امريكا عولمة الدم..ترامب أنموذجا..!
الدكتور محمد صادق الهاشمي ||
نهر الدم الرفيع، الذي جرى على وجه الجمهوري دونالد رامب ( في عملية مفبركة كما يقول بعضاً من المراقبين ) ، قد تدفق من ترعة التاريخ السياسي الامريكي ومنذ استقلالها عن بريطانيا العظمى في عام ١٧٧٦م بل ابعد من ذلك واعمق، وان هذا الرادار العنفي المزلزل ( كما يحلو للبعض توصيفه ) جديداً على القيم الامريكية وديمقراطيتها العتيدة وطقوسها، وهذا خبط في القول والتواء في الادعاء، وانما الحقيقة وبالضرس القاطع، انه تقليداً وممارسةً وتراثاً، عماده النجيع وصلبه افتراس البشر ٠
فالرصاصة الاولى شقت قلب ابراهام لينكولن وهو الرئيس السادس عشر لامريكا في عام ١٨٦٥م الذي لعب دوراً رئيسياً في الغاء العبودية والقضاء على الحرب الاهلية واكمال قوس الحكومة الفدرالية، وكان يقتضي ان يكافأ بافضل الى ماصار اليه مصيره٠
وتوالى فأس الاغتيالات يهشم بعطش نهم، فالجمهوري جيمس غارفيلد في عام ١٨٨١م وبعد اربعة اشهر فقط على بدا رئاسته تلقى رصاصتين من تشارلز غيتو الذي شعر بالاحباط بعد ان حجب عنه منصبا سيادياً كان قد وعده به ولم يفي له٠
ووليام ماكينلي الرئيس الخامس والعشرين تم اغتياله في عام ١٩٠١م بعد ستة اشهر من ولايته الثانية، قاد النصر على اسبانيا وعزز الصناعات الامريكية وحافظ على معيار الذهب، وقد قتله فوضوي بمسدسه كان ينتظر دوره لمصافحته، وقد برر فعلته بقوله، كيف يمكن لانسان ان يحظى بكل هذا التقدير بينما لايحظى غيره بذلك، وقد اعدم على كرسي كهربائي واذيب جسده في الكبريت٠
وجون كيندي الرئيس الخامس والثلاثين، الديمقراطي الكاثوليكي، اغتيل في عام ١٩٦٣م وقد كتبت اكثر من خمسة اطنان من الاوراق المفبركة حوله لتزداد الكلمات المتقاطعة على جثته لاضاعة دمه، وقد قتل قاتله ليدفن السر معه ( كما حصل مع الشخص الذي حاول اغتيال ترامب ) واشارت اصابع الاتهام والادانة الى المافيا والموساد اللتان تعملان لصالح الماسونية اليهودية العالمية، لانه وقف ضد جرائهما وضيق الخناق عليهما فتمت تصفيته، ومما يذكر ان هناك محاولات عدة جرت لاغتياله نجا منها ولكن لم تسعفه حظوظه من الاخيرة٠
وهناك ايضاً من تعرض للاغتيال ولكن القدر انقذه ولم يطوي كتابه، مثل، اندرو جاكسون الرئيس السابع والذي يعتبر احد مؤسسي الحزب الديمقراطي وقد حظي بشعبية كبيرة لبطولته في الحرب ضد القوات البريطانية، تعرض للاغتيال في عام ١٨٣٥م حينما حاول ريتشارد لورنس قتله بمسدسين ففلت منه، وتوفي في عام ١٨٤٥م٠
ومثل ايضاً، الديمقراطي فرانكلين روزفلت الرئيس الثاني والثلاثون وقد حكم اثني عشر عاماً في اربع عهدات انتخابية، وقاد بلاده خلال الحرب العالمية الثانية، ويصفه الباحثون كاحد اعظم ثلاثة رؤوساء الى جانب جورج واشنطن وابراهام لينكولن، الا انه تعرض للاغتيال في عام ١٩٣٣م٠
ومثل، هاري ترومان الرئيس الثالث والثلاثون اذ تم في عهده، ان وضعت الحرب العالمية اوزارها واستسلمت كل من المانيا النازية واليابان اثر قنبلتيه الذرتين وتم انشاء منظمة حلف شمال الاطلسي وبدا الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي وقد تعرض لمحاولة اغتيال في عام ١٩٥٠م عندما اقتحم مسلحان المكان الذي كان فيه لكنه لم يصاب وقتل شرطي واصيب اخران بعد تبادل اطلاق نار٠
ومثل، الجمهوري جيرالد فورد الذي نجا باعجوبة من اطلاق رصاصة باتجاهه وكان بين حشد من ٣ الاف شخص اذ قتل احد حراسه بينما سارع الاخرون الى حمله فوراً الى سيارته الليموزين لنجدته على جناح السرعة وعلى اثرها ظل يرتدي سترة واقية من الرصاص تحت قميصه٠
ومثل، الرئيس الثامن والثلاثين الممثل رونالد ريغان الرئيس الاربعين الذي تعرض للاغتيال في عام ١٩٨١ خلال خروجه من فندق الهلتون في واشنطن، حين اقدم عليه شاب في الثانية والعشرين على اطلاق الرصاص على صدره فاصابه بجراح خطيرة وقتل سكرتيره وجرح حارسيه، وفي فتره حكمه احتال على الانحاد السوفيتي في لعبة النجوم وحربها والتي مهدت لانهياره وانفلات خرزاته الاشتراكية٠
وهذا ترامب شهدنا محاولة اغتياله فاأخطاته الرصاصة الا في اذنه اليمنى٠
ولكن هناك ابعد من هذه الترعة، وهي الحرب الاهلية الامريكية، التي وقعت احداثها بين عامين ( ١٨٦١-١٨٦٥) حيث قاتل شمال امريكا ( الاتحاد الفدرالي ) جنوبها ( الاتحاد الكونفدرالي )، وشارك فيها اكثر من ٣ ملايين جندي، وقتل فيها مايقارب المليون، وتعد من افظع الاحداث الدموية التي كادت تحرق الاتحاد الفدرالي الامريكي ، وقد انتهت الحرب باستتسلام الكونفدراليين، وكانت فواعل الاقتتال، المال، اذ كان الجنوبي الذي يعتمد على تجارة العبيد ونقلهم من افريقيا في انتاج الحقول والمزارع والاستثمار في المحاصيل الاستراتيجية كالقطن والحبوب، مما افرز نشاطه تغولاً حاداً في حجم الثروات عما عليه الشمالي الذي كانت كلمه سر اقتصاده في الصناعة وقطاع البنوك والتامين ووسائل النقل والاتصال، فباتت حتى بعض الولايات الغربية التي انفصلت عن المكسيك يسيل لعابها ويلعق السنتها للالتحاق بالجنوب الثري فيتشيطن بذلك نفوذه ويتضاعف، فهاج الشمال الذي خشي من عدوى الاصابة بعدوى العبودية لطحن الجنوب بمواطنيه وعبيده، ومما عجل في اندلاع الحرب هو وصول الرئيس ابراهام لنكولن الذي ناضل من اجل الغاء العبيد والرق، وتكريس حقوق الانسان والمساواة على كل الارض الامريكية٠
الدم توأم التاريخ الامريكي، فاينما كانت امريكا قالت لها الدماء خذيني معك٠