإعلامي على أنور السادات من أجل تسهيل عملية السلام بين مصر وإسرائيل.
والثاني، أن لبنان الكيان المسيحي يساهم في نشوء إسرائيل الكيان اليهودي، وبزوال الكيان المسيحي يصبح الكيان اليهودي هو المسيطر على الإعلام والمال والسياحة وصناعة القرار السياسي بالمنطقة. بمعنى أوضح، زوال لبنان هو القربان لبقاء إسرائيل.

ومن ينظر إلى لبنان يجد أن ما قام به بعض الموارنة وحتما عن غير قصد أوصل لبنان إلى حيث كان يريد كيسنجر تمامًا. وإذا عدتم إلى أرشيف الصحف في تلك الحقبة ستجدون أن البيئة المسيحية الحاضنة للقوات حيث حديث غالبية رجال الدين هو تقديم الدعم للقوات، وأهم ما كتب في الثمانينات عن القوات اللبنانية، التي كانت تتلقى الدعم من إسرائيل والعراق هو هذا النص الذي كان يردد يوميًا في الإذاعات والتلفزة في تلك الفترة:

تطورت القوات اللبنانية هذا التطور الكبير في سنوات معدودات وتحولت من مليشيا مرتجلة للدفاع عن لبنان في غياب قواته الشرعية التي غلت أيديها عن القيام بالواجب، إلى جيش حقيقي بكل معنى الكلمة ومجهز تجهيزًا يمكنه من رد العدوان أي عدوان عن الجزء المحرر من الوطن مع التصميم على تحرير الأجزاء المحتلة.

أما ما كان يقال عن بشير الجميل تحديدًا:
ليعلم القاصي والداني أن هناك قائدًا شابًا في لبنان لا يمكن ترويضه ولا إقناعه بغير رأيه ولا تخطيه في مشاريع الحلول التي تطبخ لغير مصلحة وطنه. كما فشلت كل تجارب الحسم العسكري معه، وأن هذا القائد هو العقبة القائمة في طريق أصحاب المؤامرات والنيات والسياسات والمخططات، ما دام مصممًا على أن لا هوادة في نضاله حتى يستقيم الأمر للبنان ويستعيد سيادته وحريته وعافيته وأرضه كاملة غير منقوصة.

وهناك خطاب مسرب لبشير الجميل في 1981 عندما حضر إلى القصر الجمهوري بلباسه العسكري وقال: “إن المقاومة اللبنانية مستمرة إلى ما لا نهاية ودون سؤال مسبق عن نتيجتها ومصيرها لأن القضية هي قضية حياة أو موت ولا خيار فيها”.

هكذا كان الخطاب الكنسي والسياسي الماروني عندما كانت المقاومة مسيحية، مع العلم بأن الموارنة كانوا متحالفين مع الجيش الإسرائيلي الذي كان يحتل جزءًا كبيرًا من لبنان، كما أن المقاومة المسيحية خاضت حروبًا ضد جزء كبير من اللبنانيين والفلسطينيين.

إذا، ماذا تغير اليوم حتى تقوم القيامة على المقاومة الإسلامية، التي على الأقل لم يصعد أمينها العام بلباسه العسكري إلى مكان، كما أن المقاومة الإسلامية لا تقاتل أي فريق لبناني، بل قاتلت الاسرائيلي المحتل والتكفيري الارهابي المجرم الذي جاء ليدمر الكنائس ويتخذ المسيحيين رهائن وملك اليمين.

أيضًا، المقاومة الإسلامية تأخذ دعمها من إيران التي هي دولة غير متواجدة على الأراضي اللبنانية بصيغة الاحتلال كما كانت إسرائيل التي تحتل بالسلاح جزءًا كبيرًا من لبنان وتمارس فيه أبشع الجرائم ضد الإنسانية وتحديدًا ضد الشعب اللبناني.

كما أن الذي رفض بشير الجميل البحث فيه حول المقاومة المسيحية فإن حزب الله دائمًا يدعو للبحث حول المقاومة من خلال استراتيجية دفاعية كاملة. وبينما كان يقال عن المقاومة المسيحية جيش، اليوم المقاومة رغم ضخامة عددها وعتادها إلا أنها ترفض أن تطلق على نفسها لقب جيش بل تسمي نفسها مقاومة.

من جهة فريق لبناني، المقاومة المسيحية أخطأت، ومن جهة فريق لبناني آخر، المقاومة الإسلامية أخطأت. ولكن لماذا الحرب على المقاومة الإسلامية التي حررت جنوب لبنان وقاتلت فقط الإسرائيلي والتكفيري الارهابي؟
لماذا مطلوب أن نشن حربًا على المقاومة الإسلامية التي تسامحت حتى مع العملاء الإسرائيليين، بينما المقاومة المسيحية كانت تحت شعار توحيد البندقية المسيحية لا تقبل حتى باختلاف الرأي المسيحي معها؟

أنا أعرف أين كانت قوة المقاومة المسيحية، وأعرف سبب ضعف المقاومة الإسلامية.
قوة المقاومة المسيحية ليست في شخصية بشير الجميل ولا بالصواريخ والمدرعات التي كانت تمتلكها، بل بالنخبة المارونية التي سوقت وتحدثت ونشرت عن المقاومة المسيحية فحولتها لأيقونة رغم كل الشوائب والأخطاء.

بينما حزب الله رغم أنه فقط ضد العدو الإسرائيلي والتكفيري، إلا أنه يفتقد إلى النخبة التي تسوقه عالميًا، وطالما حزب الله مقصر في إنشاء نخبة، فانه لن يعيش الاستقرار لا في مراحل السلم ولا مراحل الحرب. مع العلم بأنه سيأتي يوم ويكتب أن شعوب لبنان لم تكن تستحق وطنًا، ولا الشعوب العربية واللبنانية كانت تستحق سماحة السيد نصرالله.