الاثنين - 24 مارس 2025

التضخم في الأقتصاد العراقي: العوامل المؤثرة وتفاعلها..!

منذ 8 أشهر
الاثنين - 24 مارس 2025

ناجي الغزي / كاتب وباحث سياسي واقتصادي
[email protected]

 


المقدمة
يعد التضخم من أهم الظواهرالإقتصادية التي تؤثر على استقرار االقتصاد
وحياة الأفراد. في الإقتصاد  العراقي تتفاعل مجموعة من العوامل لتحديد
مستوى التضخم، وتشمل هذه العوامل السياسة النقدية والمعروض النقدي
وأسعار الفائدة للبنك المركزي، واإلنفاق الحكومي، وتقلبات أسعار النفط،
والإختلال بين العرض والطلب في السوق، والتغيرات في سعر الصرف..
والعراق لا يزال يواجه تحديات كبيرة في تطوير اقتصاده واستقراره. وبعد
أكثر من عقدين على التغيير, فإن شكل الإقتصاد العراقي لم يستقر حتى الآن على
هوية واضحة ومستقلة. بقى اقتصاده عالقا بين إرث اشتراكي قديم ومتطلبات
الرأسمالية الحديثة، مما يخلق حالة منالإضطراب وعدم اللإستقارا. سنقوم بتحليل
عميق لهذه العوامل وكيفية تفاعلها وتأثيرها على الإقتصاد العراقي.
1 .السياسة النقدية والمعروض النقدي وأسعار الفائدة
دورا محوريا في التحكم بالتضخم االقتصادي. البنك المركزي تلعب السياسة النقدية
العراقي هو السلطة المالية المهمة في البلد يستخدم أدواته النقدية للتحكم بالمعروض النقدي وتحديد أسعار الفائدة لتحقيق االستقرار االقتصادي.
ومزاد العملة يقودنا الى سرد قصة إنشاء مزاد بيع الدوالر من قبل الحاكم ألأمريكي
المدني في العراق. في صيف عام ،2003 اجتمع الحاكم المدني لسلطة التآلف
الأمريكية في العراق ) بول بريمر ( مع مجموعة من خبراء المال واالقتصاد العراقيين
كان الأجتماع مشحونا بالتوتر. وكان العراق قد دخل في مرحلة ما بعد الحرب، وواجه تحديات كبيرة تتعلق بإدارة موارده وإعادة بناء اقتصاده.
فكانت أحد النقاط الخلفية الرئيسية في الإجتماع اقتراح السلطة الأمريكية بشأن كيفية
التعامل مع أموال النفط العراقية. في حينها اقترحت سلطة الإئتلاف الأمريكية أن
يتمكنوا من التصرف المباشر في هذه الأموال وتسديد احتياجات مؤسسات الدولة دون
الحاجة إلى الرجوع إلى الأطراف العراقية الرسمية. هذا الأقتراح واجه اعتراضات
قوية من قبل خبراء الأقتصاد العراقيين، الذين اعتبروا أن مثل هذه الخطوة تعني تقييد
السلطة الإقتصادية للعراق وحرمانه من إمكانية إدارة موارده بشكل مستقل.
أدى هذا التخالف إلى مناقشات مكثفة، ولكن تم التوصل في النهاية إلى تسوية. تم
الإتفاق على إنشاء مزاد لبيع الدولار من قبل البنك المركزي العراقي، وهو قرار كان
له تأثير كبير على الإقتصاد العراقي. الهدف من هذا المزاد كان تحسين السيولة في
السوق، ودعم القطاعات التجارية والصناعية، وتنشيط الإقتصاد الوطني.
أصبح هذا المزاد نقطة تحول في الإقتصاد العراقي، حيث ساعد في إدارة وتوزيع
العملة الأجنبية بطرق أكثر شفافية وفعالية، وسمح للحكومة العراقية بإعادة بناء
اقتصادها بعد سنوات من الصراع والدمار. لكن، وعلى الرغم من الفوائد التي حققها
هذا المزاد، فإن العملية كانت مليئة بالتحديات، حيث واجهت الإقتصاد العراقي
مشكلات متعددة تتعلق بالفساد، عدم الإستقرار الأمني، والإدارة غير الفعالة للموارد.
وان زيادة المعروض النقدي بدون مراعاة مستويات النتائج يمكن أن تؤدي إلى تضخم
نتيجة لزيادة الطلب على السلع والخدمات دون زيادة مقابلة في العرض. بالمقابل رفع
أسعار الفائدة يمكن أن يقلل من التضخم عن طريق تقليل الطلب لاالإستثمار والإستهلاكي.
2 .زيادة الإنفاق الحكومي
زيادة اإلنفاق الحكومي خاصة في مجالات غير إنتاجية، تعتبر عاملا رئيسيا يؤدي
إلى التضخم. عندما توجه الحكومة الأموال إلى مشاريع استهلاكية أو غير منتجة،
يزداد الطلب المحلي على السلع والخدمات، مما قد يؤدي إلى زيادة األسعار إذا لم
يكن هناك زيادة مقابلة في اإلنتاج. هذا النوع من اإلنفاق يمكن أن يولد ضغوط
تضخمية كبيرة، خاصة في اقتصاد ريعي يفتقد الى القطاعات الصناعية واالنتاجية,
ويعتمد بشكل كبير على الواردات لتلبية احتياجاته األساسية.
كما يعتمد العراق على نظام موازنة البنود ) أو ما يعرف بالموازنة الصفرية ( لتنظيم
نفقاته الحكومية، وهذا النظام له جذور تاريخية يعود إلى فترة الدولة العثمانية. يعتبر
نظام موازنة البنود من األنظمة التقليدية البسيطة التي تركز على تخصيص النفقات
على أساس المبالغ التي أنفقتها المؤسسات في السنوات السابقة.
وأبرز المشاكل االقتصادية التي يعاني منها الأقتصاد العراقي، وهي عدم انتظام عملية
اإلإنفاق العام وعدم انتظامه خلال السنة المالية. يعد التأخر في إقرار الموازنة العامة
من األسباب الرئيسية التي تسهم في هذا الخلل الكبير. غالبا ما تسعى الوحدات
الحكومية إلى إنفاق جميع المخصصات المالية المخصصة لها قبل انتهاء السنة المالية،
دون النظر إلى األهداف المحددة لعمليات اإلنفاق.
قد تدفع المؤسسات إلى تصفية الأرصدة المالية المتبقية قبل نهاية السنة المالية لتجنب
تقليص ميزانيتها في السنة القادمة. وهذا قد يؤدي إلى إنفاق غير موجه أو غير فعال
لمجرد التخلص من األموال.
بما أن الموازنة تعتمد على نفقات السنوات السابقة، قد ال تكون هناك دراسة كافية
لألهداف اإلستراتيجية والتغيرات الجديدة في األولويات.
3 .تقلبات أسعار النفط
يشير التحليل إلى أن االقتصاد العراقي ال يزال يعاني من الأعتماد المفرط على النفط
عاما على الغزو الأمريكي. يعتمد الأقنصاد العراقي بشكل كبير بعد مرور عشرين
على عوائد النفط، حيث تشكل أكثر من %95 من الناتج المحلي اإلجمالي. هذا
الإعتماد الشديد يجعل الإقتصاد عرضة للصدمات الخارجية بسبب تقلبات أسعار النفط
العالمية، ما يؤدي إلى عدم استقرار مالي واقتصادي.
وتقلبات أسعار النفط تؤثر على الثقة في االإقتصاد، مما يمكن أن يؤدي إلى تدهور في
سعر الصرف وزيادة التضخم.
وعندما تنخفض أسعار النفط، تتراجع الإيرادات الحكومية مما يزيد من العجز المالي.
قد تلجأ الحكومة إلى تعويض هذا النقص من حالات الإقتراض أو زيادة المعروض
النقدي أو طباعة المزيد من األموال لسد العجز، مما يمكن أن يؤدي إلى التضخم.
على سبيل المثال، عندما ترتفع أسعار النفط، كما حدث في عام ،2022 ينمو االقتصاد
بشكل إيجابي. ولكن عندما تنخفض أسعار النفط، كما في عام 2014 وعام ،2020
عانى االقتصاد العراقي بشكل كبير من االنكماش, الذي أدى إلى ضغوط مالية كبيرة
على الحكومة وزيادة في العجز المالي. باإلضافة إلى ذلك االنخفاض المستمر في
أسعار النفط يمكن أن يضعف الثقة في العملة الوطنية ويؤدي إلى تدهور قيمتها. وهذا
التأرجح يجعل من الصعب على الحكومة التخطيط للمستقبل وتحقيق تنمية اقتصادية
مستدامة.
4 .الإختلال بين العرض والطلب في السوق
أساسيا في التضخم. نقص الإختلال بين العرض والطلب في السوق يعد عوامل
المنتجات الغذائية أو مصادر الطاقة, كما يمكن أن يؤدي إلى زيادة الأسعار بسبب
الطلب المرتفع والعرض المحدود ولفهم هذه الأختلافات يمكن تحليل الطلب والعرض
او ركودا : في السوق على السلع والخدمات في االقتصاديات التي تشهد نموا
التضخم نتيجة زيادة الطلب: عندما يتجاوز الطلب على السلع والخدمات العرض
المتاح، فإن األسعار تبدأ في االرتفاع. هذا يحدث عادة في الفترات التي يشهد فيها
نموا االقتصاد
سريعا، حيث يزداد دخل األفراد ويزداد استهالكهم، مما يؤدي إلى
زيادة الطلب على السلع والخدمات. فهنا قد تجد الشركات صعوبة في تلبية هذا الطلب
المتزايد، مما يجبرها على رفع األسعار لتقليل الطلب الزائد وضبط السوق.
التضخم نتيجة انخفاض العرض: عندما يكون العرض من السلع والخدمات أقل من
الطلب المتزايد، يمكن أن تؤدي الضغوط على العرض إلى ارتفاع األسعار. على
سبيل المثال، إذا كان هناك نقص في المواد الخام أو مشاكل في سلسلة التوريد، قد
تكون الشركات غير قادرة على تلبية الطلب بالكامل، مما يساهم في رفع األسعار.
التضخم في فترة الركود: خالل فترات الركود، يكون الطلب على السلع والخدمات
منخفضا. في هذه الحالة، الشركات قد تخفض األسعار لجذب المشترين وتحفيز
الطلب. لذلك، في مثل هذه الفترات، قد تكون األسعار مستقرة أو حتى تنخفض، مما
يشير إلى انخفاض أو استقرار التضخم.
في العراق الذي يواجه تحديات في اإلنتاج الزراعي والصناعي والخدمي، يمكن أن
تؤدي االختالالت في السوق إلى ضغوط تضخمية كبيرة. هذه االختالالت يمكن أن
تكون نتيجة لعدة عوامل منها الصراعات السياسية وغياب االمن، وسوء اإلدارة
االقتصادية، والفساد والعقوبات االقتصادية. والعالقة بين العرض والطلب تشكل
أساسا لفهم كيف تؤثر القوى االقتصادية في تحديد مستويات األسعار والتضخم.
ا بين العرض والطلب يميل إلى الحفاظ على استقرار االقتصاد الذي يشهد توازن
األسعار، بينما االختالالت في هذا التوازن قد تؤدي إلى تغييرات في مستويات
التضخم.
5 .التغيرات في سعر الصرف
تدهور قيمة الدينار العراقي مقابل العمالت األجنبية يزيد من تكلفة االستيراد، مما
جزءا كبيرا من احتياجاته من يؤدي إلى زيادة التضخم. بما إن العراق يستورد
الخارج، وبالتالي فإن أي انخفاض في قيمة العملة الوطنية ينعكس مباشرة على أسعار
السلع المستوردة. “نافذة العملة” هي إحدى اآلليات التي اعتمدها البنك المركزي
العراقي لتحقيق استقرار سعر صرف الدينار العراقي والحد من تقلباته. تم إنشاء نافذة
العملة في ،2003/10/4 وكانت تهدف إلى تحقيق عدة أهداف اقتصادية ونقدية هامة,
منها: تحقيق االستقرار في سعر الصرف, وإدارة السيولة االقتصادية, وتمويل النشاط
التجاري, وتمويل الحكومة بالدينار, وتحسين القدرة الشرائية, وتوفير الموارد بالعملة
األجنبية, وفتح آفاق استثمارية..
رغم أن المخطط كان يتوقع استمرار نافذة العملة لمدة سنتين إلى ثالث سنوات فقط،
حتى يتمكن القطاع الصناعي والزراعي من سد احتياجات السوق المحلية، فإن نافذة
العملة استمرت في العمل حتى اليوم تحت اسم “نافذة بيع العملة.”
تزايدت تقلبات أسعار الصرف في السوق الموازي بعد القرارات األخيرة للبنك
االحتياطي الفدرالي الأمريكي، وذلك نتيجة لعدة أسباب منها: تقييد وصول المصارف
إلى الدوالر األمريكي, عن طريق قرار البنك الإحتياطي الفدرالي بمعاقبة المصارف
العراقية األربعة ومنعها من التعامل ببتالدولار الأمريكي, مما أضعف القدرة الفعلية
لهذه المصارف على الحصول على الدوالر. هذا الإضطراب في العرض والطلب
على العملة الأمريكية أدى إلى زيادة في التقلبات في السوق الموازي. وهذا الضغط
أدى إلى زيادة الطلب في السوق الموازي وارتفاع األسعار بشكل غير مستقر.
استبعاد عدد من المصارف من النظام المالي الرسمي، زادت مخاوف المستثمرين
والمودعين حول استقرار النظام المصرفي المحلي. هذا يمكن أن يؤدي إلى تزايد
عمليات شراء الدوالر واالحتفاظ به كوسيلة للحماية من تقلبات السوق، مما يساهم في زيادة الضغط على سعر الصرف. الإتهامات المتعلقة بغسل الأموال وتحويل الأموال إلى جهات وأفراد على قائمة العقوبات الأمريكية أثارت حالة من عدم اليقين والقلق في السوق. وهذا القلق أدى إلى زيادة نشاط المضاربة في السوق الموازي، مما ساهم في التقلبات في سعر الصرف.
الغموض وعدم االستقرار في السياسات النقدية والمصرفية يمكن أن يؤدي إلى زيادة
في تقلبات أسعار الصرف، حيث يكون المستثمرون والمستوردون غير متأكدين من
الخطوات المستقبلية التي ستتخذها السلطات المالية.
بالتالي جميع هذه العوامل يمكن أن تؤدي إلى زيادة التقلبات و التغيرات في أسعار
الصرف في السوق الموازي، حيث يكون هناك اختالالت في العرض والطلب وعدم
استقرار في النظام المالي, وعدم الثقة في االقتصاد العراقي.
التفاعل بين العوامل وتأثيرها المتبادل
من المهم أن ندرك أن هذه العوامل ال تعمل بشكل منفصل، بل تتفاعل مع بعضها
البعض لتحديد مستوى التضخم. على سبيل المثال، زيادة اإلنفاق الحكومي يمكن أن
تؤدي إلى زيادة المعروض النقدي، مما يزيد من الضغوط التضخمية. بالمثل, تقلبات
أسعار النفط يمكن أن تؤدي إلى تدهور في سعر الصرف، مما يزيد من تكلفة االستيراد
ويعزز التضخم.
في بعض األحيان، قد ال تعمل هذه العوامل حسب المتوقع بسبب تأثيرات غير مباشرة
أو عوامل خارجية غير متوقعة. على سبيل المثال، قد يؤدي انخفاض أسعار النفط
إلى تحفيز اإلصالحات االقتصادية التي يمكن أن تخفف من الضغوط التضخمية على
المدى الطويل.
الخالصة التضخم في الإقتصاد العراقي هو نتيجة تفاعالات معقدة بين مجموعة من العوامل القتصادية والسياسية. لفهم هذه العوامل وكيفية تفاعلها يساعد في صياغة السياسات الاقتصادية المناسبة للسيطرة على التضخم وتحقيق االستقرار االقتصادي.
لذا من الضروري أن تتبنى الحكومة العراقية سياسات اقتصادية مستدامة وشاملة تأخذ
بنظر االعتبار هذه العوامل وتعمل على تحقيق توازن بينها لضمان استقرار األسعار
وتحسين معيشة المواطنين.
لذا يحتاج العراق إلى تنويع مصادر دخله الإقتصادي وتقليل الإغتماد على النفط
كمصدر اساسي لإيرادات الدخل القومي للدولة. كما يمكن تحقيق ذلك من خالل
تطوير قطاعات أخرى مثل الزراعة، والصناعة، والسياحة، والتكنولوجيا. كما يجب
تعزيز البنية التحتية، وتحسين بيئة األعمال لجذب االستثمارات األجنبية والمحلية،
وتعزيز التعليم والتدريب لتحضير القوى العاملة للمستقبل.
إلى جانب ذلك، يتعين على الحكومة اتخاذ خطوات لتحسين الشفافية ومكافحة الفساد،
مما سيعزز الثقة بين المستثمرين المحليين والدوليين ويسهم في بناء اقتصاد متنوع