جواهر عَلَويَّةٌ “كَمالُ الرَّجُلِ عَقْلُهُ، وَقيمَتُهُ فَضْلُهُ”
السيد بلال وهبي ـ لبنان ||
📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “كَمالُ الرَّجُلِ عَقْلُهُ، وَقيمَتُهُ فَضْلُهُ”
الرغبة في الكمال هي الرغبة الأهم على الإطلاق التي أودعها الله تعالى في كيان الإنسان وفَطَرَه عليها، فكل سَعي مادي أو معنوي يسعاه في الحياة، وكل تطوّر وتقدّم ونُمُوٍّ يحصل عليه، وكل إبداع واختراع وفَنٍ من الفنون منشؤه الرغبة في الكمال، بل إن الرغبة في الكمال هي منشأ معظم الرغبات المعنوية والروحية والمادية، ولولا رغبة الإنسان بالكمال ما عبَد الله، وما سعى للتقرِّب إليه، وما تخلَّق بأخلاقه وصفاته، ولو بحثنا في طول الأرض وعرضها فلن نعثر على شخص يرغب في النقص في أبعاده المختلفة، ولهذا يسعى بكل جهده وبقَدْرِ إمكانه ليزيل كل النقائص والعيوب عن نفسه، وليبلغ كماله المنشود.
ومِمّا لا شكَّ فيه أن كماله البدَني موفور بالخِلْقَة، أي إن الله تعالى خلق الإنسان كاملاً وعلى أفضل شكل يمكن أن يكون عليه، قال تعالى: “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴿4/ التين﴾ وذكر الله جلائل نعمه على الإنسان فقال: “اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿64/ غافر﴾ وأحسب أن الإنسان يستوي في هذا مع بقية المخلوقات الحيَّة والنامية فلِكُلٍّ منها كماله، ولِكُلٍ منها نصيبه من الرزق، ولِكُلٍ منها قد جُعِلَت الأرض قراراً والسماء بناءً.
أما كمال الإنسان المعنوي والروحي والعلمي والمعرفي فموكول إليه، ومشروط بإرادته وسَعيه وعمله وجُهده وكَدحه، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴿6/ الانشقاق﴾ وقال تعالى: “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿7﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿8﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴿9﴾ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴿10/ الشمس﴾.
ومِمّا لا شكَّ فيه أن كدح الإنسان نحو الكمال -وذروته القرب من الله معنوياً والتخلُّق بصفاته- كذلك تزكيته لنفسه، لا يمكن أن يكون إلا بوفور عقله وإطاعته له، لأن العقل هو الذي يمَيِّز بين الحُسنِ والقُبحِ، والخير والشَّرِّ، والحق والباطل، والصحيح والخطأ.
ويدل على ذلك أن الإنسان لا تتحدد رغباته الفطرية بحدود الحاجات الطبيعية المادية بل تتجاوزها إلى رغبات أسمى وأرقى، وتتجه باتجاهٍ لا نهاية له، فكلما حقَّق رغبة في هذا المضمار فتحت له أبواباً على المزيد، كما أنه يملك عقلاً يمكنه بواسطته أن يوسِّع معارفه وعلومه إلى ما لا نهاية، فالكمال في هذا المجال لا يمكنه أن يتوصَّل إليه إلا بواسطة إرادته الجادة وعلى ضوء توجيهات العقل وإرشاداته، وبهذا يتضح معنى قول الإمام أمير المؤمنين (ع): “كَمالُ الرَّجُلِ عَقْلُهُ”.
أما قيمة الإنسان فهي لا تنشأ من بدنه لأنه يستوي في هذا جميع بني البشر، كما يستوي في هذا مع بقية المخلوقات التي لها أبدان، ولا تنشأ قيمة الإنسان مِمّا يملك من أموال، ومناصب، ومواقع اجتماعية، إنما تنشأ من معرفته وعلمه وأخلاقه وأهدافه السامية، تنشأ من الخير الذي يكون منه، تنشأ من فضله، والفضل هو الشَّرف والخير، والرجل الفاضِل هو ذو الشرف والخير الكثير.
✍️ السيد بلال وهبي
فجر يوم الأربعاء الواقع في: 24/7/2024 الساعة (03:55)