جواهر عَلَويَّةٌ: “كَلامُ الْعاقِلِ قُوتٌ، وَجَوابُ الْجاهِلِ سُكُوتٌ”
السيد بلال وهبي ||
📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “كَلامُ الْعاقِلِ قُوتٌ، وَجَوابُ الْجاهِلِ سُكُوتٌ”
كلام العاقل قوت، والقوت هو الطعام الذي يُبقي الإنسانَ على قيد الحياة ويحفظه من الموت، وكيف لا يكون كلام العاقل قوتاً والعاقل لا يتكلم إلا بالنافع من القول، والحكيم من الكلام، وإن الكلام الحَسَنَ الحكيم ليُحيي الإنسان، والتجربة برهان على ذلك، فكم من كلمة قيلَت لقانط يائس بائس بعثت فيه الروح من جديد، وأشعلت سراج الهِمَّة في عقله وقلبه، وكم من فاقدٍ للأمل جرّاء فشل أصابه ففتحت له كلمة أبواباً على نجاحات لم تخطر في باله من قبل.
إن كلام العاقل غذاء للعقول والقلوب والنفوس، فكما تحتاج الأبدان إلى الغذاء، كذلك العقول تحتاج إلى المعارف والحِكَم تتغذَّى بها فكرياً ومعرفياً ومعنوياً، فإن لم تنل منها شيئاً ضمرت وخَفَّت وقد ينتهي بها الحال إلى الموت، وكلما ازداد عقل المرء صار أكثر رغبة وتقديراً بما ولِما تجود به العقول، وإنه ليطلبها ولو بشِقِّ النفس، ويسعى إليها ولو اقتضى الأمر كُلَفاً عالية، يقيناً منه أن الحياة لا تبنيها إلا العقول الراقية التي تجود على الإنسانية بأفكار خَلّاقة وإبداعات غير متوقَّعة.
إن الحياة الإنسانية لا تستقيم على ما يجب أن تكون عليه إلا إذا احترمت ما يقوله العقل والتزمت بما يأمر به وانتهت عما ينهى عنه، والعقل هو الميزة الأهَمُّ التي مَيَّز الله بها الإنسان عن سواه من الخلق، وبسبب هذه الميزة استخلفه في الأرض، وبسببها أيضاً كلَّفه بتكاليف كثيرة ترتقي بالإنسان من مقام البشرية إلى مقام الإنسانية السامية، ولو لم يكن الإنسان عاقِلاً ما استخلَفه الله وما كلَّفَه، ولا يقتصر دور العقل على فهم تكاليف الله تعالى بل يتقدّم إلى الأمام كثيراً حين يُدرك الحُسنَ والقُبح، ويُمَيِّز بينهما، ويدعو إلى فعل الأمور الحَسَنَة واجتناب الأمور القبيحة، وبالتالي فهو المسؤول الأول عن صياغة وصناعة الإنسان الكامل، وصناعة الحياة الإنسانية الراقية الهادفة، فلا عجَب أن يكون كلام العاقِل قوتاً.
فأما الجاهل فإنه يقابل العاقل تماماً، إنهما نقيضان، فإذا كان كلام العاقل قوتاً يُحيي، فإن كلام الجاهل سُمٌّ قاتل يُميت، ولذلك يحسن بالعاقل أن يُعرض عن الجاهل، وأَلّا يدخل معه في نقاش إذ يبعُد أن يصل معه إلى نتيجة، فالسكوت هو الموقف الأسلم في التعامل معه.
ولذلك أوصى الله تعالى رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) أن يُعرِض عن الجاهلين إذ قال: “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴿199/ الأعراف﴾. والأمر بالإعراض عنهم لا يراد منه ترك دعوتهم وهدايتهم فذلك واجب إن كان ممكناً، بل المراد منه عدم مجادلتهم والانشغال بمقولاتهم ومواقفهم وسخافاتهم.
وذكر الله تعالى صفة مُهمّة من صفات المؤمنين وهي الاعراض عن الجاهلين واجتناب مجالستهم فقال تعالى: “وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴿55/ القصص﴾.
وحين عرض الله تعالى صفات عباد الرحمان بدأ أولاً بالإشارة إلى أنهم يجتنبون الجاهلين ولا يدخلون في نقاش معهم، ولا في الردِّ عليهم فقال سبحانه: “وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴿63/ الفرقان﴾.
✍️ السيد بلال وهبي
فجر يوم الخميس الواقع في: 25/7/2024 الساعة (04:00)